ليس لأوباما ما يفعله هنا
حسام عيتاني
لا نعرف اذا كان وقف اطلاق النار الذي اعلنته اسرائيل فجر الاحد يهدف الى تهدئة الاجواء قبيل تنصيب الرئيس الاميركي باراك اوباما. ربما يكون هذا جانبا واحدا من جوانب القرار الاسرائيلي. فالانتقال الرئاسي في الولايات المتحدة يتطلب تحضير الاجواء على مستويات عدة، منها ضمان عدم التشويش على الرئيس وحفل دخوله الى البيت الابيض بمشاهد القتلى والدمار والحرائق.
لكن بعيدا عن الاحتفالات التي تعد لها الولايات المتحدة كحدث تاريخي، لا يبدو ان في جعبة اوباما من جديد بالنسبة الى القضية الفلسطينية. المؤتمر الصحافي الاخير قبل تسلمه منصبه رسميا كان دليلا على ذلك. لقد اطنب اوباما في شرح خططه للنهوض بالاقتصاد واستعداده لتبني كل الاقتراحات البناءة، سواء جاءت من الجمهوريين او الديموقراطيين، لكن على الرغم من النوايا الطيبة التي اعلنها بخصوص ايجاد حل للصراع العربي ـ الاسرائيلي، الا انه لم يشر الى أي تعديل في سياسته المعلنة بدعم اسرائيل و»حقها في الدفاع عن نفسها« وهو الموقف الذي كرره في العديد من المناسبات (خطابه امام مؤتمر »ايباك« وزيارته الى بلدة سديروت الاسرائيلية قرب غزة في الصيف الماضي) وهو الموقف الذي يبدو نسخة طبق الاصل عن تأييده »للحق« الاسرائيلي ذاته الذي شدد اوباما عليه اثناء حرب تموز على لبنان في صيف العام .٢٠٠٦
التزام الرئيس الاميركي الجديد بضمان أمن اسرائيل، وهو الالتزام الذي اكدته وزيرة الخارجية الجديدة المعينة هيلاري كلينتون في شهادتها امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قبل ايام، يجعل من الصعب تصور حصول تغير يذكر في السياسة الاميركية في المنطقة خصوصا وان الادارة الجديدة لم تخف انها في غير وارد إطلاق مبادرات دبلوماسية كبرى بل ان تصورها للعمل في المنطقة يقوم على متابعة ما كانت قد باشرته وزيرة الخارجية السابقة كوندوليسا رايس في العام الاخير من توليها منصبها، او منذ مؤتمر انابوليس حتى اليوم.
ثمة ما يدفع الى الاعتقاد ان الادارة المقبلة ستستخلص العبر من تجربتي الرئيسين السابقين بيل كلينتون وجورج بوش في التعامل مع ازمات الشرق الاوسط. تفيد الدروس هذه انه اذا كان من الخطأ الجسيم الاعتماد على العنف والقوة في حل المشكلات في الشرق الاوسط، بحسب ما بينت تجربة بوش في العراق وفي تفويضه اسرائيل »بمعالجة« المسألة الفلسطينية وفق ما ترى، الا ان الخطأ الذي ارتكبه كلينتون برهانه على تسجيل اسمه في صفحة صانعي السلام التاريخيين من خلال التوصل الى تسوية للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، لا يقل جسامة. بكلمات أخرى، ستعتمد ادارة باراك سياسة تصريف اعمال حيال قضايا المنطقة من دون ان يكون هناك من ثوابت في جعبة الادارة الجديدة سوى تلك التي عبرت عنها الخطوط العريضة لاوباما: التفاوض من دون شروط مع ايران وسوريا، مع الحيلولة دون حصول ايران ـ في الوقت ذاته – على اسلحة نووية، الالتزام بأمن اسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها….
غني عن البيان ان سياسة من هذا النوع تبدو الاكثر ملاءمة للوضع الاميركي في العالم وفي الشرق الاوسط لناحية تخصيص جل وقت واهتمام الرئيس الجديد في معالجة المسائل الامنية والاقتصادية الاميركية من جهة، الى جانب الاصرار على عدم اضاعة الوقت في عملية سلام اضافية في الشرق الاوسط، تحتاج اول ما تحتاج الى رؤية عربية مشتركة حيالها، فيما يظهر الفريق الاسرائيلي وقد جهز اوراقه كاملة لخوضها.
وإذا كان الانحياز الاميركي العلني والكامل الى جانب اسرائيل يمثل مشكلة في متابعة عملية السلام (التي بات الاعلان عن وفاتها ونعيها والسير في جنازتها، من الامور اليومية في الاعلام العربي)، فإن المشكلة الاكبر تبقى في عمق الانقسامات العربية والفلسطينية استطرادا، والتي تحول دون بروز أي تصور قابل للطرح على مائدة المفاوضات ودون الانصراف الى بناء موازين قوى مختلفة نوعا في المنطقة، لتعزيز فرص الرؤية العربية في حل الصراع مع اسرائيل.
ولعل الاجواء التصالحية في قمة الكويت امس تشجع على الاعتقاد بامكان ردم الهوة بين المعسكرين العربيين »المعتدل« و»الممانع«، لكن في الاعتقاد هذا اسرافا في ابداء حسن النية حيال الاجواء العربية. ولعله من السذاجة الانتقال من تحذيرات الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى من ان »السفينة تغرق« ومن كلام الرئيس المصري عن ان بلاده »لن تغفر لمن اساء اليها«، الى الانشراح بتحسن الاجواء الاخوية، في اقل من اربعة ايام، ومن دون أي تفسير لكيفية حصول المصالحة المرجوة.
قصارى القول ان الرئيس الاميركي الجديد الذي يعلق الاميركيون عليه امالا هائلة (ولعلهم على حق) قد لا يجد الادوات المناسبة لكسر الجليد الذي خنق كل مساعي السلام في المنطقة واعاد تظهير الحقائق المريرة في الشرق الاوسط كأرض مبتلاة بالعنف والحرب والموت حتى اشعار آخر.
السفير