أُسكِتوا من قبل الرجال في الجوارب البيضاء
روبرت فيسك
أسكتوهم، لفقوا لهم التهم، اسجنوهم. أوقفوهم عن الكلام. لماذا أصبحت هذه الأمور من رموز العالم العربي – أو المسلم- ؟ نعم أنا أعرف الكثير حول سمعة الغرب فيما يخص حرية الكلام من الإمبراطورية الرومانية الى محاكم التفتيش الاسبانية، ومن هنري الثامن الى روبيسبير ومن موسوليني و ستالين الى هتلر الى السيد أنتوني بلير. ولكن الأمور تزداد صعوبة عند الوصول الى الشرق الأوسط.
عندما صرخت تلك المرأة المصرية “كفى” إنهم ينتهكون على أيدي شرطة مبارك. و عندما طلب الجزائريون معرفة رجال الشرطة الذين قاموا بقتل أقربائهم تم إلقاء القبض عليهم بسبب تجاهلهم لأمن النظام. و عندما تم اغتيال بنازير بوتو في روالبندي ساد الصمت على مستوى أئمة العالم. وفي صلاة الجنازة التي أقامها الشيخ السيد الذي يدير أحد أكبر المساجد في كندا قال أنه “ يعبر عن تعازيه الحارة للأحبة و أقارب الناس الذين قتلوا في الحادث” وقد سئل الشيخ عن سبب عدم ذكره لاسم بوتو في تعازيه, أجاب : “لماذا ؟ ان هذا الميدان ليس سياسياً. ان الموضوع يتعلق بالدين. و هذه سياسة”. وبالتأكيد هذا الوضع موجود في سوريا. لقد قام الرئيسان بوش و ساركوزي بتوبيخ سوريا بسبب عدم تطبيقها للديمقراطية و انتهاكها المستمر لحقوق الإنسان و الرغبة المفترضة لسوريا في ابتلاع لبنان و فلسطين وحتى قبرص. و لكنني أشعر أن سوريا تتعرض للإجحاف طيلة السنوات ال 90 الماضية.
لقد حدث ذلك أولاً عندما قام الجنرال هنري غورو بتمزيق لبنان عن سوريا في العام 1920 و قام بتسليمها للمسيحيين المواليين لفرنسا. ومن ثم عندما قامت باريس بتسليم مدينة الأسكندرونة الساحلية الى الأتراك عام 1939 – حيث تم إرسال الناجين من القتل الجماعي الذي تعرض له الأرمن للمرة الثانية الى تلك المنطقة- على أمل أن تنضم تركيا للتحالف المضاد لهتلر. ومن ثم وفي حرب الأيام السبعة فقدت سوريا مرتفعات الجولان لصالح اسرائيل. ان سوريا لا تشهد أي توسع أو تمدد بل يبدو انها تفقد أراضي تابعة لها كل عقدين من الزمان.
وإثر موت الرئيس السوري حافظ الأسد فانه من الغريب و كحال شارون اليوم وغيابه عن الوعي كيف أننا نميل لحب هؤلاء المخادعين حالما يرحلون تم إخبارنا بوجود “ربيع لدمشق”. ولطالما اعتقدت أن هذا الأمر مجرد خدعة. لقد خبرت ربيع لبنان وقرأت حول ربيع أوكرانيا وأنا كبير في السن بما يكفي لأتذكر ربيع براغ الذي انتهى به المطاف بالدموع و الدبابات. و أنا متأكد بما يكفي بأن ربيع دمشق لم يبشر أبداً بصيف ذهبي لدمشق.
وعوضا عن هذا الربيع فقد رجعنا الى دقات منتصف الليل و رنين أبواب الزنزانات. لماذا يجب أن تسير الأمور على هذا النحو ؟ لماذا تقوم المخابرات السورية باعتقال الدكتور أحمد طعمة والدكتور ياسر العيتي و جبر الشوفي وفايز سارة وعلي العبدالله وراشد سطوف في ديسمبر، بعد أيام فقط من قيامهم هم و 163 سوري شجاع بحضور اجتماع لإعلان دمشق الذي يدعو الى التغيير الديمقراطي ؟ حيث قام المجتمعون في ذلك الاجتماع بانتخاب الدكتورة فداء الحوراني كرئيسة للمنظمة التي تعرضت هي الأخرى للاعتقال و تم تسفير زوجها الدكتور غازي عليان فلسطيني الأصل الذي أقام في سوريا لمدة 18 سنة الى الأردن.
لقد امتدت الشبكة بشكل أكبر، كما يقولون في تقارير الشرطة. فالفنان السوري المشهور طلال أبو دان اعتقل في مدينة حلب، و قد تم تحطيم الأستوديو التابع له كما تم تدمير لوحاته. ومن و ثم وفي 18 فبراير تم اعتقال كمال المويل من قريته الجميلة الوقعة على طريق القطار البخاري ” الزبداني” على يد الأولاد الذين يرتدون الجوارب البيضاء. و النقطة التي بحاجة الى تفسير هنا هي أن جميع رجال المخابرات في الشرق الأوسط -و ربما يعود السبب الى أن متجرا للملابس قد حصل على امتياز للشرطة السريين – يرتدون الجوارب البيضاء. و لربما الوحيدون الذين لا يفعلون ذلك هم الاسرائيليون الذين يرتدون قبعات بيبسبول قديمة.
ومن نافلة القول أن النظام السوري لا يهمل شأن هؤلاء المعتقلين. فالدكتور الشعيبي والذي يدير مركز المعلومات و الدراسات الإستراتيجية في دمشق ظهر على شاشة الجزيرة ليدين هؤلاء المعتقلين “بسبب ارتباطهم بقوى أجنبية”. لقد تعرضت الدكتورة الحوراني لنوبة قلبية وتم إرسالها لوقت قصير الى المستشفى قبل أن تعاد الى سجن دوما. و لكن و عندما تم إحضار المعتقلين الى قصر العدل ظهرت كدمات واضحة على جسم علي العبدالله . و قد اتهم القاضي محمد الساعور قاضي التحقيق الثالث في دمشق والذي يتم تعيينه من قبل وزير الداخلية المعتقلين ” بنشر معلومات خاطئة” و تشكيل منظمة سرية تهدف الى إسقاط النظام، و العمل على إحياء الفتنة الطائفية. و الجلسة كما يقولون مستمرة.
ولكن لماذا ؟ حسناً، بالعودة الى 4 ديسمبر التقى الرئيس بوش في البيت الأبيض – كان اللقاء سرياً في بادئ الأمر- مع النائب السوري السابق مأمون الحمصي ( الذي يعيش حالياً متعرضا للخطر في بيروت) و مع عمار عبد الحميد العضو في مركز للدراسات يديره مناصر سابق لإسرائيل، ومع جنكيز خان حسو الناشط الكردي في مجال حقوق الإنسان. و بعد تسعة أيام على هذا اللقاء قام مصدر رسمي بتسريب هذا اللقاء الى وكالات الأنباء. وهو الوقت الذي قررت فيه المخابرات السورية القيام بعملها. اذا فكرة من كان هذا الاجتماع؟ ترى هل كان مفترضا لهذا الاجتماع – حينما تم إذاعة خبره- أن يستفز الشرطة السورية للتحرك؟
لقد طالبت صحيفة تشرين الحكومية أن يتم معرفة سر الاهتمام الكبير الذي توليه واشنطن لقضية حقوق الإنسان في سوريا. ألم يكن الحصار المفروض على 1.5 مليون فلسطيني في غزة انتهاكاً لحقوق الإنسان؟ ألم ير العرب بوضوح الاهتمام الأمريكي بحقوق الإنسان الذي ظهر جلياً في سجن أبو غريب و غوانتانامو؟. ان جميع ما سبق صحيح. و لكن لماذا يتم تغذية ماكينة الدعاية الأمريكية ( تعد سوريا مركزا لحماس و حزب الله و الجهاد الاسلامي و مجموعات جهادية أخرى ) بالاعتقال الذي يجري أسبوعيا لأكاديميين في متوسط العمر، حتى أنه تم اعتقال نائب عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق؟
بالطبع فانك لن ترى أن اسرائيل أو الولايات المتحدة قد انشغلت في هذه الأمور . بالتأكيد لا. ولكن لماذا و قبل شهرين من الآن أكتشف وزير الخارجية الكندي ماكسيم بيرنير أن هناك وثيقة سرية تم إرسالها الى دبلوماسيين كنديين تتضمن قائمة بالدول التي يتعرض فيها المعتقلون لخطر التعذيب و أن اسرائيل و الولايات المتحدة غير موجودة في هذه القائمة؟. و لحسن الحظ فان السيد بيرنير قد عرف كيف يتعامل مع مثل هذه الأكاذيب الرخيصة. و قد أعلن أن الوثيقة السرية ” تتضمن بشكل خاطئ بعضاً من أقرب حلفائنا. كما انها لا تمثل رأي أو دبلوماسية الحكومة الكندية”. و على الرغم من ذلك فان القائمة صحيحة بكل تأكيد.
ولكن السيد بيرنير استطاع أن يتجنب الحقيقة و يغلقها، كما فعل السيد مبارك في القاهرة و الرئيس بوتفليقة في الجزائر و كما فعل الشيخ السيد في تورنتو. ان لدى سوريا وبحسب السيد هيثم المالح – القاضي السوري السابق- ما يقرب من 3000 معتقل سياسي في سجونها. و لكنني أتسأل كم من معتقل في السجون الجزائرية ؟ او المصرية ؟ أو في السجون الأمريكية – سواء أكانت سرية أم لا؟ أخرسوهم. اسجنوهم . الصمت.
الانديبندنت 15/3/2008
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي