المعادلة الممكنة – المستحيلة بين أنقرة وأكرادها
محمد نورالدين
يعترف الرئيس التركي عبدالله جول بأن المسألة الكردية هي أخطر ما تواجهه البلاد. فهي تمس وحدة الأراضي التركية وبنية الدولة الواحدة، ولا تزال من دون حل منذ أكثر من ثمانين عاماً، بل منذ نشأة الجمهورية في العام 1923. وما يؤكد أن هذه المشكلة هي الشغل الشاغل للأتراك ما كشف عنه الصحافي التركي جان دوندار
قبل مدة، واعتماداً على بعض الأرشيف السري لرئيس الحكومة الراحل بولنت أجاويد، أنه حتى في العام 1961 سعت الطغمة التي قامت بانقلاب 1960 إلى تجديد سياسة تهجير جماعات من الأكراد من مناطقهم في جنوب شرق تركيا، وإسكانهم في مناطق أخرى من تركيا وإحلال مواطنين من أعراق أخرى بدلاً منهم. وكانت مثل هذه السياسة قد اتبعت بعد تأسيس الجمهورية وطوال العشرينات والثلاثينات بموجب قوانين رسمية.
اليوم يتجدد الحديث عن “حل سياسي وشامل” للمشكلة الكردية بعدما رشح أن وزيرة الخارجية الأمريكية اتفقت مع الأتراك في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 على “حل شامل” لهذه المسألة بعد أن تكون تركيا أضعفت حزب العمال الكردستاني عبر عمليات عسكرية تحققت بالفعل بعد ذلك، لكنها لم تكن ذات جدوى عسكرية.
انتهت العملية البرية في شمال العراق، وعاد السؤال من جديد عن ماهية الخطوات السياسية التي تريد الدولة التركية أن تقوم بها تجاه الأكراد في تركيا.
وبدا في الأيام الأخيرة أن تركيا لا تملك تصوراً واحداً وموحداً حول كيفية معالجة المسألة الكردية. حتى الطرف الذي يريد تغليب الحل السياسي لا يملك رزمة خطوات جذرية وشجاعة.
ظهرت في الآونة الأخيرة صورتان:
الأولى تمثلها السلطة السياسية بكل مؤسساتها. إذ استقبل رئيس البرلمان كوكسال طوبتان نواب حزب المجتمع الديمقراطي الكردي الذي ينظر إليه البعض على أنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني.
وبعدها بيوم واحد كان رئيس الجمهورية عبدالله جول يستقبل هؤلاء النواب الأكراد في القصر الجمهوري. وبعده بيوم أطلق رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان مبادرة اقتصادية عبارة عن استثمارات ب12 مليار دولار، منها إقامة سدّين جديدين للمياه في المناطق الكردية وشقّ المزيد من الطرقات وتوسيع مساحة الوقت المخصص للبث باللغة الكردية في التلفزيون الحكومي.
في المقابل كانت السلطات العسكرية والقضائية تذهب إلى الحد الأقصى في مناوأة أي انفتاح على المطالب الكردية.
فها هو الجيش التركي يعارض أن تكون زيارة الرئيس العراقي جلال الطالباني التي حصلت إلى أنقرة رسمية حتى لا يضطر رئيس الأركان إلى مد يده إلى يد الطالباني المتهم بدعم الإرهاب.
في هذا الوقت يرفع أكراد تركيا مطالب قد تبدو راديكالية لكنها غير قابلة للبحث في أنقرة، لا من قبل السلطة السياسية ولا العسكرية والقضائية. ومن هذه المطالب التعليم باللغة الكردية وإقامة مجالس محلية ذات صلاحيات واسعة وإصدار عفو شامل ليتمكن مقاتلو العمال الكردستاني من العودة والمساهمة في العمل السياسي، وفوق ذلك وضع ضمانات في الدستور حول الهوية الكردية.
وفي المقابل تريد أنقرة بكل اتجاهاتها من حزب المجتمع الديمقراطي أن يعتبر العمال الكردستاني منظمة إرهابية واحترام وحدة الأراضي التركية.
في ظل هذا “التوازنات” لا يبدو في الأفق أمل بفتح نوافذ تحقق اختراقاً في جدار المسألة الكردية. فمع استمرار القوى المتشددة على مواقفها لا يبدي “حزب العدالة والتنمية” شجاعة لانفتاح جدّي على مطالب الأكراد. فزيادة ساعات البث باللغة الكردية لاتقدم ولا تؤخر ولن يتابعها أحد في ظل وجود محطات فضائية تبث من خارج تركيا بالكامل باللغة الكردية ويتابعها أكراد تركيا. كما أن إنشاء المزيد من السدود إلى السدود القائمة أصلاً لن يغني الأكراد عن عطشهم إلى التعلم بلغتهم الأم، إضافة إلى اللغة الرسمية التي هي اللغة التركية. والدعوة لممارسة العمل السياسي لا يكتمل ولا يتحقق إلا بعفو شامل عن جميع مقاتلي الكردستاني. وإلا ما معنى “تسوية تاريخية” بين أنقرة وأكرادها إن لم تشمل كل كوادر حزب العمال الكردستاني؟ كما أن الانفتاح السياسي لا يكون بإغلاق حزب يمثل غالبية الأكراد.
أيضاً، لا يمكن لأكراد تركيا أن يواصلوا مطالبهم من دون تبديد الشكوك في أهدافهم النهائية. إن اتخاذ موقف حاسم وواضح جداً في المحافظة على وحدة الأراضي التركية أمر مهم جداً في نضال الأكراد من أجل هويتهم وتحقيق حل في إطار الجمهورية التركية. كذلك لن يعرف الأكراد استقلالاً حقيقياً في مواقفهم إذا كانوا يتلقون دعماً خارجياً يمكن أن ينقطع في أي لحظة، لذا فالنضال الأكثر تأثيراً هو في الداخل التركي ومنه. والتجارب السابقة تدل على أن الاعتماد على الخارج ليس سوى وهم.
فهل يتوصل الأكراد والأتراك إلى مثل هذه المعادل