بيان الإخوان المسلمين السوريين المفاجئ..(2)
عبد الرزاق عيد
حول حقيقة النظام السوري: ما دون الدولة ما دون الوطنية
بغض النظر عن النزعة الظفروية اللفظوية التهويلية التي تنطوي عليها صيغة “تعليق النشاط المعارض للأخوان للتركيز على دعم غزة” وما توحي به مجازيا من أبعاد ملحمية للمواجهة بين الأخوان المسلمين والنظام السوري الذي حسم معركته مع المجتمع السوري بتدميره الوطني، باسم معركته مع الأخوان المسلمين، وذلك منذ ثلاثة عقود خلت، لم يقم فيها للمعارضة قائم إلا تلك البطولات الفردية والنخبوية التي يقودها اليوم مقاتلون فدائيون من أجل الحرية من قبل كل أطياف المجتمع السوري دون أن يكون للأخوان فيها أية ميزة عن باقي فصائل العمل السياسي الديموقراطي : اليساري والقومي والليبرالي، لا من حيث الحضور ولا من حيث الشجاعة ولا من حيث الكفاءات الفكرية والنظرية، وبغض النظر عن الإيحاءات –في هذه الصيغة- التي تظهر النظام وكأنه معني وطنيا بمعركة غزة وكأنها من أولوياته، نتساءل:
هل يخفى على الأخوان -حقا- طبيعة النظام التي هبطت منذ زمن بعيد إلى ما دون الوطنية حتى يمكن المراهنة على توفير جهوده في سبيل معركة (غزة)، لقد هبطت منذ أن راح هذا النظام يفصّل من سوريا (كرسيا) على قد قياس ورك الأسد الأكبر وعائلته، وأنه لم يعد له إلا استراتيجية واحدة، وهي توظيف طاقات سوريا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في خدمة ملاءمة هذا الكرسي على قد ذلك الورك، وتم تحويل كل ما تمتلكه الدول من القوة : جيش ومخابرات وشرطة و أجهزة إدارية تنفيذية وقضائية وتشريعية في خدمة الأوراك الأسدية، وهذه الحقيقة كانت تعرفها اسرائيل منذ بداية المشروع الأسدي ولهذا كتب له النجاح…لكن يبدو أن هذه النماذج من الأنظمة (المافيوية) لم تعد (الذمة) الأمريكية -القادرة على إنتاج حالة نضوج سياسي ومدني يتوج بأوباما –أن تتحمل التمديد لها وتكليفها بمهمات جديدة في لبنان أو فلسطين… لولا الحاجة الإسرائيلية لمثل أنظمة البلطجة هذه… ولا أظنني أتي بجديد على الحس الوطني السليم الشعبي، ولا على وعي وخبرة الأخوان في معرفة هذا النظام الذي لا يحمل أي قضية وطنية أو قومية أبعد من (حدود الجغرافيا الوركية الأسدية) التي جعلت من الأخوان مادة لصياغة شرعيته السفاحة أمام العالم باسم محاربة (الأصولية الإسلامية)، ومن ثم تكوين خبرات المتاجرة بها وتوظيفها في خدمته لاحقا في التصفيات بدءا من الشهيد الحريري وسلسلة الشهداء اللبنانيين وصولا إلى (فتح إسلام نهر البارد).
هل يعقل أن يخفى على الإسلاميين وظيفة الرسالة المذهبية الطائفية لخطاب حسن نصر الله حتى يمكن المراهنة على التحالف معه ومع مرجعيته الإيرانية؟ وهو الذي لا يوفر مناسبة عند إعلان خطاباته القتالية دون الإشارة والاستناد إلى شعارهم الأثير عن “ثارات الحسين”، ولا ندري أن ثمة ثارات للحسين عند اسرائيل أو امريكا…!؟ وتعبير ذلك أن هذا الهمام المجاهد لا يترك مناسبة إلا ويعطي لجهاده طابعا مذهبيا شيعيا ليس دعويا فحسب للحسين والشيعة، بل ومناهضا طائفيا ومقاتلا ضد الرموز (السنية) التأسيسية للحضارة العربية في ذروة مجدها العسكري المدان والمرفوض فارسيا : ممثلة بالأمبراطورية الأموية، حيث أنه في حربه الأولى (الإلهية) يعبئ جمهور المؤمنين الشيعة ويستثير غرائزهم الطائفية ضد الأمويين في شخص ” يزيد “، مستثمرا الثقافة الدينية التقليدية المشيخية (السنية) في محبة آل البيت على حساب الموقف من الأمويين (معاوية وابنه يزيد) ليعلنها حربا مقدسة باسم الطائفة، وأخيرا وهو يسعى لتحشيد الجماهير العربية الإسلامية خلفه، داعيا الشعب المصري ليخرج ضد قيادته التي- لا يهمنا الدفاع عنها أو عن أي نظام عربي أبدا- ليسيروا وراءه، باسم معركة الوراثات الاسلامية القبلية القائمة حتى اليوم بين البيت الأموي والبيت الهاشمي… ليفتح لنا هذا الطامح لقيادة الشارع الإسلامي ملف صراع هذه الحروب القبلية : هل هي للحسين بن علي أم ليزيد بن معاوية؟ ويدعونا لأن ننخرط وراءه في المعركة ضد لا شرعية يزيد : ” الدعي بن الدعي ” حسب تعبيره، حيث يضع سامعه أمام تساؤل الحد الأدنى للعقل عن حقيقة من هو الدعي بن الدعي بحق : هل هو يزيد وريث أبيه المؤسس لواحدة من أكبر خمس امبراطوريات في تاريخ العالم حتى اليوم، وهي الإمبراطورية الأموية، أم هذا (الدعي) المكلف مذهبيا بخوض حروب ايران القومية الاقليمية على حساب وطنه وأمته، ليقود العالم الإسلامي طائفيا، بل وبلغة طائفية رقيعة وبخطاب طائفي بخس، وهو لا يمثل مع ايرانه وكل الطوائف الشيعية الكريمة في العالم الإسلامي أكثر من %10…! بالله عليكم من هو الدعي؟ هل هو يزيد بن معاوية أم نصر الله ربيب ولاية الفقيه الايرانية؟ أم بشار بن الأسد؟
بل ويتطوع لتحقيق أحلام سادته الفرس في قيادة العالم الاسلامي، ناسيا أنه زعيم طائفة من الغلابة الطيبين في لبنان، وهم عرب أقحاح أعطوا اللغة العربية والثقافة العربية ما يفخر به الجنوب اللبناني ولبنان الثقافة، بينما هو وحزبه الطائفي ليس له في الطائفة أحد من مثقفيها الأماجد الذين أبادهم وهم في عمر آبائه وأجداده، لأنهم ما كانوا ليطمحوا لانتزاع الاعتراف والشرعية الثقافية من مهابيل متهوسي الثأر الإيراني من التاريخ، بل تأكيد هذه الشرعية في عالمهم العربي والاسلامي والدولي، وهما المفكران الكبيران : (حسين مروة – مهدي عامل) اللذان صفاهما بكل وحشية منطق العصابات الميليشاوية.
إن خطابا طائفيا –غير وطني وغير قومي- كان لا بد أن يستدعي –بداهة الإسلام العروبي الأخواني كرد فعل مضاد طبيعي، فيقوم الصديق العزيز الأستاذ زهير سالم القيادي الأخواني البارز، ومدير مركز الشرق للدراسات الحضارية والاستراتيجية بالرد على تحقير بني أمية، إذ يقوم – وعلى غير عادة أهل السنة – بالإشادة والتنويه بمآثر (يزيد بن معاوية) الذي يعطي من أجل العطاء فضلا وفيضا من ذات نفسه لأنه يعرف من هو “ولكني أعرف نفسي”، إذ الدعي بن الدعي هو الذي ينكر عليه قيمة ذاته المعروفة لذاته…كيف يمكن الثقة بالمعلم الإيراني –السوري إذا كان معتمدهم ووكيل ولي فقيههم يعلن الحروب باسم ثارات الحسين، ويخوض المعارك الوطنية والقومية عبر شتم مؤسسي الكيان العروبي الأول ومنجزه البطولي…
لكن الصديق الأستاذ زهير بنبله وأخلاقه، وبضميره الملتاع حبا وعطفا على أبناء شعبه في غزة الشهيدة، يتعالى على جرح الذين يفترض أنهم شركاء ينبغي “توفير جهودهم للمعركة”، فيندفع –وليته لم يفعل -ليخاطب بشارالأسد كرئيس وليس كوريث، وكوطني قومي وليس كعصبوي عائلي ملتصق بمطامحه السلطوية والتسلطية (المقاولاتية السمسارية)، ليطالبه – صادقا وليس تكتيكا وإحراجا – بفتح جبهة الجولان التي قدمها أبوه ثمنا مقابل تعويضه أمريكيا-اسرائيليا بمنحه
سوريا رئيسا لها ولذريته على مدى الحياة… والصديق والأخ العزيز الأستاذ زهير ينطلق من حسن نواياه الطيبة والنزيهة والمتعاطفة مع شعبه الملتصقة بروح أبوية رسالية عظيمة، يتعالى على جراحه وجراح أهله فيراهن من جديد على ممكنات اصلاح عصابات القتل والاغتيال الوطني لتكون رجالات مقاومة وطنية، يضع نفسه وحزبه تحت تصرفها لوجه الله… تماما كما يراهن الأب- كل يوم- على ابنه الضال الفاشل بشفقة أبوية عسى أن يكون قد هداه الله…!؟ فكانت مقالات الأخ زهير بمثابة تأكيد قاطع على المراهنة على وطنية النظام وممكنات أن يكون شريكا وطنيا… مما يجعل من محاولة المبررين لصيغة (توفير جهود الجميع” بتقديم قراءات وتأويلات لما فهمه الناس ليست ذات جدوى أو طائل…!؟
إن الصراع العربي –الإسرائيلي أصبح من البديهيات الوجودية التي لا فضل لأحد على أحد فيها إلا بالوعي القادر أن يرتفع بهذا الوجود الكمي الحسابي إلى حضور نوعي في العالم، والارتقاء بهذا الوجود من واقع المأساة إلى وعي المأساة، عبر استكناه قيمة الوجود لا التفريط عبر تنمية ديالكتيك العدم والانتحار تحت (خرائب غزة)، ليست الوطنية والجهاد والمدافعة تتم دائما بالسيف إذا لم يكن أوانه ولم تتوفر ظروفه، سيما إذا علمنا وشاهدنا –حتى الآن- أن الحلفاء (ايران –سوريا) الذين ورطوا حماس لم يقدموا ما يظهر أن ثمة إضافة جديدة على موازين الحرب مع اسرائيل توضع بين يدي حماس، وللإسلاميين بل وللعالم أسوة حسنة بالسنة النبوية، التي كافأت حكمة خالد بن الوليد بالانسحاب أمام الروم وليس مقاتلتهم في موقعة (مؤتة)، فرد النبي على المزاودين على خالد بأنه الفرار، فقال : إنه (الكرار وليس الفرار) كما حاول خصومه من الغوغاء (تجار القضايا) عبر العصور القادرين دائما وعلى مدى التاريخ من اللعب على أوتار العصبية : (القبيلة –العقيدة –الغنيمة)، بل إنه على إثر انسحابه (الشجاع) منحه الرسول لقب سيف الله المسلول، رغم أنه غمد سيفه، ولم يشرعه كما يريد المتاجرون بالدم الفلسطيني من بني فارس الذين أعاد إمامهم المتطوعين منهم إلى بيوتهم عن نصرة بني دينهم، ووكيل ولي الفقيه في لبنان وعصبته الجهادية الذين أعلنوا فورا عدم مسؤوليتهم عن إطلاق الصواريخ من لبنان بكل شمم وإباء جهادي…
إن حنكة ودهاء وتقدير موازين القوى من قبل خالد ابن الوليد البارعة -التي تمتلئ حبا وشفقة وشعورا بالمسؤولية نحو حياة بني قومه وأهله من أن يقودهم إلى الردى- هي التي عززت انتصاراته اللاحقة بوصفه من أهم القادة العسكريين في التاريخ، ذلك هو القتال من أجل الحياة وليس من أجل الموت… يأسا.
هذه الحكمة التي مثلت ذروة نهوض عصرها، هي التي أتاحت لهذا المنسحب الكبير –في الزمن المناسب- أن يكون أكبر قادة الفتح في الشام، بل ومن أكبر القادة العسكريين في التاريخ، فهذه هي ثقافة الحياة التي تبني دولا، لكن دون أن تنسى سؤال الآخرة الذي هو سؤال الأخلاق والقيم نحو شكل العلاقة مع الآخر، بل ودرجة اقترابها وابتعادها عن صفات الذات الالهية… وعندما بدأنا ندخل في حضرة الغياب والماوراء وننشد ثقافة الموت، متنا منذ ألف سنة على شكل احتضار مستمر، تختلط فيه الحياة بالموت.
لقد راهنا كثيرا – كمثقفين سوريين – على الدور الأخواني النوعي التجديدي في القدرة على دراسة وفهم وتمثل تجربة الاسلام التركي (العدالة والتنمية) التي قدمت- ولأول مرة- برهان إمكانية المصالحة بين الإسلام والديموقراطية على الأرض وليس بالقول والخطب، لكن مع الأسف بدلا من أن يساعدوا على مزيد من الانخراط التركي (الاسلامي الليبرالي) المدني الحداثي في غمرة شؤون المنطقة وهذا ما نجح به النظام المصري وليس الأخوان المصريين أيضا مع الأسف، فهذه الدولة الإسلامية الكبرى العالمية التموضع والفعالية كان يمكن أن تحمل للمنطقة مشروعا اسلاميا عقلانيا وفق المعايير الثقافية والفكرية العالمية قادر على انتاج حالة توازن اقليمي قادر على ايقاف مدّ اسلام ثيوقراطي إيراني شعبوي طائفي في ثوريته الشعارية الكاذبة السمسارة بالدم الفلسطيني، فبدلا من الانتظام في نسق هذا الإسلام المدني الحداثي (التركي)، فإن الأخوانيين انشدوا إلى هذا الخطاب الشعبوي (القوموي –الإسلاموي) فبدوا كأنهم منافسون أومزاحمون لهم على الشعبية، التي لاقيمة مدنية أو سياسية لها في ظل الأنظمة الديكتاتورية التي لا تستند إلى شرعية أي صندوق اقتراع، سوى صناديق الجثث والزنزانات والعبوات الناسفة، والاعلام التزويري الذي ينتقل بمفهوم الشعبية من سياقه الاجتماعي السياسي المدني الحر، الى سياق شعبوي تعبوي غوغائي يقدس الثقافة اليومية للعوام للعب على أهوائها ومقدساتها.
وعلى هذا فإن ثقل الاسلام التركي المميز اختطف دوره من خلال تلاعبات النظام الطائفي السوري، فحاول كسبه بهدف الظهور بمظهر التوازن –غير الطائفي- بين الدولتين الإسلاميتين الأكبر في الشرق الأوسط (ايران وتركيا)، لكن مع ذلك كانت هذه العلاقة من موقع التابع للدولتين والمفرّط بالسيادة نحوهما، التفريط بالسيادة الوطنية لصالح تركيا بالتنازل عن اسكندرون، والسيادة الثقافية والدينية نحو إيران بفتح الأبواب أمام التشيع وشق الوعي الديني والوطني السوري، حيث لا يفهم النظام المافيوي من البيرغماتية سوى بيع الكرامة والسيادة لصالح البقاء،حيث تغدو بيرغماتيته قادرة على تحويل كل ما هو قيم ونبيل إلى سلعة للتفاوض، ليكسبه إلى جانبه من أجل ممارسة فن تأجيل استحقاق المصير.
يبدو أن الأخوان لم يتمكنوا من الارتقاء إلى مستوى الوعي الحداثي للعقل الإسلامي التركي فاندرجت صداقتهم مع حزب العدالة والتنمية في إطار سياسات الدولة، وفق ما يدور من أحاديث عن وساطة تركية للمصالحة بين الأخوان والنظام، فعوضا عن أن تثمر العلاقة مع تركيا : (الحزب والحركة) لصالح الحركة الديموقراطية السورية، ستغدو هذه العلاقة أداة مناورات إقليمية بين النظامين التركي –السوري، والتحضير لمصالحات وهمية، لا تتأتى وهميتها من أزمة ثقة عالمية في النظام، بل بسبب أن النظام محكوم بفوبيا العداء للأخوان من جهة، وحاجته العدائية لهم للحفاظ على درجة التوتر الاجتماعي المشدود الأعصاب للمجتمع التي لا يستطيع أن يعيش دونها،لأن هذه العلاقة هي الوحيدة التي تتيح له أن يستفيد من فائض احتكار العنف (جيشا ومخابرات)، حيث احتياطي العنف هذا لم يثبت أنه مفيد إلا على المجتمع، ومن ثم على الجيران اللبنانيين، بموافقة وتأييد وتفويض الجار الإسرائيلي، كل ذلك سيكون على حساب ممكنات التثمير الفكري النظري والاستراتيجي مع حزب العدالة والتنمية لصالح حكومته، حيث سيندرج الموقف الأخواني في إطار السياسات الرسمية للدولة التركية التي ستنطلق من ميزان المصالح مع
النظام السوري، من هيمنة أولويات المنظورات البيرغماتية على المنظورات الفكرية والاستراتيجيات النظرية التي يمثلها حزب العدالة والتنمية ذاته بوصفه حزبا مجتمعيا وليس سلطة سياسية، في حين كان يفترض بالأخوان أن يستفيدوا من تجربة الحزب الفكرية التنويرية والتحديثية والديموقراطية وممكنات أن تكون هذه المفاهيم الجديدة جزءا من برنامج انتخابي شعبي قادر على الانتصار سلميا وعبر صندوق الاقتراع، مع إقرارالعالم بمصداقية التجربة وشرعيتها.
بذلك كان يمكن للأخوان السوريين أن ينجزوا الانعطافة النوعية المراهن عليها في مواجهة المعسكر الإيراني-السوري الشمولي (الثيوقراطي ايرانيا والأمني العائلي سوريا)، والموجه أساسيا بشكل عدائي ضد الدولتين العربيتين الأكبر والأقوى عربيا، لضرب وزن مصر والسعودية عربيا وإقليميا-بغض النظر عن رأينا في نظامهما السياسي سلبا أم ايجابا- لصالح المشروع المذهبي الطائفي للمحور الإيراني المستتبع سوريا، حيث من حسن الحظ أن الدور المصري –السعودي هو الذي فتح الأبواب أمام الدور التركي الموازن والموازي للأطماع الإيراينة، في حين أن هذا الدور كان يمكن للإخوان أن يشغلوه على مستوى تعبيرات المجتمع الأهلي والمدني، لكن الدور الاقليمي المصري هو الذي أتاح المجال للدور التركي الشجاع أن يبرز ما تمثله تركيا من وزن على مستوى قوى المجتمع الدولي وهيئاته ومنظماته، في حين أن ذلك كان مناطا –كما ذكرنا- بمدى عمق وجدية تحالف البرامج والمشاريع المشتركة بين تيارات الإسلام التنويري، وما يمكن أن يمثله الاسلام المدني التركي الحضاري مع حركة إخوانية مدنية حضارية مفترضة قادرة أن تقدم صورة لممكنات ديموقراطية مطبقة على الأرض كما هو الحال في تركيا، لا أن تتقهقر وتتراجع الى المواقع التقليدية للإخوانية المصرية الهرمة وتحالفاتها التي لا تزال تفضل الباكستاني المسلم على القبطي المصري تحت وطنية شعار “طظ في مصر” وتحج إلى مستنقعات الطغيان وارهاب النظام السوري بوصفه (مكة المقاومة والصمود والتصدي) دون أية نظرة الى واقع أخوانهم وأبناء شعبهم في سوريا، الذين عاشوا ويعيشون ظلما لا يقل فتكا ومضاضة على النفس من العدوان الاسرائيلي، ولا نظن أن النظام يمتلك أي تصورعن “توفير جهود الجميع للمعركة الرئيسية”، سوى حشد هذا الجميع للهتاف :”بالروح بالدم نفديك يا بشار “، وقد شاهدنا ذلك في المؤتمرات القومية والإسلامية، وعلى لسان ضيوف سوريا القومية الذين لا يترددون أبدا من الحديث بسلاسة شديدة عن “سوريا الأسد” على حد تعبير السيد خالد المشعل، ونتمنى أن الأخ خالد لا يقود معركة غزة تحت هذا الشعار وإلا على غزة العوض مثل الجولان التي قاد معركتها (الأسد /الأب)،إذ على خالد المشعل وعلى كل من يريد أن يوحد جهوده مع النظام أن يرفعوا هذا الشعار… وذلك ثمنا لإطعامهم القومي، لأن سوريا “ليست فندقا” كما أفهمهم مستضيفيهم الأسديون الحربويون…!
نتمنى أن تكون تلك هي السياقات والمناخات التي أهبت باتجاه اطلاق هذا البيان الأخواني المفاجيء والمؤسف، وليس ضغوط (لوبيات مصالح ومنافع مع النظام) أو تدخلات تركية رسمية وليس حزبية، أو تدخل (البابوية –الأبوية البطركية) للشيخ القرضاوي الذي يفترض أن أدبيات البرنامجية الجديدة للأخوان قد تجاوزته، أو في المآل نجاح التيار المترهل في الحركة الأخوانية كما هو في كل فصائل الحراك الديموقراطي في سوريا، كما نجح-إلى حدما- في وسط المعارضة السورية داخليا في خفض سقف العمل السياسي والديموقراطي التغييري إلى مستوى سقف قدرة البعض الهابطة في قيادة العمل الوطني على دفع الضرائب للنظام الوحشي.
وكنا تمنينا عليهم ونتمنى أن يكونوا مخلصين مع تاريخهم- ومنهم من دفع ضرائب جسيمة – ومع شعبهم بأن يلوذوا إلى الصمت ويعتكفوا عن العمل السياسي، ويتجنبوا شر وعدوانية النظام فهذا حقهم المشروع بدون منة من أحد أو على أحد…. وسيظل الشعب يقدر لهم تضحياتهم، ما داموا يقدرون تضحيات الأصدقاء في السجون والمعتقلات الذين لا يزالون قادرين على القتال على جبهة الحرية، فلا تحبطوهم…!
وقد قلنا لهم: إذا كانوا قد وصلوا حقا إلى قناعة أن النظام وطني ومقاوم للاستعمار، فإن لهم أصدقاء من أحزابهم وتياراتهم الفكرية والسياسية ذاتها ترى هذا الرأي في الجبهة الوطنية التقدمية إذا ارادوا أن لا يلتحقوا بالنظام مباشرة، فبإمكانهم العودة إليها… فاليساريون لا يزال لهم ملاذ في بيت الحزب البكداشي أوالفيصلي، والناصريون لهم ملاذ في بيت القدسي، والإسلاميون سيجدون في بيت مفتي سوريا الشيخ الدكتور أحمد حسون خير ملاذ، بل ومصالح ومكاسب ما تطيب له الأنفس وتقر به العيون المتعبة لكل المتعبين المتطلعين للراحة والاستراحة، وهي مكاسب مغطاة شرعيا بفتوى مفتي الأمة وذلك لمن يرغب أن يرتع شرعيا…، فإذا كان هؤلاء الأخوة غير قادرين على الاعتزال أو التقاعد أو دفع الضرائب لعصابات النظام المجرمة، فليضربوا في مجاهل الأرض مهاجرين ومنفيين.. أو العودة إلى المنزل أو الجامع أو الكنيسة، فذلك أشرف وأستر….!؟
لكن، لا تهبطوا من عزيمة شعبنا بعد كل هذه الخسائر والتضحيات ومسيرة الآلام..!
لا بد أن نعترف أن النظام استطاع أن يخترق الحراك الديموقراطي اختراقا سرطانيا، حيث قام بلغم كل القوى الديموقراطية السورية بكل تجلياتها وتياراتها، وأتمنى أن تكون القيم الأخلاقية الاسلامية الحقة عاصما للإخوان دون الاختراق، فالأثمان كانت باهظة ولا تعوض.
• كاتب سوري من حلب
بيان الإخوان المسلمين السوريين المفاجئ: اكتشاف متأخر لوطنية النظام السوري
بيان جماعة “الإخوان” السورية بتعليق الأنشطة المعارضة ومقابلة البيانوني مع “إسلام أون لاين”