مؤتمر أسباب “العجز الديموقراطي” في العالم العربي
عُقِد في الجامعة الأميركية في بيروت في 24 و25 تشرين الأول 2008 مؤتمر جمع العديد من الباحثين والاختصاصيين من البلدان العربية وبلدان أخرى لعرض ما توصّلت إليه أبحاثهم حول الأسباب الكامنة وراء العجز المستمر الذي تعاني منه الديموقراطية في العالم العربي (ما عدا لبنان الذي يُصنَّف في خانة الديموقراطية الجزئية). والمؤتمر هو خلاصة مشروع بحثي عن “الديموقراطية والتنمية في العالم العربي” يديره الدكتور سمير المقدسي والدكتور ابرهيم البدوي ويجمع بين التحليل الكمي والتحليل النوعي في تفسير معوقات المسيرة الديموقراطية في البلدان العربية.
يتضمن المشروع ثماني دراسات حالات عربية تستند إلى تحليل اقتصادي / قياسي يتناول المنطقة العربية أجراه البدوي والمقدسي. يحدّد هذا التحليل العوامل الأساسية العامة للمنطقة ككل التي تقف وراء استمرار الأوتوقراطيات العربية على الرغم من التنمية الاقتصادية – الاجتماعية اللافتة في المنطقة، وتتلخّص هذه العوامل في شكل أساسي بالثروة النفطية والنزاعات الإقليمية وبصورة خاصة النزاع العربي – الإسرائيلي الذي لم يلقَ تسوية عادلة بعد. أما دراسات البلدان التي يشملها المشروع فتنظر في الدور الذي يؤدّيه النفط والنزاعات في استمرار عجز الديموقراطية في البلد المعني (ويختلف هذا الدور من بلد إلى آخر)، لكنها تذهب أبعد من هذين العاملين للنظر في عوامل مهمة خاصة بكل بلد على حدة وهكذا فهي تسلّط ضوءاً إضافياً على الأسباب التي تحول دون استتباب آلية الدمقرطة في البلدان العربية. وتشمل دراسات الحالات الثماني الجزائر ومصر والعراق والأردن ولبنان وسوريا والسودان ومنطقة الخليج .
عرض للأوراق والخلاصات
نعرض في ما يأتي ملخصاً عن المحاضرات (المستندة إلى الأوراق البحثية) التي قُدِّمت في المؤتمر حول العوامل التي تفسّر العوائق التي تعترض آلية الدمقرطة في المنطقة العربية.
بدايةً لوحظ أن العلاقة المتبادلة بين الديموقراطية والتنمية هي مسألة معقّدة ومتعدّدة البعد. تشير نظرية التحديث إلى التأثير الإيجابي للتنمية في تحفيز آلية الدمقرطة. من جهة أخرى يلفت بعض الباحثين إلى تأثير إيجابي عكسي تمارسه الديموقراطية على التنمية. فالبلدان التي نجحت في تحقيق الدمقرطة سجّلت في معظم السنوات معدلات نمو أعلى من تلك التي أخفقت في تحقيقها، كما فاق النمو لديها متوسط النمو في البلدان التي لم تحاول تطبيق الدمقرطة.
وأداء الديموقراطيات أفضل من أداء الأوتوقراطيات من نواحٍ عدة، فعلى سبيل المثال توفّر الديموقراطية استقراراً أكبر وتتعامل بصورة أفضل مع الصدمات المناوئة التي تؤثّر سلباً في النمو في المدى الطويل. في الوقت نفسه، يشير كتّاب آخرون إلى أنه من شأن الأوتوقراطيات أن تعزّز أيضاً التنمية، وفي الواقع قد تكون الأشكال المعتدلة للأوتوقراطية مرغوباً فيها في حالة بعض البلدان لهذه الغاية بالتحديد. تقدّم تجارب كوريا الجنوبية وتايوان وأندونيسيا أمثلة تظهر كيف استطاعت أنظمة أوتوقراطية مركزية صارمة ترويج التنمية الداخلية ولم تتبنَّ أشكال الحكم الديموقراطية سوى في وقت لاحق. وعندما أصبحت ديموقراطية، فإن ارتفاع الدخل بالنسبة إلى الفرد ساهم إلى درجة كبيرة في الحد من احتمال انحدارها من جديد إلى الأوتوقراطية. على كلٍ إنه سؤال مفتوح إذا كانت تجارب هذه البلدان قابلة بالضرورة للتكرار في بلدان نامية أخرى. قد لا تكون العلاقة السببية بين الديموقراطية أو الأوتوقراطية من جهة والتنمية من جهة أخرى مسألة محسومة في الكتابات عن هذا الموضوع. لكن كما يقول أمارتيا سين الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، حتى لو لم يكن هناك رابط واضح بين النمو والديموقراطية أو بين النمو والأوتوقراطية، فإن هذا لا يمنع أنه نظراً إلى ان للديموقراطية والحرية السياسية قيمة ذاتية مهمة، تبقى الحجة المؤيدة لهما قوية.
بالعودة إلى العالم العربي، لاحظت بعض المحاضرات أن إخفاق البلدان العربية مقارنة بالبلدان التي تشهد نمواً سريعاً في شرق آسيا، يعود إلى حد كبير إلى عدم تمتعها كدول أوتوقراطية بالقدرة المناسبة لإدارة الصدمات الخارجية المنشأ الناجمة عن تقلبات أسعار النفط وتواتر النزاعات. وهكذا إلى جانب القيم المتأصلة للدمقرطة في مجالَي الحرية والقيم البشرية، من شأن الدمقرطة في البلدان العربية أن تساهم في نموها واستقرارها في المدى الطويل. ليس السؤال الذي يواجهه العالم العربي، هل يسلك طريق الدمقرطة بل كيف يتغلّب على العوائق الحالية التي تعترض الدمقرطة الحقيقية، ومن هنا الحاجة إلى أن تُحدَّد أولاً الأسباب الكامنة وراء عجز الديموقراطية في هذه البلدان.
أظهرت المحاضرات التي قُدِّمت في المؤتمر أنه في حين أن بعض الأسباب التي تقف وراء عجز الديموقراطية في العالم العربي مشتركة إلى حد كبير على صعيد المنطقة، هناك أسباب أخرى خاصة بكل بلد على حدة. ويمكن اختصارها تحت عنوانين عريضين: 1) النفط والنزاعات والتدخلات الخارجية، و2) المسائل التاريخية والمجتمعية.
1- النفط والنزاعات والتدخلات الخارجية
ركّزت المحاضرات على أن أطروحة النفط والنزاعات تقود إلى ثلاث خلاصات مهمة. تتعلق الخلاصتان الأوليان بالثروة النفطية والدولة الريعية في حين تتمحور الخلاصة الثالثة حول دور النزاعات الإقليمية والتدخلات الخارجية.
أولاً، أشارت المحاضرات بوضوح شديد إلى أنه لا يمكن النظر في تأثير الثروة النفطية لناحية المقايضة بين الرفاه الاقتصادي والحرية السياسية، على الرغم من أهميته، في معزل عن التاريخ الاجتماعي/السياسي للبلد المعني. يجب وضع مسألة الريعية في سياق اجتماعي/سياسي/تاريخي وتقويم تأثيرها على الحاكمية والتنمية على هذا الأساس. فعلى سبيل المثال تراجع تأثير الثروة النفطية في العراق بفعل قدرة الحركة القومية العابرة للإتنيات على تقويض شرعية الملكية، وعقب إطاحتها عام 1958، ولا سيما بعد 1973، لم تتمكّن الثروة النفطية وحدها من الإبقاء على حكم سلطوي مستقر ومؤسسي للبلاد. وفي الجزائر، يجب النظر إلى تأثير الثروة النفطية في سياق التحالف السياسي بين الحزب الذي تولّى السلطة بعد الاستقلال، والجيش والبيروقراطية. وفي الكويت، استطاعت طبقة التجّار المهمة انتزاع بعض الحقوق السياسية قبل بدء الحقبة النفطية (وذلك بسبب دعمها المالي للأسرة الحاكمة) واستمرت هذه الحقوق بعدها. وفي السعودية مارست المجموعات الدينية الأصولية على الدوام تأثيراً كبيراً على طبيعة الدولة؛ وفي دول الخليج الأخرى، ظلت هيكلية السلطة الموروثة من الحقبة الاستعمارية، قائمة وجل ما فعلته الثروة النفطية كان ترسيخ هيمنة الأسرة الحاكمة على السلطة. بعبارة أخرى، يمارس التطور التاريخي والسياسي في البلدان الغنية بالنفط تأثيراً كبيراً على حجم المقايضة بين الرفاه الاقتصادي والحرية السياسية الذي تعزّزه نظرية الريعية. فالقوى التي أدّت إلى بروز الأوتوقراطيات في المرحلة التي سبقت النفط لم تختفِ بعد اكتشافه. وقد أمّنت الثروات النفطية للأنظمة الحاكمة دعماً إضافياً للإبقاء على حكمها الأوتوقراطي (غير المستقر في حالة العراق)، لكنها لا تقدّم في ذاتها تفسيراً وافياً لأسباب استمرار عجز الديموقراطية في البلدان النفطية. يجب ألا نغفل بالتأكيد عن دور التدخلات والتأثيرات الخارجية المرتبطة بالنفط والداعمة للسلطة القائمة.
ثانياً أكّدت المحاضرات أنه من الضروري أن ندرك جيداً التأثيرات المهمة غير المباشرة للثروة النفطية على البلدان العربية غير النفطية التي نزعت إلى ترسيخ أنظمتها القائمة. ففي بعض هذه البلدان مثلاً، استُعمِلت الثروة النفطية لدعم مؤسسات ومجموعات دينية / سياسية معيّنة. وأدّى هذا الدعم، بغض النظر عن جوانبه الخيرية، إلى جعلها مدينة بالفضل سياسياً لداعميها. وفي بلدان أخرى، استُعمِلت الثروة النفطية لمساعدة الحكومات على الإنفاق بكثرة على المؤسسة الأمنية – العسكرية، أو دعمها في حروبها الإقليمية. فضلاً عن ذلك، كانت التنمية الاقتصادية السريعة في بلدان الخليج بمثابة عنصر استقطاب للقوى العاملة في البلدان العربية غير النفطية. وأدّت الهجرة إلى منطقة الخليج، ولا سيما هجرة الفئات المثقّفة بما في ذلك النخب المهتمة بالشأن السياسي، إلى ابتعادها عن القضايا السياسية في بلاد المنشأ، مما ساهم في تخفيف الضغوط السياسية الداخلية لتطبيق الدمقرطة. يعتبر بعض المحللين أنه عبر العمل والإقامة في منطقة الخليج، يكتسب المهاجرون ثقافة اجتماعية – سياسية لا تقود إلى الديموقراطية: يعودون إلى ديارهم مع درجة أعلى من القبول للممارسات الأوتوقراطية لحكوماتهم. كما أن التحويلات الكبيرة نسبياً التي تتدفق إلى البلدان غير النفطية، وكذلك الاستثمارات الخليجية المباشرة، تمنح بلدان الخليج نفوذاً سياسياً إضافياً على صعيد السلطة السياسية العربية، ولا سيما في البلدان غير النفطية الصغيرة.
ثالثاً، دور النزاعات الإقليمية في ترسيخ الأنظمة الأوتوقراطية مرتبط بوضوح بالصراع العربي – الإسرائيلي خاصة أن المسألة الفلسطينية لم تلقَ لها حلاً عادلاً بعد. إن هذا الاستنتاج ينطبق في شكل عام ولو بدرجات مختلفة على البلدان العربية، فالتأثير السلبي الذي يمارسه النزاع العربي – الإسرائيلي على نظام الحكم في البلدان الأقرب إلى مسرح الصراع مثل الأردن ولبنان وسوريا ومصر والعراق أقوى منه في الجزائر أو بعض دول الخليج مثلاً. أما في البلدان التي شهدت حرباً أهلية مثل السودان ولبنان فيظهر تأثيرها السلبي على نظام الحكم بطرق عدّة. فعلى سبيل المثال شجّعت الحرب الأهلية في السودان الانقلابات العسكرية في حين أنها أدّت في لبنان إلى تعميق الانقسامات المذهبية وأعاقت نتيجة لذلك تقدّماً محتملاً نحو ديموقراطية أكثر تطوراً. وأدّت الحروب الدولية في المنطقة مثل الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003 أو قبل ذلك الاجتياح العراقي للكويت والحرب العراقية – الإيرانية، إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة وصعود الأصولية الدينية في آن واحد. قد يختلف التأثير السلبي للنزاعات المختلفة التي اجتاحت العالم العربي، من بلد إلى آخر. لكن بطريقة أو بأخرى، زادت هذه النزاعات من حدّة المقاومة للدمقرطة في حين استعملت السلطات الحاكمة التهديد المحتمل الذي تشكّله الأصولية الدينية ذريعة لتبرير قبضتها الأوتوقراطية على السلطة.
باختصار، ساهم تداخل الثروة النفطية والصراع العربي – الإسرائيلي والتدخلات الخارجية المرتبطة بالمصالح الجيوسياسية والاقتصادية للقوى الأجنبية ولا سيما الغربية، في شكل عام في جعل المنطقة العربية أقل انسجاماً مع مناخ الدمقرطة على الرغم من التنمية الاجتماعية – الاقتصادية اللافتة التي حقّقتها في العقود الخمسة الماضية. حتى لو سلّمنا بعدم وجود علاقة سببية مباشرة بين التنمية والديموقراطية، فهذا لا يمنع أن العوامل المذكورة آنفاً لا تزال تؤدّي دوراً في تأخير العملية الديموقراطية: فلو لم تكن موجودة، لكانت هناك فرص أفضل كي تسود الديموقراطية في المنطقة العربية بغض النظر عن مستوى التنمية الاقتصادية الذي تحققه. في مختلف الأحوال، يجب أن نذهب أبعد من النفط والنزاعات لتمييز العوامل المحددة التي ساهمت أيضاً في عرقلة عملية الدمقرطة.
2- المسائل التاريخية والمجتمعية
أظهرت المحاضرات أنه أبعد من النفط والنزاعات، يتشاطر عدد من البلدان العربية عوامل مشتركة أخرى توفّر تفسيراً إضافياً للأسباب وراء استمرار الأوتوقراطية. وفي الوقت نفسه، تسلّط عوامل خاصة بكل بلد مزيداً من الضوء على هذه المسألة.
بالنسبة إلى العوامل المشتركة يبرز اثنان: الإرث التاريخي والخوف من المجموعات الأصولية الإسلامية في الزمن الحديث. ففي عدد من البلدان العربية (مثلا السودان ودول الخليج)، أدى الإرث التاريخي دورا في استمرار الطبيعة الأوتوقراطية للدولة. في حالة السودان استمرت الأحزاب السياسية المسيطرة بعد الاستقلال في ممارسة تقليد المحاباة المذهبية والسياسة الشخصانية الذي ظهر وتوطد في ظل الحكم الاستعماري: نتيجة لذلك، لم يتم بعد إرساء نظام ديموقراطي. وفي دول الخليج الصغيرة، سمح الدعم البريطاني للحكام الموالين بأن يفرضوا قاعدة نفوذهم الأوتوقراطية التي عززتها الثروة النفطية لاحقاً. قد يكون تأثير الإرث التاريخي أقل أهمية في بلدان عربية أخرى، لكن في شكل عام ظلت سلطات الدول العربية بعد الاستقلال تمارس الامتيازات والسلطات عينها التي كانت تتمتع بها الدول الاستعمارية، وهكذا وضعت مسافة بينها وبين مجتمعاتها تماماً كما فعلت القوى الاستعمارية قبلها.
يشكّل صعود المجموعات الأصولية الإسلامية مصدر قلق شديد لعدد كبير من الأنظمة العربية (مثل مصر وسوريا والأردن والجزائر، والعراق منذ الاجتياح الأميركي عام 2003). ولا يرتبط هذا القلق بالضرورة بالإيديولوجيا السياسية لهذه المجموعات إنما بخوف الحكام من خسارة قبضتهم على السلطة مع كل ما يصحبها من منافع. وهكذا لم يترددوا في استعمال التهديد المحتمل الذي تشكّله المجموعات الأصولية على النظام السياسي القائم تبريراً إضافياً لحكمهم السلطوي مع ما يرافقه من انتهاكات لحقوق المواطنين السياسية والمدنية. فضلاً عن ذلك، شكّل صعود الأصولية دافعاً إضافياً للأنظمة العربية للتواطؤ مع القوى الخارجية ولا سيما الولايات المتحدة، بهدف الحصول على مزيد من الدعم السياسي والعسكري مقابل توسع المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للولايات المتحدة في المنطقة. وقد تطرق عدد من المحاضرات التي قُدِّمت في المؤتمر إلى العوائق التي وضعتها التدخلات الخارجية و / أو التواطؤ مع القوى الخارجية أمام آلية الدمقرطة.
غير أن قصة الأوتوقراطية المستمرة لا تكتمل من دون الإشارة إلى العوامل الخاصة بكل بلد. على سبيل المثال في مصر، ساهم تقهقر الكثافة الرأسمالية للتصنيع في الاقتصاد منذ سبعينات القرن الماضي، في تأخير الدمقرطة في البلاد؛ ناهيك عن نجاح النظام في استيعاب النخب في قطاع الأعمال والمشاريع التجارية وبعض المثقفين في البلاد. وفي الأردن، مارس استيعاب النظام لنخب الأعمال والمثقفين (الطبقة الوسطى) تأثيراً سلبياً في العملية الديموقراطية. وفي السودان، تضافرت طبيعة النظام الاجتماعي الذي يقوم على مجتمع شديد الاستقطاب مرتكز على الخطوط الإتنية – الثقافية والدينية، وربط السياسة بالدين لتأخير عملية الدمقرطة. وفي لبنان، أدت الانقسامات الدينية إلى جانب التدخلات الخارجية، إلى نزاعات داخلية وحالت دون القيام بخطوات نحو ديموقراطية أكثر تقدماً.
في الجزائر، أحكمت “جبهة التحرير الوطني” التي وصلت إلى سدّة الحكم بعد الاستقلال، قبضتها على السلطة عبر ترسيخ تحالف مثلث قوامه الجيش والحزب الواحد والبيروقراطية. ونتيجة لذلك نشأت منظومة سلطة تتسم بصفقة توازن مصالح (بين المجموعات الثلاث) قوامها المنافع – المحسوبية – القمع، بحسب حجم العائدات النفطية المتوافرة لتوزيعها. وقد أتاحت المكاسب النفطية الطائلة وغير المتوقعة للدولة بأن تمنح السكان الرفاه الاجتماعي مقابل حرية أقل. وفي الوقت نفسه، نظراً إلى أن الجزائر هي دولة ريعية لا تملك الكثير من الموارد لتوزيعها، كانت صفقة توازن المصالح المذكورة تحمل في طياتها بزور عدم استقرارها.
باختصار، توصّلت المحاضرات إلى أنه في حين أن النفط والنزاعات هما عاملان محوريان يفسّران سبب عجز الديموقراطية في المنطقة العربية ككل، لا يمكننا أن نحدّد في شكل كامل أسباب استمرار هذا العجز في بلدان عربية معيّنة إلا من خلال الوقوف على عوامل تاريخية ومجتمعية إضافية خاصة بها. في عدد قليل من الحالات، تبدو هذه العوامل بأهمية النفط والنزاعات، إن لم تكن أهم منهما، في تفسير أسباب استمرار الأوتوقراطية. تجدر الإشارة إلى أن الدين في ذاته لا يمارس أي دور في إعاقة المسيرة الديموقراطية. بل إن بقاء الأوتوقراطيات العربية يعود إلى نجاحها في الحفاظ على أدوات سلطوية قوية مستمدة من الموارد الكثيرة في تصرفها، إلى جانب الدعم الخارجي لها. لقد نجحت هذه الأوتوقراطيات في إلغاء الطبقة الوسطى المستقلة وكذلك المجتمع الأهلي، ولم تتردد في استخدام الدين كأداة لتحقيق مآرب سياسية.
لم يتطرق المؤتمر إلى الوسائل التي من شأنها أن تساهم في ترسيخ آلية الدمقرطة في العالم العربي أو تسريعها. سوف يُنظَر في هذه المسألة في ضوء استنتاجات المشروع البحثي. لكن كما أشار بعض الباحثين، هناك أربع نقاط مشتركة للمنطقة ككل ترتدي أهمية قصوى في هذا الإطار: (1) التسوية العادلة للنزاعات الإقليمية ولا سيما المسألة الفلسطينية؛ (2) مقاومة تأثير التدخلات الخارجية المناوئة؛ (3) الإصلاح المؤسسي الذي يجلب معه عقوداً اجتماعية جديدة في البلدان النفطية وغير النفطية، وأخيراً وليس آخراً (4) نمو طبقة وسطى مستقلة وتعاظم دورها في الشأن السياسي، على أن يترافق ذلك مع دور أكثر فعالية للمجتمع الأهلي وترويج ثقافة الديموقراطية.
• واضعو الأوراق البحثية هم:
الجزائر: بلقاسم العباس وعمار بوحوش
مصر: جودة عبد الخالق ومصطفى السيد
العراق: إريك ديفس وبسام يوسف
لبنان: سمير المقدسي وفاديا كيوان وماركوس ماركتانر
الأردن: طاهر كنعان وجوزف مسعد
سوريا: رائد صفدي ورضوان زيادة
السودان: علي عبد القادر وعطا البطحاني
منطقة الخليج: سامي عطالله
إعداد كريم أسمر
(ترجمة نسرين ناضر)