صفحات سورية

عشية انتخاب أوباما: من يعتذر للضحايا !!

شبلي شمايل
عاد وليد جنبلاط من الولايات المتحدة ليحدث من يحب الإستماع إليه من الصحفيين عن اجتماعه الممتع ببول ولفوفتز، وكيف تبادلا أطراف الحديث حول انتقاداته السابقة له وجرت جلسة مفاتحة مصارحة مصالحة وبدأت صفحة جديدة، لم يكن العنوان في إعلام 14 آذار يومها “صفقة السمسرة الجديدة مع عراب البنتاغون”، بل “من أجل استقلال وحرية وديمقراطية لبنان” الذي بطلب أمريكي صار يمر أيضا عبر زعزعة الأوضاع في سورية (زعزعة وليس تغيير والفضل لبرهان غليون في توضيح الفرق لكن أصحابه صموا آذانهم عما قال). ولهذا الغرض أيضا استقبل جنبلاط وفدا من الإخوان المسلمين السوريين الذين بزعامة البيانوني صاروا تلاميذ عند الزعيم الدرزي بعد عداء تاريخي مع أبيه القومي التقدمي، ولم يعودوا بصلة لا بالدكتور السباعي ولا بالمؤسس حسن البنا. فقد تعلموا هم أيضا منذ أيام تحالفهم مع النظام العراقي السابق أن العمل السياسي يمر عبر مالك أحد السلطتين المالية والأمنية أو كلاهما لا عبر السياسة الشرعية عند ابن القيم الجوزية. ومن أجل ذلك حاوروا منظمات يمينية متطرفة لكسب رضاها، وتأملوا خيرا بوساطة عند إدارة بوش عبر لقاء البيانوني مع المرتزق التافه الغادري، ثم عقدوا الصفقة القاتلة مع المورط في دمهم وأموال الشعب السوري عبد الحليم خدام. فخسروا كما يقول أهل الدين، خسروا الدنيا والآخرة. “سوسو” أو السنيورة قرر تكريم بولتون بأرفع وسام لبناني لأسوأ مندوب للولايات المتحدة في الأمم المتحدة والذي اضطر المعتوه جورج بوش الاستغناء عنه (يقال أن هذا الاقتراح كما كان اقتراح قرار السيطرة على شبكة الاتصالات لحزب الله من عبقريات المنظر السني جدا رضوان السيد الذي بدأ محاولة تفكير وبحث وانتهى في بورصة الحريري، ولا غريب تحت الشمس)، ذهب النائب السابق رياض سيف والشيوعي السابق رياض الترك لتهنئة السفارة الأمريكية بعيد الاستقلال، أيمن نور وبهي الدين حسن استقبلا في القاهرة كونداليسا رايس، أصيب الأول بدوار الرئاسة فاعتقل ونكل به، واكتفى الثاني بمضاعفة حصته التمويلية فكرمته السلطة المصرية على تعقله. تلامذتهم في سورية لم يحصلوا على أكثر من بعثة دراسية لتشريح أوضاع المعارضة السورية في واشنطن، واستقبل بوش ثلاثة مواطنين حالمين بدبابة أمريكية تنصب النصاب مكان النصاب. من حقوق الإنسان إلى متمردي دارفور والبيشمارغة والإخوان، شهدت أبصارنا في سنوات ثمانية كل أشكال العهر السياسي والمالي عند طبقة من الأمراء والوجهاء (أمراء الحرب الأهلية اللبنانية ووجهاء نالوا سمعتهم من البعثية والشيوعية والإخونجية). تم تسخيف مفهوم المقاومة من قبل أقلام من يدفع أكثر، وتحقير فكرة معاداة الليبرالية الجديدة من ستاليني الأمس، وتسخيف كل من يقول لا لأمركة العالم. وتحدث أكثر من مثقف وسياسي سوري عن المواقف النبيلة للرئيس أمريكي. هناك قيادات سياسية كردية سورية تحولت بسرعة البرق من التقدمية واليسارية إلى الليبرالية على الطريقة الكردية ومن دكتاتورية البروليتاريا إلى دكتاتورية السوق دون بورصة ودون مرتب ثابت بل بالقطعة المأجورة عبر الوسيط الأربيلي أو السليماني. بذلك دخل أكثر من قيادي بتراث 30 عاما من النضال المشاركة في ذكر مآثر بوش ورامسفلد على الشعب الكردي.
أمسكني قبل سنة رفيق من رفاق أيام الوجع ليسألني: “سمعت أنك في المشروع التيمي. فسألته: وما المشروع التيمي؟ قال لي: يعني الحيوانات التي لم تحتضر من اليسار الماركسي السوري قال جمعت حالها في تجمع، روحوا استحوا على حالكم وشوفوا العالم والدنيا، إلى متى ستبقى مغفلا ياصاحبي يعني مفكر راح تعيش مئتي سنة”. من حسن حظ الرفيق السابق أنني طلبت منه بأدب السجون والخبز والملح أن لا يحدثني ولا أحدثه بخير أو شر لأن هذا ليس بنقد بل استهزاء والأحق بالاستهزاء هو من قفز بقدرة قادر من البكداشية إلى النيو ليبرالية ومن حزب العمل الشيوعي إلى شهوانية المشروع الليبرالي دون نقد ذاتي يشرح لنا به كيف فعل هذا. وأضفت: ومع هذا ننتقدكم بأدب رغم أن أهم أساتذتنا الرفيق كارل ماركس لم يتورع في نقده عن وصف أمثالكم بالحمير والأوغاد.
لكن لا تخافي يافتاتي فعروس الجن ستصل يوم العيد قبلك، وستتزوج المرحلة القادمة، وتبحث عن مكان لها في الخيمة الأوبامية، وربما طالبت بتحالف مصري سعودي أوبامي لحماية أهل السنة والتخلص من الطغمة النصيرية الحاكمة في دمشق وضرورة عودة الماركسيين والناصريين والديمقراطيين إلى جحورهم. لا تستغربوا أن شنهد وفودا تصلي لأوباما وتشرح له حسنات البقاء في العراق وبقاء القواعد الأمريكية في قطر والسعودية والبحرين وضرورة قواعد استراتيجية في كردستان وعدم ترك أيتام الليبرالية الجديدة في سورية وحدهم لقمة سائغة لنظام معروف بوحشيته. أليس كل هؤلاء من الديمقراطيين جدا، أليس المبدأ عندهم احترام قرار الشعب الأمريكي؟ ألا يلتقي كل من ذكرت مع أوباما في ضرورة التغيير، أليست الحكمة في أن يباشر “الشيخ” الحريري اتصالاته مع سيد البيت الأبيض الجديد لدراسة مآل محكمة أبيه. وأن ترسل جبهة الاعتدال العربي رسالة للرئيس الجديد تحذره من مغبة التفاؤل المفرط بالحوار مع الغازي الإيراني.
قبل أن نحاول، نحن من حارب البوشية ثماني سنوات، والإمبريالية والاستبداد الداخلي منذ نعومة أظفارنا، أن نفهم ما سيترتب على انتخاب باراك أوباما، أغلق عشاق بوش ورامسفلد وديك شيني الصفحة البوشية ويقومون اليوم بعمل جبار لكي ننسى كل ما فعلوا. لأن ذاكرتنا السياسية نحن العرب والكورد، تقوم على النسيان، وللنسيان فضائل كثيرة أهمها الحرص على الزئبقية والمرونة التكتيكية والانتهازية الوضح نهارية.
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى