الثورات آتية ولو كره الدافوسيون
سعد محيو
المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يضم، كما هو معروف، كل أو معظم قباطنة المال والاقتصاد في العالم إضافة إلى “مساعديهم” (أو بالأحرى “الموظفين” لديهم) من القادة السياسيين في العديد من الدول، هو في الواقع الحكومة السرية التي تحكم العالم من وراء الكواليس.
ففي منتجع دافوس حيث يلتئم شمل القباطنة والقادة كل عام، يقوم هؤلاء بتحديد مصائر الأمم والشعوب والأوطان والاقتصاد الدولي ومستويات المعيشة في حال استرخاء ويحتسون الجعة والنبيذ وأفخر الأطعمة، وسط الطبيعة الجبلية السويسرية الخلابة.
كل شيء في دافوس في كل أسبوع من هذا العام حين ينعقد المنتدى كان يوحي بالسعادة والاطمئنان. كيف لا وهذه الحفنة الضئيلة من البشر التي لا يتجاوز عدد “حلقتها الداخلية” الستماية نسمة، تملك 90 في المائة من ثروات ستة آلاف مليون نسمة على وجه هذه البسيطة؟ كيف لا وهذه النخبة كانت ترفل منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي في جنّة إجماع شامل في صفوفها قوامه أن السوق الرأسمالي الحر والعولمة المنفلتة من عقالها بقيادة المصارف والمؤسسات المالية، هما الطريق إلى الازدهار والتقدم والنمو الاقتصادي بلا قيود أوحدود؟
بيد أن دافوس هذا العام كانت ترتدي حلة كئيبة وقلقة ومتوترة. ولاعجب. فقباطنة الحكومة السرية فقدوا الثقة بعبقرية اليد الخفية للسوق، وباتوا يخشون من أن تكون العولمة لا العلاج الشافي لكل الأمراض، بل الفيروسة القاتلة التي ستنتقل عبرها كل أوبئة الأزمات المالية والاقتصادية الخانقة الراهنة إلى دولهم واقتصاداتهم وجيوبهم.
قبل بدء أعمال المنتدى السنوي، كانت تقارير صندوق النقد تؤكد أن الإفلاسات ستنتقل خلال هذا العام من القطاعات المالية (الاقتصاد الوهمي) إلى القطاعات الانتاجية (الاقتصاد الحقيقي)، وكانت منظمة العمل الدولية تكشف النقاب عن أن الأزمة الرأسمالية أدت حتى الآن إلى طرد 50 مليون شخص من أعمالهم، بينهم 100 ألف في القطاع المصرفي وحده. والحبل ما زال بالطبع على الجرار.
وهذا ما حدا ب “فاينننشال تايمز” إلى التساؤل للمرة الأولى: “هل سينهار إجماع عمره 20 سنة اطلق عليه الكثيرون تعبير “إجماع العولمة”؟ وهل سيقرر الآن الصينيون والهنود والروس والبرازيليون وغيرهم الكثيرون البقاء في كنف العولمة، أم أنهم سيجدون ملاذهم وخلاصهم في “القومية الاقتصادية” مجدداً؟”.
سؤال مهم وخطير. لكنه في الوقت نفسه سؤال أناني وفئوي. إذ هو يهتم كل الاهتمام بمصير النظام الرأسمالي المتعولم، ولا يهتم أدنى اهتمام بمئات ملايين البشر من العمال والفلاحين والطبقات الوسطى الذين يدفعون، وسيدفعون أكثر، الأثمان الفادحة الأساسية للانهيارات الاقتصادية الراهنة.
لكن، هل ستمر مثل هذه التطورات الدرامية التاريخية في العالم مرور الكرام، حيث يعاني “الدافوسيون” من “خسائر أرباحهم” الأسطورية فيما هم يسترخون في جنّة دافوس، فيما غالبية البشر يقتربون من هاوية جهنم البطالة والفقر والجوع؟
كلا بالطبع. وهل هذا يعني أن الثورات الاجتماعية، أو على الأقل الانتفاضات والاضطرابات الشعبية، ستكون من الآن في أمر اليوم في العديد من مناطق العالم؟
أكيد، ولو كره الدافوسيون!
الخليج