مستقبل التسوية بين «إسرائيل» والرئاسة الفلسطينية في ظل إدارة أوباما
سعى الرئيس الأميركي أوباما منذ اليوم الأول لتنصيبه لإبداء الاهتمام بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وكان تعيينه المبكر لجورج ميتشل مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط إشارة مهمة إلى ذلك. غير أن أوباما لم يصل إلى الرئاسة إلا بعدما صوت إلى جانب «إسرائيل» طوال وجوده في مجلس الشيوخ، وبعدما أعطى كل التعهدات والضمانات التي تحتاج اليها «إسرائيل»، ثم إنه أحاط نفسه بمجموعة من المستشارين المعروفين بميولهم الصهيونية. كما أنه قد يكون أكثر حذراً وأكثر استرضاءً لـ«إسرائيل» لتأكيد ابتعاده عن أصوله المسلمة والأفريقية. وهو ما يعني أن أوباما يريد الانخراط المباشر والعاجل في ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولكن من منطق الانحياز لـ«إسرائيل»، وبمستشارين وأدوات استخدمها أسلافه من قبل وفشلوا.
ويدرك أوباما أن أي حل قد يصل إلى الحد الأدنى الذي يوافق عليه الفلسطينيون والعرب يقتضي قيامه بضغط هائل على «إسرائيل»، وهو ما سيؤدي إلى وقوف اللوبي الصهيوني الإسرائيلي القوي في وجهه بما له من نفوذ في الكونغرس والاقتصاد والإعلام. وعلى هذا فليس هناك في الظروف الراهنة الكثير أمام أوباما ليفعله.
نحو مشاركة فعالة:
في صباح اليوم الأول بعد تنصيبه رسمياً رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، أجرى الرئيس باراك أوباما (الأربعاء 21/1) جملة من الاتصالات مع عدد من قادة دول الشرق الأوسط ليؤكد لهم سعي إدارته لتعزيز قرار وقف إطلاق النار بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والعمل على وضع نظام مراقبة للحد من «تهريب» السلاح لحركة حماس، وإعادة بناء ما دمرته الحرب في القطاع بالتعاون مع السلطة الفلسطينية في رام الله. كما أكد لهم التزام إدارته بالانخراط مباشرة في العملية السلمية بين الفلسطينيين و«إسرائيل».
كانت اتصالات أوباما هذه الخطوة الأولى من طرفه لكسر سياسة الصمت التي انتهجها حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لمدة 77 يوماً، هي عمر المرحلة الانتقالية. كما أنها مثلت كذلك أول تحرك رسمي له نحو الصراع بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
فأوباما لم يدل بتعليق رسمي واحد ـ اللهم باستثناء ذلك الذي عبر فيه عن شعوره بالقلق العميق لسقوط مدنيين أبرياء من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خلال العدوان على غزة ـ خلال فترة 22 يوماً هي مدة العدوان على القطاع، بذريعة أن الصمت تحتمه ضرورات أن تتحدث الولايات المتحدة بصوت واحد. وحينها كان أوباما والمتحدثون باسمه يؤكدون أن لديه الكثير ليقوله بعد توليه الرئاسة رسميا.
أشارت مسارعة أوباما، منذ اليوم الأول له في الرئاسة، إلى التعاطي المباشر مع الصراع العربي الإسرائيلي، إلى الأهمية التي ستوليها الإدارة الأميركية الجديدة لذلك الصراع وأولويته على قائمة أجندتها المزدحمة.
ويبرز تعيين السناتور السابق، جورج ميتشل، مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط، الأهمية التي توليها إدارة أوباما لملف العملية السلمية في المنطقة. ويعرف عن ميتشل أنه شخصية تمتاز بالواقعية وبالبراغماتية والعمل الجاد، والبعد عن الأحكام الأيديولوجية. ويسجل له في هذا السياق نجاحه في التوصل إلى اتفاق بين بريطانيا وحكومة إيرلندا الشمالية في شهر نيسان/ أبريل 1998، وهو الاتفاق الذي وضع حداً لعقود طويلة من الصراع بين الطرفين.
وبعد تفجر انتفاضة الأقصى أواخر عام 2000، عينه الرئيس الأسبق بيل كلينتون ليرأس لجنة تحقيق في أسباب الانتفاضة وخلفياتها، ولتقديم مقترحات عن كيفية الخروج من دائرة «العنف». وفي عام 2001، قدم ميتشل تقريره إلى الرئيس الجديد في ذلك الحين، جورج بوش. وطالب تقريره السلطة الفلسطينية بوقف التحريض على العنف ووضع حد له. فيما طالب «إسرائيل» بتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية.
عقدة اللوبي الإسرائيلي:
الحديث عن نية أوباما تعيين ميتشل مبعوثا خاصا له إلى منطقة الشرق الأوسط أثار قلقاً في أوساط بعض قيادات اللوبي الإسرائيلي في أميركا. فرغم أن اللوبي الصهيوني يقر بأن ميتشل كان واحداً من أكبر المؤيدين لـ«إسرائيل» طوال 15 عاماً قضاها كعضو في مجلس الشيوخ عن ولاية مين، إلا أن ثمة من يرى أن براغماتية الرجل وواقعيته تمثّل تحدياً حقيقياً لـ«إسرائيل» في الولايات المتحدة. فمثلاً يغمز إبراهام فوكسمان، رئيس منظمة مكافحة التشويه الصهيونية الاميركية من طرف ميتشل، حسب تصريح للصحيفة اليهودية الاميركية «ذا جويش ويك» (21/1/2009) قائلا إن هذا الأخير «يتعامل كوسيط نزيه بطريقة نزقة». إذاً مأخذ المنظمات الصهيونية الاميركية عليه، أنه قد يكون «متوازناً»، في عمله كمبعوث خاص إلى الشرق الأوسط، وليس منحازاً بالكلية لـ«إسرائيل»!
إن تعهدات أوباما السابقة لانتخابه رئيساً، بالتحرك السريع والمباشر لكسر الجمود على مسار العملية السلمية بعد انتخابه، ثمَّ مباشرته التحرك بعيد انتخابه فعلياً، تشير إلى أن الرجل يبحث عن مجد أعجز رؤساء سابقين من قبله. فثلاثة رؤساء، بدءاً من جورج بوش الأب، مروراً ببيل كلينتون، وانتهاء بجورج بوش الابن، سعوا بطريقة أو بأخرى لتحقيق اتفاق فلسطيني إسرائيلي، ينشئ من ناحية دولة فلسطينية، بغض النظر عن شكلها وتعريفها ومضمونها، ويدمج من ناحية أخرى «إسرائيل» في فضاء المنطقة، لتعيش بأمن وسلام. إلا أن الحظ لم يكن حليف أي منهم، وذلك عائد بالدرجة الأولى إلى السياسات والمواقف الإسرائيلية المجهضة لأي جهد أميركي في هذا السياق، دون أن تملك الإدارات الأميركية المتعاقبة، إرادة سياسية حقيقة للضغط على «إسرائيل»، اللهم إلا إذا استثنينا ضغوطات إدارة بوش الأب على حكومة إسحق شامير لحضور مؤتمر مدريد أواخر عام 1991، تحت طائلة تجميد المساعدات الأميركية. وهي الضغوط التي يرى بعض المراقبين أنها ساهمت بدرجة أو بأخرى، في خسارته للانتخابات الرئاسية أواخر عام 1992، لمصلحة كلينتون. ويرى المراقبون أنفسهم، أنها وظفت كآلية ردع.
وإذا كانت الحال كذلك، فكيف سيمكن لأوباما التعامل مع هذا الملف الشائك، خصوصاً أن كثيرين داخل مؤسسات صنع القرار الاميركي يقرون بأن أي حل يستلزم تنازلات إسرائيلية «مؤلمة»!؟ أضف إلى ذلك أن أوباما أشار في خطاب التنصيب (20/1/2009)، الى أنه يريد أن يسلك منهجاً جديداً في التعامل مع العالم الإسلامي «يقوم على الاحترام المشترك». ولكن، كيف يمكن لأوباما أن يعيد صياغة العلاقات الاميركية ـ الإسلامية، دون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، خصوصاً أن ثمة شبه اتفاق، أن القضية الفلسطينية هي المدخل الأساس لأي استقرار في المنطقة، أو لتدشين علاقات أميركية إسلامية جديدة تقوم على «الاحترام المشترك»؟
للإجابة عن هذين التساؤلين لا بد من استعراض خلفية سريعة للتحولات في رؤية أوباما ومقاربته للمسألة.
أوباما … والانحياز إلى «إسرائيل»:
بعد تأمينه موقع المرشح عن الحزب الديموقراطي للرئاسة الاميركية، سارع أوباما لمحاولة تبديد كل الشكوك التي أثيرت حوله خلال الحملة الانتخابية التمهيدية للحزب الديموقراطي، خصوصاً من قبل منافسته هيلاري كلينتون، بأنه شخص لا يمكن الوثوق به كصديق لـ«إسرائيل».
حملتا كلينتون وماكين، استغلتا جملة من التصريحات والمواقف السابقة لدخول أوباما إلى مجلس الشيوخ الأميركي أوائل عام 2005، التي يمكن أن يستشف منها تعاطفه مع قضايا الشعب الفلسطيني. كما ربطته علاقات بناشطين فلسطينيين مثل إدوارد سعيد ورشيد الخالدي.
ومع دخول أوباما مجلس الشيوخ الأميركي، بدأت لغته ومواقفه حيال الصراع العربي الإسرائيلي بالانتقال السريع من دائرة التعاطف مع قضايا الفلسطينيين، إلى دائرة الانحياز التام لـ«إسرائيل»، ويشهد على ذلك سجله التصويتي في مجلس الشيوخ لمصلحة أي قرار يصب بطريقة أو بأخرى في مصلحة «إسرائيل». وبرز هذا التحول في خطاب أوباما ومواقفه بأجلى صوره في خطابه أمام مؤتمر لجنة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية (إيباك) في شهر حزيران 2008، والذي بالغ فيه أوباما بالتغني بـ«إسرائيل» والحلم الذي تمثله.
وبلغ الأمر بأوباما في الخطاب ذاته إلى حد إعلان تأييده أن تكون «القدس الموحدة» عاصمة لـ«إسرائيل»، وهو ما يخالف مواقف الإدارات الأميركية منذ نشأة دولة «إسرائيل» وإلى اليوم. غير أن حملته عادت وتراجعت عن هذا التصريح، بذريعة أنه فهم على غير مقصده، وبأن الأمر متروك للمفاوضات النهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويشير برنامج السياسات الخارجية لأوباما ونائبه جو بايدن إلى التزامهما المطلق نحو «إسرائيل»، واستمرار دعمهما تطوير منظومة دفاع خاصة بها ضد الصواريخ، وتأييدهما لاستمرار تدفق الدعم الاقتصادي والعسكري الأميركي على «إسرائيل». ويشير البرنامج إلى أن أولى أولويات إدارتهما في الشرق الأوسط ستكون أمن «إسرائيل». كما يدعو البرنامج إلى تصدير السلاح الأميركي إلى «إسرائيل» تحت ذات القواعد التي تحكم العلاقة بين أعضاء تحالف الناتو.
وعلى الرغم من أن أوباما قد جعل من مسألة الوصول إلى «سلام دائم» هدفاً رئيساً لإدارته، إلا أن تحقيق مثل ذلك السلام يتطلب تنازلات إسرائيلية، وهو الأمر الذي يدركه أوباما، مثلما يدرك تماماً أن مثل هذه التنازلات وقيام ضغط أميركي على «إسرائيل» سوف يغضبها، وبالتالي سيغضب حلفاءها في واشنطن. فكيف يوفق أوباما إذاً ما بين الأمرين، التزامه بتحقيق «سلام دائم» والانحياز المطلق لـ«إسرائيل»!؟
في خطابه السابق المشار إليه أمام (إيباك)، حاول أوباما «المرشح» للرئاسة، أن يفلسف الأمر على أساس أنه مصلحة إسرائيلية عليا. «كل الأطياف السياسية في «إسرائيل» تدرك أن الأمن الحقيقي يتأتى من خلال سلام دائم. ولذلك ينبغي علينا ـ كأصدقاء لـ«إسرائيل» ـ أن نعمل كل ما في جهدنا لمساعدة «إسرائيل» وجيرانها لتحقيق هذا الهدف». ولكن لتحقيق هذا الهدف ثمة اشتراطات على الجانب الفلسطيني والعربي تحقيقها أولاً كما حددها أوباما في الخطاب ذاته، فعلى الفلسطينيين محاربة الإرهاب، وعلى العرب التطبيع مع «إسرائيل» ودعم حكومة عباس ـ فياض، ومطلوب من مصر العمل على وقف تهريب السلاح إلى غزة. وفي مقابل ذلك، ستتخذ «إسرائيل» «خطوات مناسبة» ومتوافقة مع أمنها لتسهيل حركة الفلسطينيين، وتحسين الظروف الاقتصادية في الضفة الغربية والامتناع عن بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، وذلك حسب تعهدها لإدارة بوش في مؤتمر أنابوليس في شهر نوفمبر .2007 صحيح أن أوباما يشير في الخطاب ذاته إلى «حاجة» الفلسطينيين إلى دولة متصلة ومتماسكة وتسمح لهم بالازدهار، إلا أن أي اتفاق مع الفلسطينيين ينبغي أن يحافظ على يهودية دولة «إسرائيل»، ضمن حدود آمنة ومعترف بها وقابلة للدفاع. والقدس ستبقى عاصمة «إسرائيل» وينبغي أن تبقى غير مقسمة.
بل حتى تأكيده في فترة التنافس في الانتخابات الرئاسية على نيته الانخراط المباشر في إيجاد حل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يفلسفها أوباما بمصلحة «إسرائيل». منتقداً بذلك سياسات بوش في المنطقة، التي ضاعفت من عزلة الولايات المتحدة هناك وزادت من المخاطر على أمن «إسرائيل»، بسبب بروز أعدائها مثل إيران وحزب الله وحماس.
اتضح انحياز أوباما إلى «إسرائيل» أكثر فأكثر في إسناده وزارة الخارجية إلى هيلاري كلينتون، وهي المعروفة بتأييدها الشديد لـ«إسرائيل». كما يجري الحديث عن تعيين دنيس روس، مستشاراً لها في الخارجية في ما يتعلق بملف الشرق الأوسط. وروس هذا، يهودي ومعروف بانحيازه التام إلى «إسرائيل». كما أن المستشارين الذين أحاط بهم أوباما نفسه في ما يتعلق بالشرق الأوسط، معروف عنهم الانحياز التام لـ«إسرائيل» كما يأتي على رأسهم دنيس مكدونغه، وكان مستشار الشؤون الخارجية لزعيم الأغلبية الديموقراطية السابق في مجلس الشيوخ، توم داشيل، ودان شبيرو، وهو أحد الذين خدموا في مجلس الأمن القومي تحت إدارة كلينتون، وهو يهودي أميركي.
السياسات المحتملة لأوباما:
وكخلاصة لما سبق، من الواضح جداً أن أوباما يميل أكثر إلى أسلوب الانخراط المباشر والعاجل في ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية خاصة، والعربي الإسرائيلي عامة، ولكن من منطق الانحياز لـ«إسرائيل» أولاً. وهو بذلك يسلك منهجاً أقرب إلى منهج الرئيس الأسبق كلينتون. إلا أن ثماني سنوات من فشل إدارة كلينتون في تحقيق نتائج جوهرية على هذا المسار، وخصوصاً بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الماراثونية في صيف عام 2000، قد تدفع أوباما إلى حذر أكبر، حتى لا تتلطخ سمعة مؤسسة الرئاسة الأميركية، بفشل كالذي تلطخت به إدارة بيل كلينتون بعد فشل كامب ديفيد الثانية.
أيضا، فإن أوباما القادم إلى الرئاسة بوعود لتغيير ديناميكيات الدبلوماسية الأميركية في العالم، وجزء منه منطقة الشرق الأوسط، قد يسعى إلى حل في إطار أوسع. فأوباما أعلن غير مرة أنه سيسعى إلى الحديث مع إيران وسوريا (منطق الجزرة)، فضلاً عن سحب القوات الأميركية المقاتلة من العراق في غضون 16 شهراً. وهو بذلك يخالف نهج إدارة سلفه بوش، التي كانت تصر على التعامل مع «قوى الممانعة» في المنطقة بمنطق العصا بالدرجة الأولى. ولعل إدارة أوباما، ترى أن انفراجاً على تلك الجبهات كفيل بحلحلة بعض طلاسم التسوية الفلسطينية الإسرائيلية.
أيضاً، ومما قد يسهم في انخراط أوباما أكثر في العملية السلمية ومحاولة تحقيق نتائج ملموسة على صعيدها، حقيقة كونه يستمع إلى مستشارين آخرين غير رسميين، الذين لهم آراء أكثر اعتدالاً عن الصراع في الشرق الأوسط، ويطالبون بسياسية أميركية أكثر توازناً، ولا يتورعون عن نقد «إسرائيل» إذا اقتضت الحاجة، على عكس مستشاريه المباشرين المنحازين كلياً لـ«إسرائيل». من هؤلاء المستشارين غير الرسميين الذين يستمع إليهم أوباما، الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، ومستشار الأمن القومي السابق في عهد كارتر، زبنغيو بريجينسكي، وروبرت أومالي، المساعد للرئيس الأسبق بيل كلينتون. وهؤلاء الثلاثة مثلاً، يرون أنه لا بد من إدماج حركة حماس بطريقة أو بأخرى في العملية السلمية، وواحد من الاقتراحات التي يقدمونها في هذا الصدد، هو أن يتم ذلك عبر حكومة وحدة وطنية فلسطينية، تحت سلطة محمود عباس.
الاستجابة الإسرائيلية المحتملة:
غير أنه من الواضح أن أوباما، سيواجه تحدياً رئيسياً في مسعاه لتنشيط عجلة التسوية الفلسطينية الإسرائيلية. هذا التحدي يكمن في التساؤل عن قدرته عملياً على الضغط على «إسرائيل» للتجاوب مع جهوده ورؤيته. فهو وإن كان ينطلق من زاوية الانحياز المطلق لـ«إسرائيل»، إلا أن ذلك لا يعني تجاوب هذه الأخيرة مع جهوده. فمثلاً، دائماً ما ماطلت الحكومات الإسرائيلية بالوفاء بالتزاماتها لإدارتي بيل كلينتون وجورج بوش، كما في عدم التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو ببنود اتفاقية واي ريفر التي وقعها مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1998، وكذلك تملص حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي إيهود أولمرت من التزاماتها التي تعهدت بها في مؤتمر أنابوليس أواخر عام 2007.
وفي كل مرة، فإن أنصار «إسرائيل» في الولايات المتحدة، وخصوصاً في الكونغرس الاميركي، جاهزون لإحباط أية ضغوط حقيقية قد تمارس على «إسرائيل» لإرغامها على قبول شيء ترفضه. كما أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي ترجح فوز حزب الليكود اليميني في الانتخابات التشريعية شهر شباط/ فبراير القادم، تجعل من الصعب التكهن بإمكانية نجاح أوباما بالضغط على حكومة بقيادة الليكود، وبرئاسة بنيامين نتنياهو، الذي سبق له أن أفشل ضغوطات الرئيس كلينتون بضغط مقابل مارسه الكونغرس، اضطر كلينتون إلى التراجع في كثير من القضايا أمام نتنياهو.
خلاصة:
وبجملة واحدة، فإن مستقبل التسوية السلمية الفلسطينية الإسرائيلية، لن يعتمد على صدق نوايا أوباما وإصراره على الخروج بحل في سنوات حكمه، بقدر ما أنه سيعتمد بالدرجة الأولى على قدرته في الضغط على «إسرائيل»، وكسب الكونغرس الاميركي إلى جانبه، وهو أمر مشكوك به، اللهم إلا إذا كان ذلك الحل يأتي ضمن توافق أميركي ـ أميركي أولاً، وإسرائيلي ـ أميركي ثانياً. بغير هذا أو ذاك، فليس بوسع أوباما وحده فعل الكثير.
([) هذا التقدير الاستراتيجي من إعداد مركز الزيتونة الذي اعتمد على أساس كتبه أسامة أبو ارشيد، رئيس تحرير جريدة الميزان التي تصدر في الولايات المتحدة، في وضع التقدير.