صفحات سورية

العدالة والقانون

null


هيثم المالح

تاريخ 22/حزيران 1949 أصدر مجلس وزراء النظام العسكري الأول الذي اغتصب السلطة وألغى الدستور القرار التالي : قرار مجلس الوزراء رقم 283 درس مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 22 حزيران 1949 مشروع قانون العقوبات الذي وضعته وزارة العدلية وبعد المذاكرة قرر الموافقة عليه. دمشق في 26 شعبان 1368 و22 حزيران 1949

وزير المعارف والصحة نائب رئيس مجلس الوزرار القائد العام للجيش والقوات المسلحة

والإسعاف العام وزير الخارجية رئيس مجلس الوزراء

خليل مردم بك عادل أرسلان وزير الدفاع الوطني والداخلية

الزعيم حسني الزعيم

وزير الأشغال العامة وزير الزراعة وزير المالية والاقتصاد الوطني وزير العدلية

فتح الله صقال نوري إيبش حسن جبارة أسعد الكوراني

عقب ذلك صدر المرسوم التشريعي رقم 148 بذات التاريخ بتنفيذ قانون العقوبات المعمول به حالياً في سوريا ،وكذلك كان حال القانون المدني الذي صدر بالمرسوم 84 تاريخ 16/5/1949 وقانون التجارة البرية الذي صدر بمرسوم 149 تاريخ 22/6/1949 موشحة جميعها بتواقيع مجلس الوزراء أنف الذكر .

دام حكم حسني الزعيم أقل من ستة أشهر أصدر خلالها ثلاثة قوانين هامة تؤسس لعلاقات مجتمعية، جاءت جميعاً في مرحلة ما بعد الاسقلال دون أن تعرض هذه القوانين على أي مجلس تشريعي لمناقشتها وإصدارها ودون أن يعلم بها أحد من المواطنين ليكونوا على بينة مما يرتب لهم .

فالضابط حسني الزعيم الذي ألغى مجلس النواب وصادر أصوات ناخبيه وألغى الدستور ودور الشعب في ممارسة رقابته على السلطة ، وجد بإيحاء من حوله أن تخليد اسمه يتم من خلال إصداره هذه القوانين ففعل ذلك ،دون أكتراث لصالح الشعب وآماله وطموحه وما إذا كانت هذه القوانين تنسجم مع هذه الآمال والطموح .

وكان من أول أعماله أبرام اتفاقية التابلاين المعروفة وهو أول من فاوض دولة العدوان .

وقد حرص صاحب الانقلاب حين أصداره المراسيم أنفة الذكر بتصديرها على الشكل التالي :

( القائد العام للجيش والقوات المسلحة)

رئيس مجلس الوزراء

وزير الدفاع الوطني والداخلية

وهكذا بدأ بلقبه العسكري حتى يوضح أن العسكر هم من يحكم البلد ، وهو ما مهد بعده للأنظمة العسكرية الاستبدادية أن تبسط هيمنتها على البلاد وأضحى المنصب المدني شكلياً حتى لو كان منصباً كبيراً .

لئن كان المفروض أن التشريع يُستمد من عادات الشعب وتقاليده ، إلا أنه مع ذلك يشكل مع الزمن منظومة من القيم تترسخ في المجتمعات ، وبالتالي فحين وضع أي قانون يجب مناقشته في مجالس تمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً ، فإذا أنعدم الانتخاب الصحيح الحر لهذه المجالس واستند إلى تزوير وشراء للأصوات أو لهيمنة معينة فإن المجلس بالتالي لا يعتبر ممثلاً للشعب تمثيلاً صحيحاً ، وتعتور التشريعات التي تصدر عنه عيوب قد تصل إلى البطلان .

أذكر حين كنت طالباً في كلية الحقوق أني سألت أستاذنا د0 رزق الله أنطاكي عن الفرق بين كلمتي “الإنذار” و” الإعذار” ذلك أن القانون المدني الذي أشرت إليه سابقاً استعمل كلمة “إعذار” بدلاً من كلمة” إنذار” التي كانت مستعملة في مجلة الأحكام العدلية، فأجابني أستاذنا الفاضل “سل من وضع القانون ” في إشارة ساخرة إلى أن القانون وضع من قبل ضابط انقلابي وليس من قبل مجلس نواب يمثل الشعب ،وبالتالي فإن القوانين قد صدرت دون مناقشة كافية.

في الفصل الأول الذي ورد تحت عنوان ( في الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي) من قانون العقوبات، وتحت البند -5- (النيل من هيبة الدولة والشعور القومي) نجد المواد التالية :

المادة 285

(من قام في سورية في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاوة ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال المؤقت ) .

المادة 86

(1- يستحق العقوبة نفسها من نقل في سوريا في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة).

المادة 87

( 1- كل سوري يذيع في الخارج وهو على بينة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو من مكانتها المالية يعاقب بالحبس ستة أشهر على الأقل وبغرامة تتراوح بين خمسين وخمسمائة ليرة سورية) .

مما تقدم نرى أن المواد تتحدث عن :

أ‌- إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية .

ب‌- أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة .

ت‌- أنباء كاذبة تنال من هيبة الدولة .

نتساءل هنا من هو الذي يفسر أن ما قام به شخص من الناس يثير النعرات أو ينال من نفسية الأمة أو من هيبة الدولة أو أن أخباره كاذبة؟

هذه الصيغ الفضفاضة التي وضعت كما قلت سابقاً، من قبل نظام عسكري استبدادي نسف الدستور وأستولى على السلطة بالقوة ،كرست لمفاهيم عائمة وغير محددة ،ومع الزمن أضحت عبارة عن تفصيلة جاهزة لكل من يدخل سراديب الأجهزة الأمنية معتقلاً حيث توجه إليه نفس التهم التي وردت تحت مفهوم النيل من هيبة الدولة أو نفسية الأمة ، فأين هي هذه الهيبة وأين هي النفسية وما هي حدودهما، ومن يملك تفسيرهما ؟ كما من يملك الفصل بأن الأنباء التي تحدث عنها شخص من الناس أو إذاعها هي أنباء كاذبة ، ومن يدقق ذلك ، ومن يملك محاسبة السلطة أو الحكومة فيما تقوم به من أعمال؟

تحت هذه المفاهيم سيق عدد من معتقلي إعلان دمشق إلى القضاء ووجهت لهم نفس التهمة، مثل من سيق قبلهم العشرة الذين سموا معتقلي ربيع دمشق وحكم الجميع بنفس التهم التي لا زالت توجه للمعتقلين دون حساب!!

تتكرر المأساة وتمتلئ السجون بمعتقلي الرأي ويعاني هؤلاء ما يعانون من سوء المعاملة والتعذيب الجسدي والنفسي والإهانة وسائر الضروب الحاطة من إنسانية الإنسان، وتدورعجلة الاعتقالات والتهم وكأنها لازمة النظام الذي يجد قضاة جاهزين للحكم بما يملى عليهم بعد أن أستُلبت حرية القضاء وفقد القضاة استقلالهم!

ويندب محامون أنفسهم للدفاع عن المتهمين الموهومين فلا يجدون إلا العصي توضع في العجلات ،فلا يتمكنون من ممارسة مهامهم بحرية ولا يجدون عوناً حتى في إطار مهنتهم، وكما تخضع زيارة الوكلاء إلى موكليهم في السجن إلى تدخل ممثلي النيابة العامة في الزيارة، وتعلو في ذلك تعليمات مدير السجن على كل تعليمات ، فلقد منعت شخصياً من زيارة موكلين عدة مرات كما منع غيري ولا يزال المحامون في بعض القضايا ذات الطابع الخاص لا يجدون إلا كل عنت في ممارسة مهامهم، فكيف يمكن للمحامي أن يمارس عمله في جو مشحون بالعراقيل.

أرخى هذا الوضع بظلاله على الحياة العامة في بلادنا فعسكرة السلطة أدت لإلغاء سيادة القانون وحل محلها التعليمات والبلاغات، تماهياً مع الحياة العسكرية – نفذ ثم أعترض- فعندما يهيمن العسكريون على إدارة الحياة المدنية العامة ، يجري إسقاط المفاهيم العسكرية عليها وتفسد حياة الناس ، ولو أردت أن أضرب أمثلة على ذلك لما وسعتني صفحات ولكن أسوق للقارئ ما يلي :

السلطات المنفذة للقانون ترفض إنفاذ الأحكام القضائية التي أكتسبت الدرجة القطعية والمندرجة في المفهوم الحقوقي بأنها – عنوان الحقيقة- ،حتى ولو كانت الأحكام لا تمس في جانب منها السلطة، والتي قد تكون متعلقة بقانون الأحوال الشخصية واستقرار الأسر،وبذلك تضرب السلطة عرض الحائط بالقانون، ولقد مارست شخصياً مراجعات لها أول وليس لها أخر لتنفيذ أحكام قضائية، إلا أنني في كل مرة أجد التعليمات والبلاغات تقف سدأ مانعاً من إنفاذ الأحكام.

تمارس بعض جواتب السلطة منع المواطنين من دخول بعض الأبنية الحكومية ،ويساء إلى المواطنين الذين عليهم الوقوف طويلاً أمام “كوى” أو أمام أبواب الأبنية للسماح بالدخول مع أن هذه الأبنية برمتها ملك للمواطنين .

نعود لنقول أن هذه القوانين ، ومنها قانون العقوبات قد وضعت من قبل أنظمة استبدادية عسكرية بغرض حماية هذه الأنظمة، ولم تعرض على مجالس تمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً ،وإذا كنا فعلاً نريد أن نخرج من هذا التخلف وهذه النصوص الغامضة التي تعطي السلطة صلاحيات غير محدودة لسوق أي معارض إلى زنازين السجون وقمع كل صوت مخالف ، لا بد لنا من إعادة النظر في هذه النصوص وأن تعرض على مجالس نيابية منتخبة انتخاباً حراً ديمقراطياً .

و نشير هنا إلى أمرين هاميين في هذا السياق :

أولاً : أن سائر اجتماعات وزراء الداخلية والإعلام العرب تتم بالإجماع دون تخلف، في الوقت الذي توضع العصي في العجلات في اجتماعات مؤتمرات القمة .

ثانياً: توافق الجميع على اتفاقية وزراء الداخلية فيما يتعلق بتسليم الرعايا كما توافقوا مؤخراً على وثيقة الإعلام العربي المخجلة .

هذا ما يكمل الصورة التي قدمتها في إطار مفاهيم قانون العقوبات ،والقوانين الاستثنائية التي منها المرسوم التشريعي رقم 14 والذي يبيح في مادته(16) ارتكاب الجرائم من قبل محققين دون أن تطالهم يد العدالة.

أن المرحلة التي تمر بها أمتنا مرحلة دقيقة وحرجة والمتكالبون عليها كثر وما تتطلبه هذه المرحلة هي حماية حقوق الشعب، في النواحي القانونية والقضائية ليشعر المواطن أنه فعلاً يتمتع بحقوق المواطنية كاملة وأن القانون يبسط على الجميع حمايته حكاماً ومحكومين وهو ما يؤدي إلى التلاحم الشعبي وتمتين الجبهة الداخلية .

المحامي هيثم المالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى