التعايش
ساطع نور الدين
سواء عقدت القمة العربية في دمشق في موعدها المقرر السبت المقبل ام لم تعقد، وايا كانت معايير الحكم على نجاحها او فشلها، فان المعادلة الجديدة التي يخشى انها باتت تحكم الازمة اللبنانية هي الاتية: اما ان يسقط النظام اللبناني او يتفكك او يتغير سلوكه ووجهته بشكل جذري، او ان يحصل ذلك مع النظام السوري.
لم يعد هناك مجال للحوار او التعايش او المصالحة بين نظامين ظلا متعارضين منذ لحظة تكوينهما الاولى، وهما يسيران الان اكثر من أي وقت مضى في اتجاهين متعاكسين، بعدما حصل الانفصال الثاني بينهما في نيسان العام 2005 ، الذي انهى فترة مساكنة صعبة دامت نحو ثلاثين عاما، وتميزت فقط بهيمنة احدهما على الاخر.
صحيح ان المعضلة الراهنة لا تدور حول شرعية أي من الدولتين، ولا تستحضر احقاد التاريخ ولا مظالم الجغرافيا، وهي خطوة مهمة الى الامام في سياق تنظيم العلاقات بين البلدين الشقيقين اللذين ولد احدهما من رحم الاخر، لكن ذلك لا يعني ان الاعتراف المتبادل بالاستقلال السياسي اصبح سهلا او وشيكا… بغض النظر عن الحروب والازمات الكبرى التي يواجهها المشرق العربي بأسره، والتي قد توحي بان الخلاف بين لبنان وسوريا عقائدي، يخضع لقواعد الثورة الافتراضية التي تقودها دمشق على المشروع الاميركي، او لأحكام الدولة الوهمية التي تروج لها بيروت من داخل هذا المشروع بالذات.
ومثلما لم تكن سوريا يوما دولة مواجهة ولن تكون ابدا، لم يكن لبنان يوما ولن يكون ابدا دولة حليفة للخارج… نقطة الخلاف الوحيدة هي ان اشكال المساومة التي يجريها البلدان مع أي مشروع خارجي تعتمد على ظروف كل منهما وقدرته على تفادي الاستجابة للشروط التي تعرض. وفي هذه الحالة قد تبدو دمشق ممانعة اكثر من بيروت، مع ان العكس قد يكون صحيحا.
الايديولوجيا ليست قاعدة الخلاف الراهن، الذي ينحدر الى ما دون السياسة احيانا، وهو ما يفسر ذلك الاستخفاف السوري المتعمد بجمهور لبناني، يمثل غالبية شعبية لدى مختلف الطوائف التي تحتفظ كل منها بذكرياتها عن حقبة الهيمنة السابقة، التي شهدت من جهة ترويض الطبقة السياسية اللبنانية بالقوة والعنف، كما سجلت من جهة اخرى ترقية القيادة السياسية السورية الى مستويات اسطورية.
الخلل في العلاقة بين هاتين الفئتين عميق جدا، وشخصي جدا، بحيث يحول دون أي شكل من اشكال التعايش بين النظامين اللذين يعثران كل يوم على اسباب سياسية اضافية لتأجيج ذلك الصراع الذي لم يهدأ يوما منذ ان اعلن الاستقلال الاول، وهو يتجه هذه الايام نحو ذروة جديدة، قد تكون الاخطر في تاريخ العلاقات بين البلدين… لانها تقوم على فرضية الحاجة الى تغيير احد النظامين، او ربما الاثنين معا !
السفير 26/03/2008