قمم بلا معنى
عمّار ديّوب
عادةً ما يميل العرب إلى تفخيم كلماتهم، وتحميلها مضامين أكثر مما يستطيعون في الواقع، وربما لإيهام فقرائهم بأنهم لم ينسوا القضايا القومية أو المؤثرة على مستقبلهم، فينددون ويشجبون ويتبرعون ويكثرون من القسم بالله، وقد يلجؤون إلى تقبيل بعضهم بعد اختلاف مكين إن شعروا بخشية كبيرة من الشعب.
في الأيام السابقة عقدت ثلاثة قمم عربية وإسلامية وواحدة عربية وأوربية، والنتيجة ماذا، إنها تشديد الحصار على غزة، وبعض الأموال، ولا كلام عن إيقاف مبادرة السلام أو إعطاء الحريات العامة للشعب العربي والتحول نحو نظام ديموقراطي، بما يعزز من قدرة العرب على مواجهة الاحتلال والعدوان الصهيوني على القضية الفلسطينية وغزة وكذلك العراق ومنع تكرار ما تمّ.
إذن، ليس من معنى لأي قمة، بعد أن تجاوز النظام العربي القمة العشرون، إن لم تكن قمة مقاطعة الكيان الصهيوني مقاطعة كاملة، وأن تفرض عليه تغيير بنية الدولة نحو دولة تشمل العرب واليهود من غير الصهاينة، وهذا ما يتضمن بالضرورة إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية على أراضي ال 67 خاصةً وان إسرائيل لم تسمح بنشوء دولة فلسطينية رغم مرور قرابة من عشرين عاماً على أوسلو، وبالتالي على السلطة أن تحل نفسها، وعلى النظام العربي أن ينسحب من كل الهيئات الدولية ما دامت تتجاهل حق الشعب الفلسطيني على أرضه، وتدعم وجود إسرائيل ككيان صهيوني وتلتزم بالدفاع عنها. هذا معيار أن تكون القمة ناجحة أو لها معنى؟!
قد نسمع كلاماً عفى الله عما مضى وسنبدأ خطوة جديدة في العلاقات العربية نحو تضامن عربي جديد، ولكن ما هو معيار هذا الكلام، إنه بالضرورة فك التبعية لصالح المصالح الأمريكية في المنطقة والتحول نحو الديموقراطية وتقوية العلاقات البينية، وحل الصراع العربي الصهيوني، فهل هذا ممكن! وباعتبار ذلك غير ممكن فإن كل ما نسمعه من وعود هي كلمات لزيادة العمى لا لفتح البصيرة الناقدة الهادفة نحو سعى العرب نحو تطوير حياتهم وتقدم مجتمعاتهم وبالمقابل تأبيد النظام العربي الرسمي، الذي لا يمت للعرب إلا لجهة اللغة.
قبالة ذلك، تقف الدول التي تدعم المقاومة، والسؤال: ألا يتضمن ذلك الدعم المشاركة بالقتال، أو تدعيم الموقف الشعبي من اجل رفض الاحتلال، والسؤال مجدّداً، من سيرفض الاحتلال، أليس له أن يشعر أن البلد بلده بالدرجة الأولى، فكيف يكون ذلك ممكناً وهو ممنوعاً من الكلام والتظاهر والتعبير وممارسة حقوقه وليست واجباته فقط في بلده.. حتى من اجل نصرة القضية الفلسطينية. نعم لا يمكن أن تكون هناك مقاومة فعليّة دون ديموقراطية حقيقية؛ فلبنان كان والان فيه مقاومة لأن فيه هامش من حريات عامة والدولة لم تشيّد مؤسساتها بشكل سليم، فهل يتطلب الأمر في عالمنا العربي تدمير الدولة حتى تنبثق المقاومات الجادة، أية عبثية هذه، ربما عندها لن تكون مقاوماتنا سوى مقاومات طائفية، وعندها سندخل ونحن نحارب العدو الخارجي بحرب أهلية طائفية، إن لم نتكلم عن الصومال؟!
قممنا السابقة مسئولة عن تدهور العالم العربي؛ فواقعنا الذي نعيشه أبلغ من أن نشرحه، فهل يمكن أن تغير هذه القمم ما أصبح جزءاً من الأصالة العربية في الانحطاط، أعتقد بعدم إمكانية ذلك، لان النظام العربي لا يزال نفسه نفسه.
ربما يجب أن نعود لنؤكد، أن المقاومة في غزّة لم تنتصر وكانت تسعى لإيقاف العدوان لا لمحاربته، والكلام عن انتصار كان يفترض بالحد الأدنى مفاوضات ما، ولكن وحتى الآن لم يتحقق شيء سوى أن إسرائيل بدأت بعدوان مجرم وكارثي بكل المقاييس، والآن أوقفته بشكل مشروط، والمقاومة التي تصدّت للعدوان عليها ألا توقف إطلاق الرصاص والتعلل بمهلة أسبوع هي من أجل مفاوضات وليس من أجل الانسحاب الإسرائيلي من غزّة، ما دام الذي حدث حدث وإسرائيل لم تفاوضها، مع العلم أن المقاومة عليها أن تعيد النظر بكل آلياتها بعد الوصول إلى حل ما للعدوان الأخير على غزّة.
ستطوي الأيام القادمة الحرب على غزة وستطوى معها التظاهرات العربية، ولن يكون للقمم من نتائج تذكر سوى هدر المال العربي في لقاء الزعماء العرب في القمة وعقدها، وسيتعرض الشعب الفلسطيني مجدداً للذبح والمجزرة. ولذلك لا معنى للقم العربية، وآمل ألا تنعقد لاحقاً، لان عقدها وعدم عقدها سيان.