حتى لو نجحت قمة دمشق: هل لا تزال هناك ضرورة للقمم العربية؟
صالح القلاب
لم يبقَ على الموعد المفترض للقمة العربية (الجديدة) إلا يوم واحد والمؤكد أن هذه القمة التي هي أول قمة تنعقد في دمشق منذ إنشاء جامعة العرب، التي لم تجمع على مدى كل هذا التاريخ الطويل سوى رؤوسهم، فقلوبهم بقيت متفرقة ومتباعدة ومتباغضة. ستنعقد بعد غدٍ، السبت، بمن حضر وهذا التأكيد أطلقه وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي لم يكن دقيقاً في وصف واقع الحال عندما اعتبر في تصريحاته «الغضنفرية» أن القمة الدمشقية الأولى ستكون قمة التضامن العربي.. فأي تضامن وأي وحدة موقف هذه التي يجري الحديث عنها وأهل العرس متفرقون «أيدي سبأ»!!.
إن هذه القمة، التي مثلها مثل معظم القمم العربية السابقة، ستنعقد في ظروف سيئة وصعبة، وبينما العرب عَرَبانِ أو «عُربانا»، فالمقدمات لا تبشر بالخير إطلاقاً والاستقطاب وصل إلى الذروة والقضايا العالقة وصل الخلاف حولها حدود التصادم والصراع، والمضيف كان قد قال على لسان نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ذات لحظة نشوة بـ«الانتصار الإلهي» الذي حققه حزب الله إن «النَّدم» سيكون بانتظار كل من يستنكف ويقاطع.
هناك ثلاثة أمور سبقت الموعد المحدد لانعقاد «القمة الدمشقية»، التي ستنعقد حتماً بعد غدٍ السبت بمن حضر وبغض النظر عن مستوى التمثيل والحضور، وهذه الأمور هي:
أولا: ان وليد المعلم، الذي كان أكثر هدوءا وتواضعا قبل أن يصل إلى هذا الموقع، موقع وزير الخارجية، الذي كان سبقه إليه كلٌ من الأستاذ عبد الحليم خدام الذي كان صاحب لسانٍ ذربٍ ولاذع ويتحلى بجرأة لا علاقة لها بالدبلوماسية الرصينة، والأستاذ فاروق الشرع الذي حاول فِعل «ما لم تستطعه الأوائل».. ان المعلم قد استبق انعقاد هذه القمة بإطلاق تصنيف يشبه تصنيفات أيام الحرب الباردة بقوله: «إن الولايات المتحدة غاضبة على قمة دمشق وإنها لا تريدها».
والمقصود هنا هو الاتهام المسبق للعرب الذين قد يقاطعون والذين قد يكون مستوى تمثيلهم منخفضاً بأنهم يحققون رغبة أميركية وأنهم منحازون إلى المعسكر الأميركي، بينما أن هذه القمة، ولأنها تنعقد في دمشق، قمة مقاتلة وأنها ـ حتى وإن إيران لن تحضرها ـ إلا أنها ستمثل «فسطاط الممانعة والمقاومة»، وتمثل خط «الانتصار الإلهي» والفوز الذي حققته «حماس» في غزة على «فتح» ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية!
ثانياً: وللمزيد من الفرز، بل للمزيد من إحراج مصر تحديداً، بعد إحراج الاجتياح الحدودي المعروف، فقد دُفِعتْ «حماس» لإطلاق تصريحات في إطار رواية بوليسية محبوكة بأنامل استخباراتية رشيقة وتحمل بصمات أجهزة أمن حراس الثورة الإيرانية تحدثت عن تعرض بعض «مجاهديها» الأشاوس الذين عبروا حدود غزة ـ العريش خلسة وبمهمة غير معروفة، إلى عمليات تعذيب منهجية والى صعقٍ كهربائي للأجزاء الحساسة من أعضائهم على أيدي المخابرات المصرية!
ثالثاً: جاء وزير خارجية روسيا سيرجيه لافروف إلى دمشق، بينما العد العكسي لانعقاد قمتها التي من المفترض أن تنعقد بمن حضر وعلى أي مستوى سيكون الحضور، ليعزز الفرز في المنطقة وليوحي بأن هناك معسكرين على النطاق الأوسع، معسكر الولايات المتحدة وحلفائها و«أتباعها»! والمعسكر الآخر الذي يضم موسكو، التي بدأت تنتهج خطّاً ـ ولو شكلياً ـ يشبه خط الاتحاد السوفياتي السابق، ويضم أيضاً إيران وسوريا.. وبالطبع «حزب الله» وحركة «حماس».
وهنا ولإعطاء زيارة لافروف هذه إلى دمشق ـ التي أخذته أيضاً إلى إسرائيل برسالة ودية من خالد مشعل ـ بعداً سياسياً مفتعلاً، فإن وليد المعلم حاول إعطاء انطباع بتبلور كتلتين بالنسبة لقضية الشرق الأوسط العالقة الآن في عنق الزجاجة إن بالنسبة للمسار الفلسطيني أو بالنسبة لمسار هضبة الجولان هما: كتلة مؤتمر أنابوليس وكتلة مؤتمر موسكو الذي يُقال أن أميركا لا تريده لأنها لا تريد إعطاء روسيا أي دور فعلي في قضايا هذه المنطقة. وهذا يصب في عملية الفرز المفتعل والمصطنع التي أرادها وزير الخارجية السوري غطاءً للقمة الدمشقية والهدف هو إحراج الدول العربية التي قد تقاطع أو تحضر ولكن بمستويات منخفضة.
إن هذه هي الأجواء التي ستنعقد فيها أول قمة عربية تستضيفها سوريا منذ إنشاء الجامعة العربية، في نحو منتصف أربعينات القرن الماضي، وهي أجواء غير صحية على الإطلاق، بل ملبدة بغيوم سوداء كثيرة.. وهنا وعلى افتراض أن الحضور العربي سيكون كاملاً وعلى مستوى الملوك والرؤساء والقادة، بدون استثناء، فإن السؤال الذي يجب طرحه قبل ساعات من انعقاد هذه القمة التي لم يتوفر لها أي عامل من عوامل النجاح هو:
هل إن هذه القمة، حتى وإن لم تغب عنها أي دولة عربية، وحتى وإن حضرها القادة والزعماء العرب كلهم، قادرة على حلِّ ولو قضية واحدة من القضايا العالقة التي يمكن وصف كل واحدة منها بأنها أكثر تعقيداً من ذنب الضب..؟!
هل يستطيع الزعماء والقادة العرب حتى وإن لم يتغيب عن «القمة الدمشقية» أي واحد منهم أن يجدوا حلاً للمأزق اللبناني المتفاقم ولمشكلة الوضع الفلسطيني التي بدأت مشكلة إقليمية ولا تزال مشكلة إقليمية وستبقى مشكلة إقليمية؟ هل بالإمكان التعامل مع الأوضاع العراقية المزرية والمتردية ولو في الحدود الدنيا التي تمنع الانزلاق نحو الحرب المذهبية والطائفية التي كانت قد اندلعت في حقيقة الأمر منذ أكثر من ثلاثة أعوام..؟!
بالنسبة للوضع اللبناني المتردي، هناك خطان من الواضح أنهما لا يمكن أن يلتقيا؛ هما الخط الذي يعتبر لبنان إحدى جبهات المواجهة بين إيران وسوريا ومعهما «حزب الله» وحركة «حماس» من جهة، وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى. وهذا يخضع لتأثيرات كثيرة من بينها تأثير المحكمة الدولية التي جرى تشكيلها بقرار دولي من قبل مجلس الأمن للتحقيق في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري وتأثير التطلعات الإقليمية الإيرانية والخط الآخر الذي يريد لهذا البلد أن يكون حرّاً ومستقلاً وقادراً على تقرير مصيره بنفسه بعيداً عن أي تأثيرات خارجية. أما بالنسبة للانقسام الفلسطيني الذي تجاوز الخلاف السياسي إلى التمزق الجغرافي، فإن قمة كهذه القمة، حتى وإن لم تغب عنها أي دولة عربية، وحتى وإن حضرها الملوك والرؤساء والقادة العرب كلهم، وهذا غير متوقع على الإطلاق، لا يمكن أن تنجح حيث فشلت المبادرة اليمنية الأخيرة، وحيث انهار اتفاق مكة المكرمة قبل أن يجف الحبر الذي كُتب به، وحيث أغلقت المعادلة الإقليمية المعروفة التي تشكل إيران الرقم الرئيسي والأساسي فيها الأبواب أمام كل المحاولات السعودية والمصرية الجادة والصادقة لرأب الصدع بين الأشقاء الفلسطينيين.
إن هذا هو واقع الحال وإنه واقع يصح فيه القول: «فالج ولا تعالج» وإن ما ينطبق على لبنان والوضع الفلسطيني المزري ينطبق ـ وعلى نحو أكثر مأساوية ـ على الحالة العراقية. ولذلك فإنه لا يجب انتظار أي شيء جدي من القمة التي يعتقد «الأشقاء» في القيادة السورية أن مجرد انعقادها في دمشق وبالكيفية التي ستنعقد فيها، يعتبر نجاحاً لهم ولخطهم السياسي ولـ«فسطاط الممانعة» الذي يضمهم ويضم إيران و«حزب الله» و«حماس».. ولهذا فإنه لا بد من التفكير في جدوى الاستمرار بعقد القمم العربية بعد أن أصبح عقدها تعميقاً للتمحور والفرز والاستقطاب وبعد أن غدت مجرد لقاءات برؤوس مؤتلفة وقلوب مختلفة!
جريدة الشرق الاوسط