السر السوري الخطير في الرد السوري الكبير على الغارة الأمريكية!
فلورنس غزلان
لم تكن الغارة مفاجئة لا للمواطن التعبان ولا لمن يهتم بالشأن العام، فقد اعتاد الخد السوري على اللطم بطريقة مسيحية، بأن يدير الخد الثاني ليُلطم من جديد، لأنه أكثر ضعفاً من احتمال قانون حمورابي” العين بالعين والسن بالسن”، وتَعَود المواطن المتلقي للخطاب القومي الثوري الممانع! أن يجيب لوحده دون إملاء، “أن الرد سيأتي في الوقت المناسب والمكان المناسب” ، أو أنه سيكون” دبلوماسيا سياسياً وعقلانياً ” على رأي نائب وزير خارجيتنا ( السيد المقداد)
وبالطبع يستنكر ويدين ويطعن ويشتكي برسائل عديدة ويستصرخ الضمير الإنساني وبعد كل هذا يحتج من خلال” مُسَّيَرات شعبية تُعَد ويخطط لها من فوق” فيخرج الطلبة من مدارسهم والموظفين من دوائرهم والعمال من معاملهم، أي يتم تعطيل الحياة والإنتاج يوماً كاملاً، الويل والثبور وعظائم الأمور لمن يحتج ويحنق في بيته وينعزل، لأن مُديره مُفوض ومأمور بتسجيل اسم كل متغيب وإرساله” للدوائر المعنية” لتتدبر أمره!، ــ أعرف منذ عقد الثمانينات للقرن المنصرم، أن مديرتي كانت ترجوني رجاء حاراً بالمساهمة ولو لعدة أمتار في المسيرة كي لا تُضطر لوضعي كغائبة ويخصم من مرتبي ويرسل اسمي لمديرية التربية، وأعتقد أن الحال لم يتغير بل ازداد شدة وتضييقا ــ وكي لا يقال أننا نفتري حاشى لله، فقط نعيد ما صدر على لسان الحكومة ودوائرها الأهم ، القيادة القومية للحزب الحاكم أصدرت بيانها ذوالنبرة الثورية الغاضبة قائلة:” أن العدوان الأمريكي عملا إرهابياً، وخرقاً للسيادة وانتهاكاً لمباديء ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة”!!… في اليوم نفسه الذي صدر فيه هذا التصريح” البارحة” ، حكمت محكمة الجنايات في دمشق على معتقلي إعلان دمشق ، الذين قاموا بدورهم كمواطنين يعشقون وطنهم ويريدون الإسهام في إصلاح مساره نحو الديمقراطية ودولة الحق والقانون الملتزم بمواثيق الحق الإنساني في شريعة الأمم المتحدة، لكن الرد السوري على العدوان الأمريكي جاء داخــليـــاً، فقد حكمت المحكمة على هؤلاء المثقفين والناشطين، بالسجن لسنتين ونصف!
هذا يعني أنها تطبق مواثيق الأمم المتحدة! حقوق هؤلاء أمر سيادي! ولا علاقة لمواثيق الأمم المتحدة به، العلاقة فقط تأتي حين تعجز الحكومة عن حماية سيادتها على أراضيها، حين تعجز عن حماية كرامة مواطنيها في البوكمال وعين الصاحب وديرالزور ، وحتى فوق القصر الجمهوري في اللاذقية!…هنا تكتفي بأنه سيأتي الوقت المناسب ذات يوم لن يأتي!.
يحضرني الآن ماورد في صحيفة” الثورة” لسان حال النظام في ال 24 من هذا الشهر وعلى لسان محررها السياسي، قائلا:” أن دمشق بوابة الحوار والعبور للسلام والعلاقات مع أوربا بالذات” …نعم العبور نحو أوربا وإسرائيل والحوار معها، أما الحوار مع المواطن، فهو معدوم وممنوع ومنفصل بشكل متباعد كالثرى والثريا، ومن يحاول أن يفتح فمه ليقول رأيه حتى برغيف الخبز أو يصرخ مطالبا بإنصافه ممن يسرق لقمة أولاده، وقتل ابنه دون سبب، ويطلب منه الخوة كلما مر بقربه أو ألقى عليه السلام، ويشاركه في مائدته وفي إنتاجه ، لأن البلد ثوري اشتراكي! وسلطته تحب أن تشارك الشعب في كل ما ينتج ، لا أن تُشركه في الحكم وتأخذ برأيه في القضايا الهامة كالحوار والمفاوضات والسلام و..و …
كل مافي الأمر عليكم متابعة المسيرات( بضم الميم وتشديد السين)، فقد أعلن النظام وقرر للمواطن في كل محافظة أن تعلن عن غضبها كل واحدة في يوم معين، فلا يغضب الجميع دفعة واحدة وبشكل عفوي!! فالتظاهر العفوي ممنوع ويدل على الفوضى ولا تستطيع المخابرات ترويضه كما يجب، ثم إن الحنق على أمريكا يتم تدريبه وتأهيله حسب المزاج السلطوي وكل يافطة تتم دراسة أبعادها وكل هجوم على مكان وسفارة يتم التخطيط له من الأعلى أيضا، لهذا فالأميركان ليسوا أغبياء، أغلقوا دوائرهم وسفارتهم ونبهوا رعاياهم في سورية ليحتاطوا من غضب الجماهير السورية في مسيراتهم الشعبية! ــ علما والله أعلم ــ ، أن بعض المصادر الإعلامية قالت: “أن السلطة السورية كانت على علم ودراية وغض بصر عن العملية العسكرية في قرية السكرية، وذلك كي تتفادى غضب القاعدة والإرهابيين الذين رعتهم سابقا وانقضوا عليها لاحقاً في التفجير الأخير بدمشق”!! …وإن كان هذا الخبر صحيحاً…فهذا يعني أن التمثيلية محبكة الأداء والأدوار، ونيال الشعب السوري بغوار وأمثال غوار في مراكز المخابرات ودوائر المختار، وفي النهاية من يدفع ثمن المسرحية هو هذا الشعب المحتار…سواء بضربة صاعقة وقتلى وجرحى، أو بمحاكم جائرة تدلل على السيادة الوطنية واحترام المواثيق الدولية في حقوق المواطنة والإنسانية!.
الشعب لا يتظاهر ولا يحتج على موت أولاده غرقا بالعشرات وللمرة الثانية على شواطيء بانياس واللاذقية، ويموتوا ضحية المافيات التشبيحية المدعومة من سلطات وهيئات متنفذة تقضي على أبناء إدلب وحلب المنكوبة اقتصاديا، ولا تخرج المسيرات الشعبية احتجاجاً على البيوت المنهارة في سفح قاسيون، ولا على ما نوهت إليه الدراسة الأحدث في هيئة الأمم المتحدة عن الفقر والمجاعة في العالم فكانت حصة سورية الرقم ( 35) في الترتيب المجاعي ــ هذا الخبر سمعته قبل قليل من الإعلام الفرنسي ــ فالاحتجاج يأتي ضد الآخر ضد العدو الخارجي فقط، أما من يُجَوعنا ، من يسرق غذاءنا فيقف حياله المواطن كاظما للغيض عاضاً على النواجذ، بل” بالع الموس على الحدين”…ألا يخشى النظام من هذا الغضب بأنه لا بد آتٍ؟!…لأنه أوصله حدَ الكفر..الجوع كافر وقتل الأبناء كفرا وبهتاناً ــ كيف أنسى قصة الأب الحموي، الذي قتلت السلطة أبناءه الأربعة ثم الخامس في غرفته وأمام عيني والده كَفَرَ هذا الأب وقال: ” حتى إسرائيل، لو اعتدت فإنها ستبقي على واحد من أنبائي أو أكثرــ علماً أن هذه العائلة لم تكن أبدا إسلامية التوجه ــ لكن “ضاعت الطاسة” أثناء اجتياح وحصد مدينة حماة ، هذا النوع من الكفر هو الذي تدفع السلطات السورية المواطن نحوه وتحصره في أضيق الخانات، حين تمنع عنه كل متطلبات الحياة الكريمة ومسلماتها ولا تبقي له شيئا، حينها تصبح الحياة والموت سيان.
وهو ما تفعله إسرائيل بالفلسطيني حين تودي به للعمليات الانتحارية ، فهل أصبح النظام شبيهاً بإسرائيل؟.
ـ باريس 30/10/2008
خاص – صفحات سورية –