هل يقع الاخوان المسلمون السوريون في الفخ الايراني؟
جان كورد
لا أدري ماذا تغيّر في طبيعة النظام الحاكم في سوريا حتى تغيّر موقف هذا الفصيل من المعارضة السورية تجاهه فجأة؟ أهي فعلا صدمة “غزة” التي أيقظت الإخوان المسلمين السوريين ونبهتهم إلى أن “العالم العربي – الاسلامي في خطر؟…” أم أن هناك “أسرار” أخرى غير “السر” الذي وقف عليه الأستاذ زهير سالم، أحد أكبر عقول هذه الحركة الإسلامية في المشرق العربي؟؟؟
إذا ما نظرنا إلى تاريخ هذا النظام الأسدي – البعثي، وبخاصة ما ارتكبه بحق “الاخوان المسلمين”، لوجدناه حافلا بالجرائم الواقعة على الإنسانية، وحسب ما يقوله “الاخوان” أنفسهم في أدبياتهم الحزبية والسياسية..والنظام لم يقم بشيء من الاعتراف بتلك الجرائم البشعة ولم يحاكم أحدا من طواقمه القديمة والحديثة بسببها، حتى نقول بأن “الاخوان” راضون عن سير الحكومة في مجال تصحيح الخطأ التاريخي بحقهم.. خاصة وإن القانون (49) الذي كان مسلّطا على رقابهم لايزال مفعولا…
أما بالنسبة للشعب السوري الذي يعتبر بالتأكيد أي فصيل من المعارضة السورية يتخلى عن مهمته الموكولة إليه خيانة بحقه، بحق شهدائه ومعتقليه، وبحق كل الذين مروا ويمرون لعقود طويلة من الزمن بمعاناة لامثيل لها، على كافة الأصعدة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية… فهل عمل النظام شيئا في هذا المجال لنقول بأن “الاخوان” مستعدون الآن للعفو عنه والكف عن معارضته…؟
وإذا ما تطرقنا إلى مسلسل النضالات العظيمة في مجال “المقاومة!!” و “التصدي للعدون!!”، فهل قام النظام السوري بشيء عملي فعلا في هذا المجال؟ أنا لم أر ذلك ولم أسمع سوى ب”الجهود المشتركة في المجتمع الدولي لايقاف اسرائيل عند حدها وايقاف عدوانها!!!” وهذا لايزيد قشة واحدة في الجهود العربية المبذولة من دول أخرى معروفة مثل العربية السعودية ومصر والمغرب والأردن…
النظام السوري الحاكم الذي انقلب “الاخوان” فجأة إلى موقف آخر تجاهه لم يفعل شيئا، لا على مستوى الاعتراف بجرائمه، ولا على مستوى الحريات وحقوق الإنسان في سوريا، ولا على مستوى “المقاومة والتحرير!!!”، فما الذي تغير؟
فإن قلنا:”العدوان الاسرائيلي على غزة هو السبب في تغيّر الموقف الاخواني؟” فسيسأل المواطن السوري:”ولماذا لم يتغير موقفهم من النظام أثناء الهجوم الاسرائيلي على لبنان عدة مرات وعلى غزة ايضا قبل الآن؟…”
بلا شك أن الذي تغيّر في الوضع الحالي لم يكن النظام ولا الوضع في فلسطين التي تعاني من هذه المآسي منذ عام 1948، وكان “الاخوان” في صراع دؤوب من النظم السورية منذ ذلك الحين، وانما الذي تغيّر هو الفكر الاخواني الذي مرّ في السنوات الأخيرة بمرحلة من الشدة والتراخي، فالاخوان تحت قيادة الأستاذ عدنان سعد الدين والمفكر الشهير سعيد حوى كانوا في وضع غير الذي هم عليه تحت قيادة الأستاذ البيانوني والمفكر زهير سالم، وموضوع “غزة” التي تؤلم القلوب وتدميها ربما تكون “ذريعة” للتقارب خطوة أخرى صوب النظام الأسدي – البعثي بعد عرض المسلسل الطويل من المغازلات البيانونية معه، عبر الأثير وعلى شاشات التلفزيون… فهل تعب “الاخوان” من العمل الجهادي الذي كانوا في الماضي يعتبرونه واجبا وطنيا لايمكن التملّص منه؟ أم أنهم يأملون في “اعادة انتشار” أفضل، إذا ما سنح لهم النظام الفرصة بالتمتع بالحريات التي يمنحها للشعب السوري وللمعارضة في الوطن؟
ولكن مهما تكن الدوافع الحقيقية ل”كف المعارضة” في وجه نظام غير قادر على اصلاح نفسه واصلاح بنيانه السياسي، وغير قادر على فعل “المقاومة” ولا يجيد غير الكلام في أيام المحن، فإن ذريعة “غزة” لاتقنع الشعب السوري، و”السر!!!” المكنون في القرار الاخواني الذي تحدث عنه الأستاذ زهير سالم في مقال أخير له، لم يقنعني حقا، بل زاد من شكوكي حول هذه الخطوة البائسة التي ستخلق اضطرابا كبيرا في قواعد “الاخوان” إن وجدت فعلا…
هنا كان من الأولى والأجدر الانتباه إلى حبائل النظام الايراني وشباكه العنكبوتية التي تقتنص الحركات والنظم في المنطقة بسرعة مدهشة…فمجرّد القبول ب”كف المعارضة!” للنظام الأسدي – البعثي، والسكوت عن سياساته التي تصب في الماء في الطاحونة الفارسية الطائفية هو قبول في الوقت ذاته –شئنا أم أبينا- بالتوسّع الايراني غربا صوب البحر الأبيض المتوسط على حساب “العقيدة الصحيحة”، كما كان “الاخوان” أنفسهم يحذرون منه…أم أن موقف التأييد التام لحركة “حماس” الفلسطينية من قبل “الاخوان” دفعهم في لحظة من لحظات طغيان العاطفة القومية والحماس الديني إلى ترك ساحة المعارضة السورية والانتقال إلى الساحة الفلسطينية؟ أولم يكن “الاخوان” دائما على هذا الموقف من قبل؟
إذن، فليدعوا التحدّث باسم السوريين وسوريا وباسم المعارضة السورية وليذهبوا لحمل السلاح جنبا إلى جنب مع “حماس” في غزة!!! إن كانوا يعتقدون فعلا بأن أولوية الصراع على الساحة السورية للكفاح الفلسطيني– الاسلامي، فهل دعوتهم هي التالي: ليدع السوريون صراعهم مع النظام المستبد بهم الآن جانبا؟ كما قرر الاخوان…
لايستطيع أحد انكار الدور الذي يلعبه النظام السوري ومن ورائه النظام الايراني، وكلاهما طائفيان حتى العظم، في احتواء حركة “حماس” الفلسطينية، وبرأيي فإن “الاخوان” السوريين الذين لايستطيعون تحديد أولوياتهم على الساحتين السورية والعربية، انما ينزلقون دون أن يشعروا صوب “الحلف الشيعي” وتوسّعه الطائفي عبر العراق وسوريا صوب جنوب لبنان وجنوب فلسطين، والذي لن يحقق شيئا على الساحة الفكرية بين الطبقات الفقيرة في فلسطين بوجود “حماس” السنّية، ولايستبعد أبدا أن يفرح هذا الحلف للمأزق الذي فيه “حماس” اليوم…وإذا ماتم اضعاف “حماس” فإنهم سيدخلون فلسطين بمنظماتهم الخيرية وحسينياتهم وتلفزيوناتهم الفاطمية الزهرائية كما فعلوا في العراق من قبل… أم أن أمر “كف المعارضة للنظام” مجرّد فرقعة “اعلامية” بأن “الاخوان حركة سورية وطنية وعربية اسلامية، تريد تسجيل موقف تاريخي ايجابي حتى ولو كان مجرّد حبر على ورق، لا أكثر ولا أقل!” وستجري المياه في سواقيها بعد حين…؟ وأخيرا، أقول بصراحة: إن الاخوان المسلمين قد أقدموا على خطوة لن تفيدهم سياسيا ولا عقيديا ولن تفيد الشعب السوري مطلقا، ولن يكون لها أي تأثير ملموس على ساحة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي…