قضية فلسطين

مخططات الإسرائيليين وخيارات الفلسطينيين

ماجد كيالي
لم تكن إسرائيل مطلقة اليدين في سياساتها المتعلقة باستباحة الأراضي الفلسطينية المحتلة بقدر ما هي عليه في هذه المرحلة، فهي تستفرد بالفلسطينيين وتمعن فيهم قتلاً وتدميراً، وإضافة إلى ذلك فهي تعتقل أكثر من عشرة آلاف منهم، وتفرض حصاراً مطبقاً على قطاع غزة، منذ ثلاثة أعوام، وتعمل على تهويد القدس، وتقطع التواصل بين مدن الضفة، بالجدار والحواجز، وبالاستيطان.
وعلى الصعيد الخارجي فإن إسرائيل تتمتع بجبهات يسودها الهدوء المطلق، بل إن إسرائيل لم تعد لوحدها سبب عدم الاستقرار والاضطراب في المنطقة العربية. هكذا فثمة تحديات ومخاطر أخرى كثيرة، ضمنها تزايد التدخلات الخارجية، وتنامي نفوذ إيران في المنطقة، على حساب النظام العربي. وفي الداخل ثمة مخاطر الإرهاب، وبروز الشروخات الطائفية والمذهبية والاثنية، هذا عدا عن مشكلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومشكلات الشرعية، والدولة والسلطة، وعلاقة المجتمع بالسلطة.
أما على الصعيد الدولي فتبدو إسرائيل في غاية الارتياح، فالتحالف بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية لم يبلغ، في أي مرحلة، ما بلغه في عهد إدارتي بوش (2001 ـ 2008)، من جهة، وشارون ثم أولمرت، من الجهة المقابلة، إذ وصل إلى حد التماهي السياسي والايديولوجي، وثمة غطاء أميركي يحول دون أي تدخل خارجي، ولو كان أوروبياً، ما لم يناسب الأهواء الإسرائيلية. ولعل هذا ما يفسر قيام إسرائيل بشن حرب مدمرة ضد قطاع غزة، في الفترة الأخيرة، مستخدمة في ذلك القوة المفرطة، بدعوى الدفاع عن النفس، والحرب ضد الإرهاب!
المعنى من ذلك أن إسرائيل تسرح وتمرح في هذه المرحلة، من دون أي رادع، في تنفيذ مخططاتها العنصرية والاستئصالية والعدوانية إزاء الفلسطينيين، فهي ترفض استئناف عملية التسوية، بدعوى ضعف الشريك الفلسطيني، وبدعوى استمرار المقاومة، متناسية مسؤوليتها عن خلق هذا الواقع!
في مقابل ذلك يعيش الفلسطينيون في حال من الاختلاف والانقسام والاضطراب، كما الفوضى السياسية والميدانية، فهم لا يمتلكون أي مخططات عملية، قابلة للتنفيذ، وحتى انهم لا يمتلكون القدرة على وقف المخططات الإسرائيلية، تماماً، خصوصاً أنهم، من الأصل، يعملون في إطار معادلة صراعية جد مجحفة، فثمة فجوة نوعية وكبيرة لصالح إسرائيل، في موازين القوى، وفي مدى السيطرة الاقليمية، وفي مستوى الإدارة، وفي المعطيات الاقليمية والدولية.
أما عنصر التفوّق الذي يملكه الفلسطينيون، في ظل انكفاء الاحتضان الاقليمي والدولي والخلل في موازين القوى، فهو يتمثل، فقط، في عنادهم وتضحياتهم وبطولاتهم، وعدا عن ذلك فهم لا يملكون إلا طرح الشعارات وخوض المجادلات السياسية، والتسلي بالمبادرات المتعلقة بطرح خيارات مختلفة ومتباينة!
ولعل هذا الوضع هو الذي يظهر كفاح الفلسطينيين بمختلف تجلياته، وكأنه غاية في ذاته، لكأن الغرض منه الاستمرار في الصراع، والاستنزاف المتبادل (مع حفظ الفارق)، نظراً لاستحالة تحقيق الإنجازات والانتصارات، في إطار المعطيات الحالية، مهما بلغت تضحيات الفلسطينيين ومعاناتهم وعذاباتهم.
هكذا بينما تواصل إسرائيل خططها بشأن تكريس واقع الاحتلال والتهويد، وبشأن ترك الفلسطينيين، كبشر، يتخبطون في تحديد مصرهم وتدبير أمورهم في معازل، منفصلة، فإن هؤلاء لا يجدون مخرجاً من الوضع الحالي سوى التلويح بخيارات نظرية، لا يملكون وحدهم التقرير بشأنها، فضلاً عن أنها تتضمن العديد من الإشكاليات.
ويبرز من هذه الخيارات، مثلاً، وقف المفاوضات، وطرح الموضوع الفلسطيني على المجتمع الدولي، والإعلان عن دولة فلسطينية من جانب واحد، في الأراضي المحتلة عام 1967، أو التخلي عن خيار الدولة المستقلة لصالح خيار الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية، لرمي تحدي استمرار الاحتلال على إسرائيل، ووضعها في مواجهة واقع خيارين: إما التخلي عن وضعها كدولة يهودية والتحول إلى دولة مواطنين أو دولة ثنائية القومية (بالواقع ان بحكم القانون)، أو الظهور على طبيعتها كدولة يهودية وعنصرية ولا ديموقراطية. كما يبرز بين الحين والآخر خيار حل السلطة الفلسطينية، وفتح الصراع على مصراعيه، وترك إسرائيل لتدبر أمرها مع المجتمع الفلسطيني، في هذه الأوضاع الصعبة والمعقدة، في محاولة لتحميل إسرائيل تبعات استمرار الاحتلال، وإظهارها على وضعها كدولة استعمارية عنصرية.
إزاء كل ذلك فإن مشكلة الفلسطينيين لا تكمن في الخيارات، فهي متعددة، فعدا عن تعقيدات الصراع ضد المشروع الصهيوني ومداخلاته الدولية والاقليمية، فإن مشكلتهم تكمن أساساً في ضعف تنظيمهم، وتخلف إدارتهم لأوضاعهم، وفي عدم استعدادهم للإجماع على أي من الخيارات الوطنية الصراعية، في ظل الفوضى الحالية التي تسود ساحتهم، في ظل غياب الأطر التشريعية فيها، وسيادة الروح الشعاراتية العاطفية في الشارع الفلسطيني، وفي ظل العقليات الضيقة والتنافسات الفصائلية.
على ذلك فإن الفلسطينيين في أحوالهم لا يملكون ترف المزايدة على بعضهم، ولا ترف التنافس في ما بينهم، في حين أن قضيتهم تتآكل يوماً بعد يوم، وفي حين تعمل إسرائيل بكل دأب على تكريس الواقع الاستعماري في الأرض المحتلة.
لا مناص أمام الفسلطينيين، وأمام قياداتهم، إلا العمل على تعزيز وحدتهم، وتوحيد رؤاهم، وإعادة بناء حركتهم الوطنية، وإعادة الاعتبار لقضيتهم كقضية تحرر وطني.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى