صفحات سورية

الضربة الأمريكية “الإسرائيلية” أين ومتى؟

null


علي جرادات

سياسات إدارة الصراع الصائبة والفاعلة، بالمعنيين الاستراتيجي والتكتيكي، تحتاج، (ضمن شروط أخرى)، القراءة الدقيقة للوجهة العامة لسياسة العدو. ومن دون ذلك ترتبك السياسة، ويتشوش توظيف أدواتها، ويختل ميزان تعبئتها.

وتلك معايير ملحة للحكم على الإدارة العربية للصراع مع راهن السياسة الأمريكية “الإسرائيلية”، بكل ما يشوبها مِن التباس، بفعل تعاطيها بوجهين مع القضايا العربية: وجه دعائي، وآخر ملموس على الأرض، وذلك خلافاً لما كانت عليه خلال محطتين ماضيتين:

المحطة الأولى: هي المحطة التي أعقبت الحرب على العراق بعد غزوه للكويت، وافتتحها بوش الأب بمؤتمر مدريد عام ،1991 وانتهجت لغة دبلوماسية ناعمة، صبغت اتجاهها العام، وإن جاءت نتائجها عقيمة كمحصلة عامة.

المحطة الثانية: وهي محطة انتهاج لغة حربية عنيفة، وافتتحها بوش الابن بغزو افغانستان ،2001 مروراً بالاجتياحات الصهيونية المتواصلة للضفة وغزة، وابرزها اجتياح الضفة ،2002 تعريجاً على احتلال العراق ،2003 وصولاً الى عدوان يوليو/ تموز 2006 الفاشل على لبنان.

بعد فشل العدوان على لبنان، وتنامي مصاعب الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان، وارتفاع وتيرة التحدي الإيراني، شاعت فرضية أن الوجهة العامة للسياسة الأمريكية “الإسرائيلية”، ستعود الى اللغة الدبلوماسية الناعمة للتعامل مع ملفات المنطقة. وتعززت أوهام تلك الفرضية بفعل ازدواجية لغة واشنطن وتل أبيب، فهي ليست ناعمة بوضوح، (كما في المحطة الأولى)، ولا هي حربية عنيفة بوضوح، (كما في المحطة الثانية)، ما أثار الضباب، وفرض سؤال: تُرى، هل تنحو واشنطن وتل أبيب للتهدئة أم للمواجهة؟!!! أي، هل تتجهان لإعادة انتهاج لغة المحطة الأولى (الدبلوماسية الناعمة)، كما أوصى تقرير بيكر هاملتون، وأوحت “همروجة” “أنابولس”، أم أنهما ستستأنفان انتهاج لغة المحطة الثانية (الحربية العنيفة)؟

تنحو السياسة الأمريكية “الإسرائيلية” للمواجهة. وللتدليل، أجتهد بإيراد المؤشرات التالية:

1- عبثية مفاوضات ما بعد “أنابولس”، بل واقتناع الجميع بأن طريقها بات مسدوداً، وينذر بانفجارات عنيفة، أظن أن “الإسرائيليين” بدعم أمريكي، لا بد انهم يُعدّون النفس لها، ويحرصون على بقاء زمام المبادرة فيها بأيديهم. واستمرار جرائم الحرب الصهيونية في الضفة والقطاع دليل قاطع، بل ويشي باحتمال تصاعدها، خاصة بعد عملية “الشتاء الحار” البربرية في غزة، وتوغلاتها البرية التكتيكية، التي لم يجرِ الإعلان عن انتهائها، رغم الإعلان عن انتهاء مرحلتها الأولى، واعادة انتشار اللواء البري الذي نفذها، بما يشير الى ترجيح تجددها، ربما بذات الوتيرة التكتيكية، أو تصعيدها الى ما هو أوسع.

2- عمل واشنطن وتل أبيب على تفجير الأزمة اللبنانية الداخلية، عبر وضع العصي في دواليب حلولها العربية، ومحاولة تغذيتها بوقائع ملموسة، كان آخرها الإقدام في سوريا على اغتيال القائد العسكري لحزب الله، مع ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات، أعتقد أن “الإسرائيليين” بدعم أمريكي، لا بد انهم يعدون النفس لها ايضا، ويحرصون على أن يكون زمام المبادرة فيها بأيديهم. وفي تحريك المدمرة الأمريكية “كول”، (وما يمكن أن يتبعها) الكثير من الدلالات.

3- العملية “الإسرائيلية” في العمق السوري قبل شهور، مع ما انطوت عليه من احتمال، (ولو نظرياً)، أن تكون بمثابة عود ثقاب لإشعال حرب، أعتقد أيضاً أن “الإسرائيليين” بدعم أمريكي، لا بد انهم أعدوا النفس لها، وحرصوا على أن يكون زمام المبادرة فيها بأيديهم.

4- استمرار الضغط الأمريكي “الإسرائيلي” باتجاه تصعيد العقوبات الدولية المفروضة على ايران، ما يمنع فرص الحل الدبلوماسي لأزمة ملفها النووي، الذي ينذر بنشوب حرب اقليمية لا تبقي ولا تذر، ويبقى (حتى حسمه، سلماً أو حرباً)، بمثابة عامل تفجير كامن ومتشابك مع باقي صراعات المنطقة، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من احتمالات للحرب، أعتقد أن الأمريكيين و”الإسرائيليين”، لا بد انهم يعدون النفس لها، ويحرصون على أن يبقى زمام المبادرة فيها بأيديهم.

عليه، فإن من المنطقي استنتاج أن السياسة الأمريكية الصهيونية تنحو لاستئناف لغة المواجهة الحربية العنيفة، وذلك برغم لغة دعايتها الدبلوماسية الناعمة الرامية لذر الرماد في العيون، وكسب المزيد من الوقت للإعداد والاستعداد السياسي والعملي. وغالبا ما ستكون “اسرائيل” هي منصة إطلاق هذه الحرب، التي ستكون وجهتها جنوب لبنان او جنوب فلسطين. اذا كانت جنوب فلسطين ستكون محدودة، اما اذا كانت جنوب لبنان فربما تكون حربا اقليمية.

التقدير السابق للوجهة العامة للسياسة الأمريكية “الإسرائيلية” لا يستجيب له، لا ذاك الخطاب السياسي الواهم بحل تفاوضي قريب للصراع، ولا ذاك الخطاب السياسي الشعبوي، الذي لا يرى من السياسة الأمريكية “الإسرائيلية” الذاهبة للمواجهة، غير ما تفعله من عمليات تكتيكية هنا أو هناك، هي عملياً ليست سوى أشجار في غابة (حرب)، قد تطل على المنطقة، وتشتعل في مكان وزمان، تحددهما جملة عوامل، يقع في مقدمتها: استكمال الاستعدادات، والتبصر في السيناريوهات، ومحاولة كسب أكبر قدر من التحالفات، وتحييد أكبر قدر من الأعداء القائمين والمحتملين.

بهذه الأسئلة الكبيرة والمفتاحية يجب أن تنشغل النخب القيادية العربية عموما، والفلسطينية خصوصا، ذلك لأن المصيرَ العربي ونواتَه القضيةَ الفلسطينية، يبقى في بؤرة عواصف السياسة الأمريكية “الإسرائيلية” المحتملة، التي لا يشكل ما يُرتكب بحق غزة من جرائم حرب، (مرشحة للتصعيد)، غير نقطة في بحرها. وغالبا ما ستكون في عهد بوش الابن، وقد تأخذ اسم الشتاء القارس أو الربيع الزاهر أو الصيف الحار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى