إدارة أوباما متى تصبح طرفاً؟
محمد ابرهيم
مع وصول المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط جورج ميتشل تنتقل الإدارة الأميركية الجديدة من مرحلة السماح المليئة بالتوقعات المتفائلة الى مرحلة المحاسبة الجدية.
الجولة الاولى لميتشل ستكون للسماع ولتسجيل المقترحات وربما تشمل زيارات مفاجئة لكنها لن تخرج، كما هو مخطط لها، عن طابع الاستكشاف للمعطيات.
طبعا ستكون الزيارة محاطة بالكثير من العناية لما سيقوله ميتشل، واين سيقوله، لاستشراف معالم السياسات الاميركية المقبلة، لكنه ليس من المنتظر ان يعبّر بطريقة متماسكة عن معالم سياسة اميركية شرق اوسطية ايجابية في هذه المرحلة.
حتى لو كانت بعض مفاجآت الجولة فتح قنوات حوار مع اعداء الامس، فان ذلك لن يخرج عن حدود ما هو معلن في اطار الحملة الانتخابية الرئاسية الاميركية.
حتى الآن كل الايجابيات الشرق الاوسطية المتعلقة بادارة أوباما تقع في خانة وضع حد للسلبيات التي كانت ادارة الرئيس السابق جورج بوش منخرطة فيها، وقد كانت الحرب على غزة آخر مظاهرها.
بهذا نستطيع ان نتوقع بثقة ان الادارة الجديدة لن تكون، ولفترة طويلة، منخرطة في اي تشجيع لاسرائيل على عمل عدائي يطاول أياً من جيرانها في المديين المباشر والابعد.
المشكلة تبدأ في محاولة تحديد الجوانب الايجابية القائمة على مبادرة ادارة أوباما الفاعلة في اتجاه ما ينتظره الافرقاء، العرب خصوصا، من حلول للمشكلات التي استعصت اثناء ولايتي جورج بوش.
على هذا الصعيد لا تنفع تصريحات أوباما السابقة او الحالية في استكشاف اين ستقوده خطاه الشرق الاوسطية.
فالحرص، المفهوم، على البقاء في العموميات التي ترضي الجميع، لا يمكن ان يشكل سياسة دافعة في اتجاه معين، هو الاتجاه السلمي بالطبع، الا اذا استثنينا موقفه المبدئي من الارهاب والحركات الارهابية.
في تاريخ الادارات الاميركية السابقة كان معلوما ان “سوء التفاهم” مع اسرائيل هو المدخل لحصول تقدم ما في العملية السلمية على اي مسار من مساراتها، فيما كان التفاهم الاميركي – الاسرائيلي يقع دائما في خانة تأجيل التسوية وفتح المجال للاحتكاكات على مستوياتها المختلفة.
لم يوحِ أوباما حتى الآن بأنه بصدد طرح اي شعار يمكن ان يثير حرجا اسرائيليا، او يمكن اعتباره اشارة الى سياسة تطرح باسم مصالح اسرائيل الحقيقية والمستقبلية ضرورة التصدي لمصالح اسرائيل وسياساتها الآنية.
لا شك في ان الاجواء الانتخابية الاميركية او الاسابيع الاولى للادارة ليست المجال الطبيعي لبروز مثل هذه التباينات، لكن حرص أوباما المبالغ به على عدم اثارة اي حساسية اسرائيلية ليس مبشراً لمن ينتظر منه انقلابا في السياسة الاميركية الشرق الاوسطية.
ربما، وكالعادة، يمكن ان تأتي التطورات بمخارج لبقاء أوباما في دائرة العموميات والاستمتاع بتأييد الجديد. وهذه التطورات تتناول طرفين.
من ناحية يبدو ان اتجاهات الرأي العام الاسرائيلي هي في صدد اعادة “الليكود” بزعامة بنيامين نتنياهو الى السلطة مع تحالف يميني ديني – علماني. ومن ناحية اخرى تتبلور فلسطينيا ملامح تصلب في مواقف “حماس” والمنظمات المتحالفة معها على اساس ان حصيلة الحرب على غزة يمكن وضعها تدريجا في خانة النصر. تعزّز هذين الاتجاهين، اتجاهي الحد الاقصى الاسرائيلي والفلسطيني، يمكن ان يشكل حلا لبقاء أوباما طويلا في المنطقة الرمادية بالنسبة الى القضية الفلسطينية.
فهو في تصديه لتصلب نتنياهو، وعودته عن برنامج “كاديما” الوسطي، سيجد الكثير من الحلفاء حتى داخل اسرائيل، فيما ينحل الاحراج الذي يقع فيه المعتدلون العرب المستجيبون للعروض السلمية الاسرائيلية في حالتها الراهنة.
اما اذا غلب التصلب الفلسطيني لاسباب تتعلق بعدم رضى “محور الممانعة” عن تقديمات أوباما، فان هذا ايضا يصبح في حلّ من “اللغة الخشبية” الفاقدة للمعنى ويستطيع الانخراط في معركة ضد التطرف يجد فيها بالتأكيد حلفاء بين العرب.
في كل الاحوال يمكن تسجيل واقع ان الادارة الاميركية الجديدة، المستعدة بتركيبتها لدفع عملية سلام ما الى الامام، تواجه في الاتجاهين الاسرائيلي والعربي ظروفا تميل اكثر الى المواجهة، مما يجعل هذه تنخرط، ربما سريعا، في مهمة الحد من الخسائر وبالتالي القليل من الفاعلية.
النهار