نهاية حقبة خليجية
ساطع نور الدين
الأزمة المالية العالمية تطرق بوابات دول الخليج العربية وإيران، بعنف. الانهيارت الاقتصادية تتلاحق يومياً. خسائر الشركات والأفراد تتوالى بمعدلات غير عادية. أسعار النفط تهبط الى معدلات تقترب من القرن الماضي. ناطحات السحاب التي شيدت على بلاط البحر تكاد تتحول الى خيالات صحراوية، تحرس الفراغ.
لم تكن مفاجئة تلك العاصفة التي تهب اليوم على اقتصاديات تلك الدول، وتضرب أسسها وتحطم أرقامها وتهدد أحلامها، وتدفع بها نحو واحدة من أسوأ مراحل القلق الناجم عن المبالغة في الطموحات والمغامرة في المشروعات والمخاطرة في الاعتماد على مصدر واحد للدخل، ومجال وحيد للاستثمار.
البعض يعتقد أن وصول الأزمة الى الخليج تأخر قليلاً. كان متوقعاً أن يتردد الصدى الأول لانهيار البورصات والبنوك ومؤسسات الاستثمار الأميركية في تلك البقعة من العالم التي باتت أشبه بفناء خلفي للاقتصاد الأميركي، وجعبة نقودية واسعة كانت تمده بالأموال عند الحاجة، وكانت تخفي بعض عيوبه ومظاهر خلله.. وكانت تسعى الى تقليده واستنساخ تجاربه وصوره وأساليبه، من دون نقاش أو اجتهاد.
في كل بلد خليجي، كان هناك طموح وتخطيط وتنفيذ لإقامة نسخة مصغرة عن مدينة نيويورك على سواحل تلك المنطقة، التي لا يمكن أن تصلح لتشييد ناطحات سحاب، ولم تعرف في تاريخها وجغرافيتها سوى تلك البيوت الرملية المنسجمة والمتصالحة مع بيئة مناخية قاسية، ظن أهلها أن اللجوء الى تبليط البحر والبناء وسط مياهه هو البديل من الارتماء في أحضان الصحراء.
حتى الآن لم يصدر أي تقدير لحجم الخسائر التي منيت بها المنطقة كبلدان وعائلات ومؤسسات وأفراد جراء الأزمة العالمية. والرقم الافتراضي يفوق التريليون دولار. معظمه ضاع في الاقتصاد الأميركي المتهالك الذي كان بمثابة الباب الدوار لعائدات النفط الخليجية وصار اليوم أشبه ببئر بلا قاع، يمتص الأموال ويستنفد الاستثمارات، ولا يعوض على أصحابها الذين زعموا في مرحلة ما من التسعينيات أن الأميركيين، سياسيين وجنوداً ورجال أعمال، يشتغلون في خدمة اقتصاد الدول الخليجية الست وأمنها واستقرارها وازدهارها.
الآن، عادت تلك الدول أو هي في طريق العودة الى التواضع، سواء في تقرير موازناتها العامة، التي حسمت منها خلال الأسابيع القليلة الماضية فوائض خيالية قدرت بمئات مليارات الدولارات من عائدات النفط التي فقدت ما يقرب من مئة دولار من سعر البرميل في أقل من شهرين، أو في تحديد سياساتها التي كادت تبدو في العقدين الماضيين أنها محرك لعبة الأمم وصراعات الدول وهتافات الشعوب.
انتهت تلك الحقبة الخليجية، التي كان يبدو معها أن الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون تنتج الأفكار وكان يظهر خلالها أن إيران لا تزال دولة ثورية تصدر مع النفط والغاز مواقف وآراء تشغل العالم.. وكان يفترض خلالها أيضا أن الصراع على مياه الخليج بين الدول المطلة على سواحله هو اختزال لكل الصراعات الدولية، وكاد العالم كله ينقسم معها الى حلف مع السنّة ومحور مع الشيعة، ويتنازع النفوذ في تلك البقعة الجغرافية الملتهبة.
نهاية تلك الحقبة، لن تظهر فقط في العمران، ولن تقتصر آثارها على الخليج.
السفير