صفحات سورية

خبر سيّئ جداً من تركيا

null


مارتا أوتافياني

مفاجأة سيئة وخطأ كبير. طلب مدعي عام محكمة التمييز التركية عبد الرحمن يالتشينكايا من المحكمة الدستورية حظر الحزب الإسلامي المعتدل الحاكم، “حزب العدالة والتنمية”. وسبب الدعوى هو أن الحزب ليس علمانياً بما يكفي. كما طلب منع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ورئيس الجمهورية عبدالله غول و69 شخصاً آخر من مزاولة نشاط سياسي.

إنه خبر سيئ جداً لا سيما أنه في الماضي القريب، حُظِر حزبان سياسيان آخران لأنهما ليسا علمانيين أو أسوأ من ذلك لأنهما إسلاميان أكثر من اللازم. عام 1997، حُظِر حزب الرفاه التابع لنجم الدين أربكان بسبب انتمائه الإسلامي. وعام 2001، لقي حزب الفضيلة المصير نفسه.

بدا أكيداً أنه مع حزب العدالة والتنمية، ستبدأ حقبة سياسية جديدة في تركيا، ولا سيما في ضوء النمو الاقتصادي للبلاد والطريق الطويل الذي ينبغي عليها أن تقطعه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لكن لسوء الحظ الواقع مختلف. على المحكمة الدستورية أن تقرر الآن في مسألتين مهمتين: القانون الجديد الذي يجيز ارتداء الحجاب في الجامعات، وهل يبقى الحزب الحاكم في الحلبة السياسية أم لا. برأيي سوف تردّ المحكمة الدعويين، وذلك لسببين: الأول هو أنه يُعرَف عن رئيس المحكمة الدستورية هاشم كيليج أنه مقرّب من رئيس الوزراء. والثاني هو أنه في حال أقرت المحكمة الدستورية الدعويين، فستصبح المسؤولة الأولى عن الفوضى الأكبر في تركيا منذ 1997.

لكن حتى لو قررت المحكمة الدستورية رد الدعويين، فهذه إشارة مهمة وخطيرة بالنسبة إلى تركيا. أود أن أخصص بعض المساحة لأشرح الوضع. أنا لا أحب رجب طيب أردوغان، والسبب هو أنه لا يبدو لي علمانياً بما يكفي لقيادة بلد مثل تركيا. لكن من المعلوم أيضاً أن أردوغان فاز بالانتخابات العامة في تموز بنسبة 47 في المئة من الأصوات. وله الحق في قيادة البلاد

لأن تركيا ديموقراطية. هذه هي المشكلة بالذات:

هناك مفهومان للديموقراطية في تركيا. من جهة هناك العلمانيون البعيدون عن الديانة إنما لديهم موقف قوي جداً من المسألة الكردية ومسائل مهمة أخرى في تركيا. تجدر الإشارة هنا إلى أنه قبل شهرين، طلب يالتشينكايا أيضاً حظر حزب المجتمع الديموقراطي الكردي. وهؤلاء لا يفهمون أن تركيا تغيرت في الأعوام الأخيرة ولا يمكنهم إدارتها كما كان يفعلون قبل عشرين عاماً من خلال التمسك الشديد بالكمالية [نسبة إلى كمال أتاتورك].

ومن جهة أخرى هناك رجب طيب أردوغان وحزبه. جميعهم سياسيون إسلاميون سابقون وهم أقل اعتدالاً من الصورة التي يحبون الظهور بها. لكنهم أيضاً أكثر حنكة، وقد فهموا أيضاً أن جزءاً من الشعب التركي يريد ما يُعرَف بالديموقراطية الحقيقية من دون تدخل العسكر في الحياة المدنية ومن دون قضاء قوي جداً، ومع الإيهام بأن تركيا تزداد ثراء وتصبح أكثر أوروبية.

وقد أعطاهم أردوغان هذا الوهم، مع أنه ليس صحيحاً برأيي أن تركيا تصبح أكثر ثراء وأوروبية. لقد منحهم نمواً اقتصادياً جيداً ولو أنّ الاقتصاد التركي في حالة فوضى شديدة الآن. ومن شأن هذا الوضع أن يسوء أكثر فأكثر بعد الدعوى التي تقدّم بها المدعي العام. وأوحى لهم بأن تركيا تبذل جهوداً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولو كانت هذه المسألة تبدو مجرد ذريعة ليحقق مصالحه ومصالح حزب العدالة والتنمية من دون أي عرقلة من الجيش.

وقد نجح في ذلك. ففي نيسان الماضي حاولت المحكمة الدستورية والجيش وضع العراقيل أمامه. فماذا كانت النتيجة؟ فاز أردوغان في الانتخابات الأخيرة بغالبية كبيرة. وقد تمكّن من فرض قانون الحجاب وتعديل الدستور.

على الأرجح أن هدف مدعي عام محكمة التمييز هو منع حزب العدالة والتنمية من تغيير دستور 1982، وأتفهم شخصياً قلقه في هذا الإطار. إذا غيّر أردوغان الدستور، يصبح القضاء والجيش العلمانيان، أقل نفوذاً، وستكون هذه النهاية بالنسبة إلى تركيا التي يتطلعان إليها.

لكن يؤسفني كثيراً أن أقول لهما إنهما اختارا السبيل الخطأ لأنه بهذه الطريقة سيؤدي أردوغان دور الضحية، ويقول لتركيا وأوروبا إن القضاء يحاول اضطهاده، وسيزداد قوة. أتفهم قلق العلمانيين، فالوضع خطير، لكن إذا استمروا في التصرف على هذا النحو فسيصبح أكثر

سوءاً.

مارتا أوتافياني – اسطنبول

(صحافية إيطالية مقيمة حالياً في اسطنبول أرسلت مقالها إلى “قضايا النهار”وترجمته نسرين ناضر عن الإنكليزية.)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى