أين نلتقي وأن نختلف بشأن الوضع في غزة والعدوان الإسرائيلي؟
كاظم حبيب
أثار مقالي الأول حول العدوان الإسرائيلي على غزة ودور حماس في هذه العملية , ومن ثم مناقشتي لمقال الأستاذ سلامة كيلة الذي طرح وجهات نظره بشأن المقال الأول , العديد من المناقشات وإبداء الآراء من قبل السيدات والسادة الأفاضل كتاب في الحوار المتمدن بغض النظر عن مدى اتفاقهم أو اختلافهم معي في الرأي والموقف. إذ أن الحوار ومناقشة الأفكار بهدوء وموضوعية يمكنهما إيصالنا إلى نتائج إيجابية أو على الأقل تقريب وجهات النظر أو حتى البقاء على المواقف ولكن باحترام متبادل , فالحياة لا يمكن أن تعرف رأياً واحداً , بل فيها التنوع والاختلاف والصراع الفكري والسياسي.
ابتداءً اجد لزاماً الإشارة إلى عدد من النقاط التي يمكنها أن تساعد على خوض حوار هادئ ومتماسك ومفيد في آن واحد:
1 . إن على إسرائيل أن تدرك بأن الاحتلال الجاري منذ العام 1967 حتى الوقت الحاضر هو السبب المباشر والأساسي في استمرار التوتر والحروب في المنطقة , وخاصة على أرض فلسطين , وبالتالي لا بد لها أن تنسحب من جميع الأراضي العربية المحتلة وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي والقبول بالمبادرة العربية في مؤتمر القمة في الرياض , سواء في فلسطين أم في لبنان أم في سوريا. وهذا ما سجلته في مقالتي الأولى حول النزاع الجاري حالياً في غزة. فالاحتلال هو جوهر المشكلة وأساسها المادي.
2 . إن إسرائيل تمارس اليوم مجزرة إنسانية بشعة تدخل في إطار جرائم ضد الإنسانية , إذ أن غالبية القتلى هم من المدنيين , من الأطفال والنساء , بغض النظر عن ذريعة تقدمها إسرائيل , لهذا يفترض أن يتوجه النضال من أجل إيقاف المجزرة الجارية وفرض سحب القوات الإسرائيلية من غزة وفتح المعابر ومعالجة المشكلات الإنسانية فيها. وعلينا أن لا نختلف بهذه الحقيقة حيث بلغ عدد القتلة أكثر من 700 مواطنة ومواطن فلسطيني وأكثر من ثلاثة ألاف جريح ومعوق. ومع استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية سيزداد عدد القتلى والجرحى والمعوقين والمشردين من بيوتهم والمهجرين من مناطق سكناهم , إضافة إلى التدمير الواسع جداً في المؤسسات المدنية والحكومية والمدارس والمستشفيات …الخ.
3 . إن إسرائيل لا تستطيع عبر الحروب أن تحقق الاستقرار والأمن والسلام لشعبها , بل هي تزيد من التوتر والعداء بين الشعوب العربية وشعب إسرائيل , والدم ينزف دماً , وعليها أن تدرك هذه الحقيقة , إذ أن هذه السياسة التدميرية والقتل الجماعي لن يجلب لها السلام , بل المزيد من الموت المتبادل. وأن إسرائيل ساهمت بكل ما لديها من وسائل واساليب في تشديد الأصولية الدينية في فلسطين المحتلة والتي شاركت في إيصال حماس إلى السلطة فيها , مع ما ارتكبته منظمة التحرير الفلسطينية من سياسات خاطئة وفساد مالي وإداري واسع النطاق وكريه.
4 . إن على اليهود في إسرائيل وعلى العرب في فلسطين أن يدركوا معاً بأن حل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام العادل والدائم بين إسرائيل وفلسطين يقوم على المفاوضات وعبر الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية الوطنية على أرض فلسطين قبل وقوع حرب حزيران 1967 واحتلالها وحل كل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وسحب المستوطنين منها.
5 . كما أن هناك قوى متطرفة وعنصرية ودينية متعصبة كثيرة في إسرائيل , نجد في فلسطين قوى عربية قومية وشوفينية وإسلامية سياسية متطرفة. في الوقت الذي تسعى تلك القوى في إسرائيل , سواء أكانت في الحكم أم خارجه وممثلة في الكنيست أم خارجه , إلى التوسع واقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية وإضافتها إلى خارطة إسرائيل , نجد في الجانب الفلسطيني قوى ترفض الاعتراف بإسرائيل وتريد إزالتها من الخارطة وبهذا لا تريد السلم مع إسرائيل , بل تريد استمرار التوتر والقصف المتبادل (حماس والجهاد الإسلامي وقوى قومية عربية متطرفة) , وهو الذي يصب فعلاً في طاحونة القوى الأكثر تطرفاً في إسرائيل ومنهم حزب الليكود وبنيامين نتنياهو.
6. إن ما يجري في الساحة الإقليمية والدولية يشير إلى أن إسرائيل تريد استمرار تنفيذ مراحل عسكرية خططت لها سلفاً , في حين تسعى حماس إلى المماطلة في قبول مقترحات مصرية – فرنسية , من أجل استمرار الصراع بأمل دفع الدول العربية لدعمها وتوسيع النزاع وجر لبنان (من خلال حزب الله وبعض القوى الفلسطينية المساندة لسوريا) وسوريا إلى المعركة , في حين أعلنت إيران على لسان مرشد إيران علي خامنئي بأن إيران لا تستطيع تقديم المساعدة , بعد أن كانت قد ورطت حماس بتصعيد الوضع من خلال توجيه الصواريخ إلى المناطق المدنية في جنوب إسرائيل والمبادرة إلى إنهاء حالة التهدئة بينها وبين إسرائيل. وهذا يعني استمرار العمليات العسكرية الجوية وعلى الأرض من جانب القوات الإسرائيلة والمزيد من القتلى والجرحى دون الوصول إلى نتيجة مناسبة للشعب الفلسطيني.
7 . من الضروري جداً عدم التدخل في الشأن الفلسطيني من جانب الدول الإقليمية , وخاصة إيران, في ما عدا دعم نضالها من أجل تحقيق هدفها المركزي بإقامة دولتها الوطنية المستقلة , وكذلك منع تدخل حزب الله في المعركة الجارية , إذ أن هذا سوف يقود إلى كوارث جديدة للشعب اللبناني , ويسمح بتدخل دولي أوسع.
إن تحديدي لهذا النقاط يراد منه توضيح الموقف الذي أتبناه ولكي يمنع بعض الطروحات التي يبدو منها وكأنها مزايدة على مواقفي أو عدم فهم أو احتمال تشويه ما ابتغيه. فمناقشتي للأستاذ سلامة كيلة كان من باب تبادل الرأي وتوضيح المواقف وبعيداً عن الاتهامات والإساءات له أو لأي شخص شارك في المناقشة أو تسجيل التعليقات. وأكثر المسائل إساءة تلك التي توجه الاتهامات من دون أسانيد ومن دون طائل. لحقت الأخ سلامة كيلة كما لحقتني بعض الإساءات في خضم هذا النقاش من خلال بعض التعليقات. فمثلاً كنت أحد الأخوة الأفاضل مشيراً إلى أنني كنت أهاجم من قتل الكُرد ولكني أخفف من نقدي على من يقتل العرب في غزة. وهو اتهام باطل لا يصمد أمام سلوكي ولا مع مقالاتي على مدى عقود , ولا مع كتاباتي خلال السنوات الأخيرة.
نعم كتبت عن جرائم النظام الصدامي ضد الشعب الكُردي في حمامات الدم في عمليات الأنفال في العام 1988 حيث كنت شاهداً على تلك الجرائم في إقليم كردستان العراق , وكان هذا الموقف عاراً على كل من عرف بتلك الجرائم ولم يشجبها ويدينها , لأنها كانت جرائم عنصرية بشعة ضد الإنسانية وقتل جماعي وبسلاح كيماوي وقنابل عنقودية ومقابر جماعية وتدمير واسع للمنطقة. أن تلك الجرائم يندى لها جبين الإنسانية , إذ إنها مورست من قبل وحوش كاسرة وليس من بشر ولكن بملابس بشرية , وفي مقدمتهم صدام حسين وعلى حسن المجيد ومن لف لفهما من رموز النظام أو من يؤيدهما في ما قام به النظام حينذاك أو لا يزال يراه اعتيادياً. ولكن من غير المعقول أن يدعي البعض بأني لم أشجب أو أدين جرائم إسرائيل في الاحتلال والعقوبات الجماعية وإدانة المستوطنات الإسرائيلية وسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي مارست ذات السياسات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لقد شجبت الحرب ضد الشعب اللبناني , ولكني لم أنس توجيه النقد العادل ضد سياسات حزب الله وحسن نصر الله الإيرانية في لبنان والمنطقة الذي ورط لبنان في تلك الحرب , والذي لم ينهض لبنان حتى الآن من عواقبها. لدينا مثل شعبي عراقي يقول “أقعد عوج ولكن تحدث باستقامة”. كم أتمنى أن تكون نقاشاتنا هادئة ومفيدة وليس توجيه اتهامات لا غير , فالأولى تنفع في التفكير وإعادة التفكير , والأخرى تقود إلى السكوت وتسيء إلى قائلها ولا تسيء لمن توجه له الشتائم.
تقول مواطنة فاضلة بأني أدافع عن منظمة التحرير الفلسطينية , وهي منظمة فاسدة وفاقدة لكل دعم شعبي. أنا لا أدافع عن المنظمة بل أطرح الموقف. حين قلت بوضوح بأن سياسات المنظمة كانت أحد الأسباب المهمة في توجه الناس نحو حماس (راجع المقال الأول في هذا الصدد) , لأنها كانت منظمة فاسدة مالياً وإدارياً وفقدت الكثير من رصيدها ومصداقيتها في صفوف الشعب الفلسطيني. ولكن هذا لا يعني أننا ينبغي أن نشطب عليها , فهي لا تزال تضم أغلب المنظمات الفلسطينية المناضلة وعلينا مساعدتها في تجاوز ضعفها ونواقصها ودفعها لتلعب دورها الموحد لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة , بدلاً من تأييد منظمة حماس المتطرفة التي فرضت قبل فترة قصيرة تطبيق الشريعة الإسلامية في مجال العقوبات غير الإنسانية كالجلد والرجم بالحجارة وقطع اليد …الخ , وهي مخالفة لحقوق الإنسان وكرامته وتعطيل جزء من أعضاء الإنسان. إنها ذات السياسة التي مارسها صدام حسين حين طرح ما أطلق عليه بـ “الفترة والحملة الإيمانية!” , أو ما تمارسه دولة إيران المتطرفة أو القوى السوداء في الصومال مثلاً.
أحد الأخوة يسأل إذا كانت مشاركتي في حركة الأنصار الشيوعيين في العراق كانت صائبة أم خاطئة بالارتباط مع موقفي من توجيه الصواريخ والمفاوضات السلمية في بين فلسطين وإسرائيل. لقد كنت إلى جانب المشاركة في حرب الأنصار , ولكن ليس كأسلوب وحيد لإسقاط النظام الصدامي وكنت أحد الداعين له قبل اصدور قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي , وكنت عضواً فيها, في حزيران/تموز من العام 1979 برفع شعار إسقاط النظام بدلاً من إنهاء الدكتاتورية أولاً وشعار ممارسة حرب الأنصار كشكل من أشكال النضال لإسقاط النظام ثانياً. وكانت مجموعات من الشيوعيين المناضلين قد ارتقوا الجبال وشكلوا وحدات لأأنصارية منذ نهاية 1078 وبداية 1979 , وفي حينها تركت كرسي الأستاذية في جامعة الجزائر العاصمة (1981) والتحقت بحركة الأنصار/البيشمركة لقناعتي بذلك حينذاك. ولكن نضالنا في الأنصار , رغم الضحيات البشرية الكبيرة والصعوبات الجمة التي قدمها الأنصار , لم ينته إلى انتصار , ولم يكن قادراً على إنهاء النظام , ولكنه لم يكن صائباً في قناعتي التي تشكلت منذ سنوات , رغم أني غير نادم على نضالي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي أو في حركة الأنصار , ولهما معاً تاريخ مشرف , بل أعتز بهما , رغم أني لم أعد في صفوف الحزب الشيوعي العراقي . ولهذا أقول بأن نضالنا يفترض أن ينصب على أسس سلمية من حيث المبدأ ولا أفرض على أحد أن يأخذ بهذا الرأي , بل هذا هو موقفي.
من الغريب حقاً أن بعض من كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي العاقي قد خرجوا منه , وهو حقهم المشروع في اتخاذ هذا الموقف . ولكنهم تحولوا إلى أعداء , وهنا الغرابة في الأمر. ولا أدري أو أعرف لماذ وضعوا الحزب الشيوعي العراقي السندان الذي يطرقون عليه ما يشاءون أو في مركز مشاكستهم له والإساءة لنضاله وكأنه القوة المعادية لهم. لهم كل الحق في نقد الحزب الشيوعي , وأنا أمارس ذلك بكل وضوح , ولكن لا أرى سبباً لمعاداة هذا الحزب ولا لتاريخه النظيف في هذا الحزب ولا حتى لتاريخ أولئك الذين خرجوا منه. فالحزب الشيوعي العراقي أحد أبرز الأحزاب الوطنية في العراق واقدمها على الإطلاق حالياً , بغض النظر عن ملاحظاتنا بشأن سياساته أو غير ذلك.
شن البعض حملة غير معقولة وغير مقبولة , كما أرى ضد مؤسسة الحوار المتمدن بذريعة أن يجامل البعض من الكتاب. إن متابعتي لنشر الحوار المتمدن وجدت أنه كان عادلاً وتطور في ممارساته وبدأ يمنع يصواب نشر الشتائم والإساءات التي لا يتورع البعض عن توجيهها لهذا الكاتب أو الكاتبة. أما بالنسبة لي فقد كان هناك خلل تقني في عدم نشر التعليقات بشأن مقالاتي وقد تم تصليح الخلل , كمت بلغني الأخوة يوم أمس.
لقد كان لي موقفي الخاص ضد تقييم المقالات بدرجات وقد بلغت الأخوات والأخوة في إدارة الحوار المتمدن منذ سنوات. ولكني اتفق مع نشر التعليقات , في ما عدا ما يمنعونه بسبب إساءات شخصية وشتائم غير مبررة وليست حواراً مدنياً. أن البرنامج الموضوع في الحوار المتمدن يمنع نشر مقالات تحتوي على كلمات تعبر إساءات أولاً ويحق لمن توجعه له تلك افساءات رفع الدعوى القضائية ضد الكاتب وضد الحوار المتمدن. والحوار المتمدن ينطلق من اسمه حفاظاً على سمعة كاتباته وكتابه.
وأخيراً علينا أن نعمل الآن وكل دأب من أجل وقف العدوان ووقف نزيف الدم , فالمعركة غير متكافئة والموت من طرف واحد لبنات وأبناء الشعب الفلسطيني.
8/1/2009 كاظم حبيب