فيدل كاسترو: من أين يأتي بالوقت ليقوم بكل ذلك؟
عمر كوش
يهتم هذا الكتاب بسيرة حياة الزعيم الكوبي فيدل كاستر، حيث يعرض لنشأته وانخراطه في العمل السياسي الثوري، وتزعمه الثورة الكوبية، ثم حكمه لكوبا المستمر منذ عام 1959 إلى يومنا هذا رغم الهرم والمرض الذي ألمّ به.
ينتمي فيدل كاسترو إلى أسرة أحد ملاك مزارع قصب السكر الكوبيين، حيث ولد في 13 آب 1927 بمزرعة “بانكار” الواقعة في ضاحية مدينة “بيران” والتابعة لقضاء “مياري”، أمه أصلها لبناني، وجده اسكندر روز أو روس كان تاجراً حراً، عاش في بيروت، وتجول في مصر والعراق قبل أن يرحل إلى كوبا. أما شقيقه راؤول فولد بعده بأربعة أعوام. والتحق كاسترو بالمدرسة الابتدائية في دولر (سنيتاغو) رغم أن الأولاد أقرانه كانوا لا يلتحقون بالمدارس الخاصة التي تستلزم دفع مصاريف كبيرة مقارنة بمستوى الدخل. ولكن والد أنجلو كان يملك مزرعة للقصب في المقاطعة الشرقية، وهي مزرعة انتزعها من قلب الغابة بعرقه، وبالتالي كان الأب ميسوراً، فدفع ابنه إلى دراسة عالية المستوى على أيدي الآباء اليسوعيين، الذين زرعوا فيه حب قراءة التاريخ، وعلموه أن السيد المسيح جاء إلى الناس بثورة تبدل أفكارهم وتنقلهم من الظلمات إلى النور.
كان كاسترو في صباه يعلّق على صدره سلسلة ذهبية فيها صورة لمريم العذراء، وكان يحرص على الطقوس الدينية. وقد تزوج في الكنيسة، ويقال إنه تأثر كثيراً لما طلبت زوجته الطلاق وهو في غياهب السجن بسبب مواقفه الثورية. وعشق كاسترو في صباه هواية تربية ديوك المعارك. وفي 1947 قاد أول تظاهرة ضد نظام الديكتاتور باتيستا، وشارك فيها مئات الطلاب، وكانت في إحدى المقاطعات، لكن التظاهرة فشلت لأنها لم تنجح في استقطاب المواطنين إلى صفوفها. وحاول كاسترو ورفاقه، من دون أن تكلل محاولتهم بالنجاح، الإطاحة بحكم الجنرال فولجنسيو باتيستا في 26 تموز 1953 ، الأمر الذي أسفر عن إيداعه السجن لمدة عامين. و لدى إطلاق سراحه توجه إلى المكسيك للتخطيط للقيام بغزو كوبا. وفي كانون الأول 1956 بدأ حملة حرب عصابات أسقطت حكم باتيستا بالفعل، فهرب باتيستا إلى جمهورية الدومينيكان. وبدأت مرحلة جديدة في حياة الشعب الكوبي، وكما يقولون عادة أن ما بعد الحرب أو الثورة أصعب أو أن المحافظة على النصر أصعب من الحصول عليه.
شغل كاسترو منصبي رئيس كوبا ورئيس وزرائها منذ 1959، ولفت أمران نظر من استمعوا لفيدل كاسترو للمرة الأولى: الأول هو قدرته الرهيبة على استقطاب مستمعيه، والآخر هو هشاشة صوته. وقد خلص أحد الأطباء، لدى سماعه ذلك الصوت المبحوح، إلى أنه حتى من دون الخطب الماراثونية، التي تتدفق منه باستمرار، فإن من المقدر لفيدل كاسترو أن يفقد صوته في غضون خمس سنوات. وعقب فترة قصيرة، وعلى وجه التحديد في آب 1962، بدا أن هذا التشخيص قد تلقى أول تأكيد مثير للانزعاج له عندما احتبس صوته بعد إلقائه لخطاب أعلن فيه تأميم الشركات الأميركية. لكن تلك كانت نكسة مؤقتة لم تتكرر. وقد انقضت سنوات عديدة منذ ذلك الحين.
يرى المؤلف أن كاسترو قارئ شديد الشغف بالكتب حتى ليلتهمها التهاما. وما من أحد بمقدوره أن يوضح الكيفية التي يمكنه بها أن يجد الوقت أو أي سبل يستخدمها ليقرأ كثيراً، على الرغم من أنه يشدد على أن ليس هناك شيئاً مميزاً فيما يتعلق بهذا الجانب. في سياراته، ابتداء من الأولدزموبيل العتيقة للغاية، وصولا إلى سيارات (الزيل) السوفييتية المتتابعة، حتى سيارات المرسيدس الحالية، هناك على الدوام ضوء للقراءة ليلاً. وعديدة هي المرات التي أخذ فيها كتاباً في ساعات ما قبل الفجر و عقّب عليه في صباح اليوم التالي.
لاشك أن ثورة كاسترو دخلت التاريخ باعتبارها ثورة من أجل تحرير الإنسان الكوبي من الفقر والاستغلال والعبودية، وفي المقابل هي ثورة من أجل التنمية والتقدم ورفع مستوى المعيشة، ودخول الإنسان الكوبي إلى العصر بكل ما فيه من تقدم.
وبصدد علاقة كاسترو مع تشي غيفارا، يرى المؤلف أن “تشي” كانت له نظرة مثالية إلى الإنسان الاشتراكي الغريب، في مجتمع تجاري، وإنه كان يحكم بقسوة على النجاح الصناعي في الاتحاد السوفيتي فيقول: “كل الناس تعمل وتكد وتنشط لتتجاوز نفسها، لكن الهدف الوحيد هو الربح. وأنا ضدّ الربح، ومع الإنسان. ماذا يفيد المجتمع، أي مجتمع، إذا ربح الأموال و خسر الإنسان”. وكان غيفارا قد التقى في المكسيك مع راؤول الذي كان ماركسياً مثله، بينما كاسترو كان وطنياً مسيحياً، ثم صار الثلاثة نواة الثورة.
ويؤكد المؤلف أن غيفارا لم يكن، خلال الفترة التي تقلد فيها مناصب وزارية ذات علاقة بالاقتصاد والتخطيط، “رجل الثورة الكوبية الاقتصادي” فحسب، بل كان رجل المهمات السرية والخاصة، حيث كان كاسترو يرسله كدبلوماسي متجول إلى الأرجنتين والأمم المتحدة وجنيف وإلى دول العالم الثالث، فقابل عبد الناصر ونهرو وسوكارنو، ووقع في موسكو سنة 1962 الاتفاق السري الذي سوف يؤدي إلى نشر الصواريخ السوفيتية في كوبا، و ما سينتج عنها من توتر دولي.
وفي آذار 1965 ، عاد غيفارا إلى هافانا بأفكار جديدة، بعضها انتقادي للاتحاد السوفيتي، وتحمل ميلاً إلى النموذج الصيني الذي كان غيفارا يسميه “النقاء الصيني”. وبسبب حرص كاسترو على علاقات مميزة من الاتحاد السوفييتي انتهى الأمر إلى مغادرة غيفارا كوبا وتركه لجميع مناسبه فيها.
ويذكر المؤلف العديد من المحاولات الأميركية لاغتيال كاسترو، حيث يورد ما جاء في كتاب “المشروع الكوبي” لوليام تيرنر من مكتب التحقيقات الفدرالية، الذي أفاد بأنه جرت 15 محاولة لقتل كاسترو في السنوات بين عامي 1959 ـ 1961، وأن معظم المؤامرات كانت تنطلق من قاعدة غوانتانامو البحرية، التي استأجرتها أميركا في غفلة من الزمن و لا تريد إعادتها لأصحابها.
ومن المعروف أن الإدارات الأميركية المتعاقبة، قدمت ملايين الدولارات لدعم المعارضة الكوبية، وإسقاط نظام الرئيس الكوبي كاسترو، إلا أنها فشلت في تحقيق أي تقدم في هذا الطريق بعد أن قامت 600 محاولة. وبدأت في يوليو 2006 ما أطلقت عليه خطة “تعزيز الديمقراطية في كوبا” من خلال صندوق رأسماله 80 مليون دولار لتمويل الجهود الرامية إلى تحقيق ذلك.
المستقبل – الاحد 6 نيسان 2008