صفحات سورية

التباكي من الجيران

null

حسام عيتاني

في حديث نسبته صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية الى الرئيس المصري حسني مبارك، جاء أنه أعرب عن استيائه حيال تمدد النفوذ الإيراني الى فلسطين ولبنان، وخصوصا لشعوره أن ايران قد باتت «على حدود مصر» في إشارة الى قطاع غزة بعد سيطرة حركة «حماس» عليه في شهر حزيران من العام الماضي.

قد لا يكون تقرير الصحيفة الإسرائيلية صحيحا من أصل، لكنه يعكس ضمنا سلوكا عربيا اعتاد إلقاء تبعات الأخطار والانتكاسات، الكبيرة منها والصغيرة، على الآخرين. وقد انضم مؤخرا الى هؤلاء الآخرين، الايرانيون الذين بات الحديث يجري عنهم وفق المصطلحات التي اشتقها صدام حسين إبان «قادسيته» الشهيرة في ثمانينيات القرن الماضي. وانتهى صدام وحكمه على النحو الكارثي المعروف الذي ما زال العراق يدفع ثمنه الى اليوم، ولم تُسحب أقواله المأثورة من التداول، بل إنها تعممت واتسع مجال استخدامها ليشمل الأنظمة التي ترغب في وصف نفسها بالاعتدال، من دون يكون الاعتدال المذكور مفتاحا الى رحابة واتساع أفق في التعامل مع التعدد العرقي والثقافي في المنطقة والعالم.

واذا كان الأداء السياسي العربي البريء من أي صنف من أصناف المسؤولية عن الواقع المتردي الذي يعيشه العرب، على ما يُجمع الممانعون والمعتدلون، فلا ريب في أن التسلل الإيراني الى المنطقة هو ما يليق به تنكب عبء التراجعات العربية بعدما طال تحميل تبعاتها الى اسرائيل والولايات المتحدة والغرب …الخ.

والأنكى أن الدول العربية لا تتوانى في توجيه الاتهامات الى ايران أو غيرها، في حين أنها ترفض مساءلة ذاتها عن أدوارها. فما المانع لو كانت مصر هي التي مدت نفوذها الى داخل غزة بدلا من إيران؟ وجاهة السؤال هذا تفترض العودة الى التاريخ الذي يقدمه الرؤساء العرب كسلسلة من الانجازات العظيمة. وبينما يقال إن مبارك يحتج على التمدد الايراني الى حدود مصر، يظهر من يشيد باتفاق السلام المصري الاسرائيلي في ذكراه التاسعة والعشرين، مؤكدا على «ثبات» السلام بين الدولتين.

غير أن الثبات، كلمة غير دقيقة في المقام هذا. بل ان الاجدى هو ربط التمدد الايراني المشكو منه باضمحلال الدور المصري الذي يرتع في «الثبات» منذ عقود الى الدرجة التي بات معها يشكل عقبة حقيقية أمام مصالح مصر الاقليمية والعربية قبل أي شيء آخر.

الأمر ذاته ينطبق على العراق ولبنان وغيرهما من البلدان العربية التي باتت أشبه بساحة نزال بين المشروعين الايراني والاميركي من دون أن يجد العرب بديلا من نغمة إلقاء اللوم على الاميركيين والايرانيين لسلوك الجانبين المناقض للمصالح العربية. في حين أن من يتعين توجيه اللوم اليه هو حصرا الدول والشعوب العربية القانعة بأداء دور المتفرج على الصراعات والحروب الدائرة على أراضيهم من دون حول ولا قوة، على نحو يذكر بنواح بعض اللبنانيين أثناء الحرب الاهلية حيال «حروب الآخرين على أرضهم» أو «الحروب من أجل الآخرين» (لا كبير فرق).

ومما يثير الدهشة بل الذهول، ان كل ما يشكو العرب منه يعتبر من بديهيات العلاقات بين الدول، اذ ان الفراغ الجيوسياسي يجد سريعا من يملأه، بحسب ما يقول الدرس الاول في الجغرافيا السياسية. لكن ما العمل وقد أصبح العجز واليأس من الامور التي يجترها العرب صبح مساء، ملقين أسباب مراراتها على دول وشعوب تعمل بموجب إدراكها لمصالحها.

مفهوم أن الطريق التي تسير فيها أنظمة الحكم العربية قد أفضت الى الإفلاس التام. ومفهوم أن الإفلاس المذكور أعاد إحياء أكثر التيارات تخلفا ورجعية في العالم العربي. لكن ما هو غير مفهوم هو هذه النزعة الطفولية للتباكي واتهام أبناء الجيران بالعدوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى