هل شُطبَ العرب من التاريخ؟
سعد محيو
هل ثمة شيء مشترك بين “كوكتيل” القمم التي تشهدها المنطقة العربية الآن، من قمة الدوحة إلى قمة الرياض، مروراً بقمة الكويت؟
أجل: هذه القمم كَرسّت بشكل غير مسبوق انفجار النظام الإقليمي العربي الذي نشأ بُعيد الحرب العالمية الثانية، وحوّلته إلى ركام. صحيح أن أحداث هزيمة 1967 ثم الغزو العراقي للكويت وبعده الغزو الأمريكي للعراق، وجّهت ضربات عنيفة إلى هذا النظام، إلا أنها لم تقتله. فبقيت الجامعة العربية جامعة، وبقيت أيضاً القمم العربية الدورية، كما بقيت الجهود منصّبة على محاولات إعادة شكل من أشكال التضامن العربي.
الآن، وبعد “كوكتيل” القمم التي غابت عن إحداها (الدوحة) القوتان الإقليميتيان الرئيسيتان مصر والسعودية، وحضرتها القوتان الإقليميتيان غير العربيتين إيران وتركيا. وبعد الانقسام العربي الخطير حول الموقف من الحرب “الإسرائيلية” في غزة، بات في الوسع الحديث عن مرحلة “ما بعد النظام العربي”.
السمة الرئيسية لهذه المرحلة هي الدخول القوي لتركيا وإيران على خط “وراثة” النظام العربي، جنباً إلى جنب، أو بالأحرى بالتنافس مع القوة الإقليمية الثالثة “إسرائيل”.
كل من هذه القوى الثلاث يتحرك وفق مشروعه الخاص، لكنها تشترك في تقاسم النفوذ في العديد من الدول العربية.
ماذا تريد كل من هذه القوى الإقليمية الثلاث؟
إيران تسعى إلى أمرين في آن: لعب دور الزعامة الإسلامية في المشرق العربي والعالم عبر مدخل الصراع الإيديولوجي والأمني مع القوة الإقليمية “الإسرائيلية” المسيطرة، والتوصّل في الوقت نفسه إلى اتفاقات مع أمريكا تضمن أمن نظامها ومجال نفوذها الحيوي.
وتركيا، عبر فلسفة “العثمانية الجديدة”، تسعى هي الأخرى إلى استعادة نفوذها الإمبراطوري (وإن يكن غير الامبريالي) في المنطقة العربية من جهة، وإلى استخدام هذا النفوذ كورقة تفاوض مع الغرب الأوروبي بوصفها بوابة العالم الإسلامي ونموذجه الإسلامي الديمقراطي.
أما “إسرائيل” فهي كانت، ولاتزال، تسعى لأن تكون القوة الإقليمية الوحيدة المهيمنة على كل الشرق الأوسط الكبير.
حتى الآن لاتزال هذه القوى الثلاث إما في مرحلة الصدام العنيف عبر الحروب بالواسطة (إيران و”إسرائيل”) أو عبر التنافس السلمي (تركيا- “إسرائيل” وتركيا- إيران)، لتحقيق مشاريعها. لكن، في وقت ما قد تجد هذه القوى مصلحة في تشكيل نظام إقليمي جديد تتشاطر فيه مناطق النفوذ أو تتعايش في إطاره بشكل سلمي. وهذا أمر يمكن أن يتحقق سريعاً إذا ما أدت الأزمة الاقتصادية الأمريكية الراهنة إلى انحسار سياسي أمريكي كبير (وإن مؤقتاً) في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيعطي هذه القوى حرية حركة غير مسبوقة.
هل ثمة مخرج من هذا الشطب المحزن للدور العربي من التاريخ؟
الخليج