لحظة الحقيقة حانت حقاً؟
محمد إبرهيم
رئيس الوزراء الاسرائيلي المنتهية ولايته إيهود أولمرت يعتبر ان “لحظة الحقيقة” قد حانت بالنسبة الى اسرائيل.
والحقيقة التي يتحدث عنها هي أنه لا سلام مع الفلسطينيين والعرب عموماً إلا بالانسحاب الى حدود 1967 مع “تعديلات”.
“التعديلات” هي طبعاً الكتل الاستيطانية، وهي أيضاً القدس حيث يمكن اعادة احياء من القدس الشرقية.
أما لماذا هي لحظة الحقيقة، فلأن هناك خطراً على اسرائيل كدولة “يهودية وديموقراطية”.
أولمرت الذي يزداد فصاحة كلما اقترب من انتهاء ولايته هو بهذا المعنى الوريث الحقيقي لأرييل شارون الذي قطع مع حزب “الليكود” بتبني فكرة التخلي عن اسرائيل الكبرى لمصلحة اسرائيل المنسجمة ديموغرافياً، وحيث يمكن احتواء خطر تمدد فلسطينيي 1948.
لم يواجه شارون موضوع الانسحاب من الضفة الغربية أو من القدس، لكنه لو كان في منصبه الآن، فانه ولا شك سيستكمل خطوته الأولى (الانسحاب من غزة) بانسحاب “ديموغرافي” آخر من الضفة الغربية، وربما كان سيشمل ذلك أحياء من القدس الشرقية، كان وزير الدفاع الحالي إيهود باراك أول من تبنى الانسحاب منها في المفاوضات التي أدارها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في نهاية ولايته بينه وبين ياسر عرفات.
خط شارون – أولمرت من المفترض ان تكون تسيبي ليفني وريثته الطبيعية، لكنها تبدو الآن في موقع أكثر تشدداً. فالاعتبارات الانتخابية في مواجهة “الليكود” وزعيمه بنيامين نتنياهو تجعل من التصلب في ملفات التسوية حاجة انتقالية على الأقل.
وفي انتظار اتضاح المسار الذي قطعته المفاوضات بين ليفني وقريع يبقى الابهام في الموقف الاسرائيلي، والتمسك بالثوابت الاطار العام لمواقف كاديما حتى الربيع المقبل.
لكن أياً تكن مساومات المفاوضات السرية فإن الاتجاهات الظاهرة لدى الرأي العام الاسرائيلي، والانتخابات من أهم تجلياتها، تقول إن الثابت في كل استطلاعات الرأي هو أفول حزب العمل الاسرائيلي والمنافسة الحادة بين “الليكود” و”كاديما” مع انتعاش للتشكيلات اليمينية الدينية والعلمانية مما يجعل أي ائتلاف في اتجاه التسوية مع الفلسطينيين هشاً، هذا اذا افترضنا أن الانتخابات رجّحت “كاديما” على “الليكود”، وليس العكس.
يبقى أن تأملات أولمرت المتأخرة تلاقي صدى معاكساً لدى الفلسطينيين. فهؤلاء أمام التجربة القاسية لأوسلو وتداعياتها، بدأ ينشأ في بعض اوساطهم حنين لشعار الدولة الديموقراطية الواحدة، او لشعار دولة لقوميتين هروباً من الصعوبات التي لا تنتهي عندما يتم البحث في الحدود، وخصوصاً في قضية اللاجئين.
ما يعتبره أولمرت خطراً ديموغرافياً داهماً يتبناه فلسطينيون كانوا جزءاً من مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بجناحها “العلماني”، الذي كان مسيطراً حتى الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وميزة هذا الحل هي أنه يريح “الجميع” في حدود الدولتين المتجاورتين، وطبيعة الدولة الفلسطينية، ومصير اللاجئين. وهو يتقاطع مع المشروع الاسلامي الفلسطيني الذي لم يتبنّ الدولة الفلسطينية المستقلة إلا باعتبارها تكيّفاً تكتيكياً مع الضغوط التي كان مصدرها جنوح الحركة الوطنية الفلسطينية بعد سنوات الصعود الى “التسوية التاريخية”.
واذا كان الخط المستقبلي فلسطينياً هو في اتجاه نمو القوى التي تتقاطع عند اعتبار الدولة الفلسطينية وهماً، فإننا سنكون على مشارف مرحلة جديدة يشتد فيها الصراع.
فهذا الاتجاه الفلسطيني يلاقيه اتجاه اسرائيلي يعود بدوره امام صعوبات التسوية منذ أوسلو الى التصلب عند فكرة البقاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصولاً الى اعادة احتلال غزة لاعتبارات أمنية.
أي ان الخط المستقبلي ربما يكون عودة الصراع الاصلي على كل فلسطين بين اتجاه يهودي يستغل عجز المجتمع والدولة في اسرائيل عن هضم متطلبات “التسوية التاريخية”، واتجاه فلسطيني يراهن على التحالف مع الزمن لاعطاء نقاط القوة الفلسطينية (الديموغرافيا، والقدرة على تحمّل الخسائر) مداها.
النهار