التحالف المثير بين النظام السوري والقيادة العالمية لـ”الاخوان المسلمين
جهاد الزين ”
عَكْس الترويج الواسع بأن مبادرة العاهل السعودي التصالحية لن تغيّر أجواء العلاقات السياسية العربية، وهو ترويج ناتج عن مزيج من مصالح متضررة من المبادرة من جهة وميل نفسي – سياسي الى عدم تصديق قابليات هذا التحول الايجابي بعد طول توترات خطرة في المنطقة من جهة أخرى… عَكْس هذا الترويج فإن المبادرة – وهي الخطاب ثم اللقاء – ما كان لها أن تحصل لولا انها نقطة انطلاق نوعية في السياسة السعودية لا يجوز (ولا ننصح!) التقليل منها حتى بعد ظهور الخلافات قبل البيان الختامي في جلسة قمة الكويت الاخيرة.
ربما توضيح معنى مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز وحدودها يساهم في إزالة الاختلاف على تفسيرها:
انها مبادرة تصالح سعودية قابلتها جاهزية سورية لهذا التصالح، الجاهزية ناتجة عن كون القيادة السورية تختار بدون تردد علاقة ايجابية مع الرياض، لاسيما عبر شخص الملك عبدالله بسبب الأثمان المتعبة – وأحياناً المكلفة – لتردي هذه العلاقة.
لكن المبادرة سعودية… وهي على الرغم من شمولها مصر وقطر فهي ليست جوهرياً حتى الآن مصالحة مصرية سورية ولا مصالحة سعودية قطرية. إنها – بكلام أدق – إنهاء فترة قطيعة شخصية بين الملك عبدالله وبين الرئيس بشار الاسد بدونه لا يمكن أن تنطلق العلاقات سياسياً.
أما العلاقات المصرية – السورية التي هي ذات تأثير أقل على لبنان تحديداً، ونسبياً على الاردن والعراق من تأثير العلاقات السعودية – السورية، فتبدو محتاجة الى المزيد من إنضاج الظروف السياسية في ظل الغضبة الملفتة للرئيس المصري من الحملة التي تعرض لها نظامه بفعل الموقع الحساس والدقيق الذي لمصر على حدود بؤرة توتر المرحلة: غزة. أما العلاقات السعودية – القطرية فهي رغم انضباطها بقواعد المؤسسات الخليجية السداسية، لم تكن هي المقصودة عملياً في مبادرة العاهل السعودي.
إذن… إنها مصالحة “شخصية” سعودية – سورية لا بد ستجعل الاتصالات بين البلدين على مستويات مختلفة أكثر حرية. لكن “الشخصي” هنا في مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز يلغي، بل يُسخّف التفسير “الشخصي” الذي ساد طويلاً بعد انفجار الخلاف السوري – السعودي للمواقف السعودية. إذ تظهر مبادرة الملك، ان النظام السعودي يفتح الابواب أو يغلقها في محيطه تبعاً لاعتبارات مصالحه العليا كما يراها، وليس تبعاً لأحادية رد فعل شخصي.
“الشخصنة” كانت ضرورية في مبادرة الملك بعد الخطاب كعامل تغليب للحسابات السياسية. أي “شخصنة” غير شخصية حتى من قٍبل – بل لأنها من قِبل – شخصية محترمة جداً كعبدالله بن عبد العزيز قبل تولي الملك وبعده.
السؤال – أو أحد الاسئلة – التي تثيرها علاقات ما بعد قمة الكويت، او في الواقع ما بعد العدوان الاسرائيلي على غزة، هو ما اذا كان مجرى الاحداث ولاحقاً نتائجها قد خففت التطابق في المصالح المشتركة المصرية – السعودية. فهذا التطابق كان سمة التحالف المصري – السعودي في كل الدوائر الخارجية والاقليمية والعربية خلال السنوات الاربع المنصرمة، فلسطين ولبنان والعراق، حيال التحالف السوري – الايراني.
هل حصل شيء موضوعي، في الموقف من “حماس”. حتى في الموقف من سوريا، استوجب المزيد من إعادة النظر السعودية ببعض المواقف – المواقع بما لا يتطابق تماماً مع الحسابات المصرية… مع ان المفترض اساساً ان مصر كانت مهيأة لتمايز أوسع عن الالتزامات السعودية في “المرحلة” الماضية؟ إذا بنا اليوم – ربما بفعل قساوة التجربة الغزاوية للجيوبوليتيك المصري وعبره للوضع الداخلي المصري، امام احتمال حالة معاكسة، المبادرة فيها للسعودية في اعادة رسم الخطوط، وليست لمصر؟
قد يكون مبكراً في ظل الأفق الدولي الجديد مع تولي الرئيس باراك أوباما، الحكم على التكيفات وهوامشها. لكن لا شك ان إعادة تموضع واضحة بدأتها السعودية، ستليها اعادات عديدة في الفترة المقبلة.
من العوامل الجديدة – ولا نعرف حتى اللحظة ما اذا كان قد وصل او سيصل الى مستوى اعتباره “معادلة” جديدة – هو التقارب بل التحالف المدهش الذي يحصل، لاعتبارات كثيرة، بين النظام السوري والقيادة العالمية لـ”الاخوان المسلمين”، عبر التفعيل الذي شهدته شراكة دمشق الوثيقة مع “حماس” ومع “الاخوان المسلمين” المصريين والذي انعكس في خطوة مفاجئة وشديدة الدلالة اتخذتها “قيادة لندن” في “حركة الاخوان المسلمين” السوريين عندما اصدرت “اعلان هدنة” مع النظام السوري… من الواضح، حسب المعلومات، انه يعني انتقال “قيادة لندن” من محور في المنطقة الى محور آخر. (قيل ان الترتيب لـ”حماس” و”اخوان مصر” والتمويل قطري).
يبدو أننا في عهد بشار الاسد امام “معادلة” لم تخطر حتى على بال والده الرئيس حافظ الاسد. فعلى الرغم من ان ايران الخمينية كانت دائماً على علاقات وثيقة مع بعض تيارات “الاخوان المسلمين” – وليس كلها – في العالم العربي منذ قيام الثورة، وما كان يؤدي ذلك الى نوع من التهدئة في نظرة هذه التيارات الى الدور السوري، لكن كان هذا لا يشمل “الاخوان المسلمين” السوريين او في فترة محددة “الاخوان” الاردنيين… لقد كان النظام في سوريا في الثمانينات والتسعينات معتبراً النظام العربي الأكثر خبرة وفاعلية في مواجهة الامتدادات السرية للتنظيمات الاسلامية الاصولية في اوروبا من موقع المواجهة الشاملة التي خاضها مع التنظيم المسلح لـ”الاخوان” السوريين في سنوات 1979 – 1980 – 1981 عندما لجأ هذا التنظيم الى العصيان المسلح وبدعم من الرئيس صدام حسين يومها وموقتاً بدعم من العاهل الاردني الحسين، عاد الأخير وتراجع عنه لاحقا.
ربما تصلح احداث 2003 في العراق لتكون محطة انتقال نوعية في موقع النظام السوري وبالتالي في خبرته في التنظيمات الاصولية. فمواجهة الاحتلال الاميركي نقلت هذه الخبرة السابقة من خبرة بالاصوليين كأعداء الى الخبرة بالأصوليين كحلفاء في مواجهة مشتركة ضد القوات الاميركية، لاسيما ان “الجيوبوليتيك” يجعل سوريا محاذية للغرب العراقي حيث ما سمي يومها “مثلث الموت” في الوسط العراقي الذي تركزت فيه المواجهة ضد القوات الاميركية.
هذا الانعطاف يصل اليوم مع نمط العلاقات المستجد الى احدى نقاط تبلوره… ولو بشكل غير مباشر لأن الملف هنا يتعلق بعلاقات مع تيارات رسمية لـ”الاخوان المسلمين”…
الى أي حد تتعامل المملكة العربية السعودية ذات الخبرة القديمة، ولكن التي اصبحت متقطعة مع “الاخوان المسلمين” منذ احتضنتهم في عهد الرئيس عبد الناصر وساهمت في تشجيع “عودتهم” الى مصر في عهد الرئيس انور السادات مع هذا التحول الايجابي جدا في العلاقة بين النظام السوري والتيار الاوسع لـ”الاخوان المسلمين” العرب، بل في هذا التحالف… الى اي حد ستتعامل المملكة مع هذا “التحالف” كحافز لتعديل بعض استهدافاتها السياسية… في ظل التحولات الدولية – الاقليمية المرتقبة في المنطقة؟
ثم على صعيد آخر، كيف سينعكس هذا التحول على المعادلة التي جمدها تردي العلاقات المصرية – السورية في السنوات الاخيرة، وهي معادلة وجود قاسم مشترك دائم تقليدياً بين النظامين المصري والسوري هو الخصومة مع “الاخوان المسلمين” او خصومة “الاخوان المسلمين” معهم؟
ثم ماذا عن انتقال أولوية السياسة الأميركية في عهد الرئيس باراك أوباما الى التركيز على الأصولية الإرهابية الممثلة بمدرسة أسامة بن لادن وفتح الحوار الأميركي مع الأصولية الإخوانية الأخرى وفي المقدمة منها “حماس” وانعكاس ذلك على أولويات السياسة السعودية الجديدة؟
(•) راجع مقال جهاد الزين: “اقتصاد الفتنة السنية – الشيعية الى كساد…” 21/1/2009.