الدور التركي في المنطقة

سلوك أردوغان لا يتعارض مع الديناميات العالمية المتغيرة

جنكيز شندار
نعي تماماً لماذا وصف من ستتعكّر حساباتهم السياسية في الداخل، الدراما التي حصلت في دافوس بـ”الفضيحة”. ولا كلام يُقال لمن ينتقدون رجب طيب أردوغان هذه المرة على أدائه في دافوس.
لكن هناك أمور كثيرة يمكن قولها لمن يشير إليهم أردوغان بـ”السادة” والذين ينتمون إلى مدرسة تفكير “السادة”. فهؤلاء لا يسعهم سوى أن يروا العالم “جامداً”، ويشعرون بالقلق لأنهم جزء من الاستاتيكو التقليدي في السياسة الخارجية التركية، ويدلون بتعليقات غير صحيحة.
لن تنسى إسرائيل ما حدث. وسوف تتحمّل أميركا الفاتورة نظراً إلى تأثير اللوبي اليهودي (أو بدقّة أكبر، الإسرائيلي) في الداخل. حتى المستقبل السياسي لأردوغان قد يتأثر بما حصل. وسوف تواجه تركيا مشكلات في العالم.
إنها إلى حد ما النقاط التي تركّز عليها المخاوف والانتقادات. لكن إذا كنّا نعتبر أن العالم يتحرّك وفقاً لدينامية تغيير كبيرة وأن الجغرافيا الأكثر اضطراباً في العالم، أي الشرق الأوسط، ستنال نصيبها من هذا، يجب أن نقول إن المخاوف والانتقادات المذكورة لا تستند إلى بيانات سليمة.
تعود العلاقات الوثيقة جداً بين تركيا وإسرائيل وتأثيرها الإيجابي على الروابط التركية – الأميركية إلى تسعينات القرن الماضي. فانتهاء الحرب الباردة وانعكاسها على الشرق الأوسط من خلال مؤتمر السلام في مدريد (1991) وانطلاقة عملية السلام في أوسلو مع الفلسطينيين، وفرت ظروفاً موضوعية لترسيخ العلاقات.
وقد جرى تجاوز الحدود في إعادة إحياء العلاقات التركية – الإسرائيلية. ففي عملية 28 شباط [1997] في شكل خاص، تم التقرّب كثيراً من إسرائيل، وإقامة علاقات عسكرية وثيقة جداً معها.
لقد شدّدت مرات عدة على أنه من الخطأ أن تدخل تركيا ذات الإرث العثماني الضخم، الساحة السياسية في الشرق الأوسط في دور “القوة الداعمة” لدولة صغيرة هي إسرائيل.
في مؤتمرات عدّة حول العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وقد عُقِد بعضها في إسرائيل، قلت إن الأخيرة ترتكب خطأ بالوثوق بالجيش في تركيا ليكون ضامناً للعلاقات معها وبتجنّب عملية الدمقرطة والتمدين في تركيا، وإنه سيكون للأمر تأثير يرتدّ عليها بنتيجة سلبية. لقد ارتدّت عليها الهجمات الجامحة في غزة من خلال حادثة دافوس. وبدأت الآن تصلح خسائرها بطريقة ذكية. هل يمكن أن ترى إسرائيل في إيران “العدو الأول” في المنطقة وتعارض تركيا، القوة الكبيرة في المنطقة وغير العربية أيضاً؟
من يعتقدون أن إسرائيل أقوى من تركيا قد يتخوّفون مما حصل في دافوس، غير أن إسرائيل تحافظ على هدوئها خوفاً من خسارة تركيا. فهي تعرف أنها ليست أقوى من تركيا.
تركيا أقوى منها. كما أن أردوغان وتركيا أصبحا أقوى في الشرق الأوسط بعد واقعة دافوس.
يجب أن ندرك أن إسرائيل لم تصبح أقوى بعد الهجوم الأخير على غزة بل خسرت من قوتها. هل تستطيع إسرائيل أن تشنّ هجوماً مماثلاً يستمر 22 يوماً؟ هذه هي الحدود القصوى التي تستطيع القوة العسكرية الإسرائيلية بلوغها، وقد أدّى ذلك إلى خسارة “قوة معنوية” لا يمكن استعادتها بسهولة.
لقد تلطّخت مناعة إسرائيل. وما فعله أردوغان في دافوس هو كشف النقاب عن خسارة إسرائيل مناعتها بطريقة لم نشهدها أو لم تحصل من قبل، وهكذا يمكن القول “لقد عُرِّي الملك”.
كما أن مناعة إسرائيل في الولايات المتحدة لم تعد كما في السابق. الكتاب الذي وضعه الأكاديميان الأميركيان البارزان جون جيه مرشايمر وستيفن إم وولت بعنوان The Israeli Lobby and US Foreign Policy (اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية) الصادر عام 2007، هو كتاب نقدي ضخم لم يكن أحد ليجرؤ على كتابته قبل عامَين. بعد هجوم غزة، سوف تشهد فترة حكم أوباما كلاماً صريحاً مماثلاً على غرار ما جاء في الكتاب.
في هذه الأثناء، من الواضح أن المبعوث الخاص للجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط، طوني بلير، يؤيّد التحدث مع الأطراف كافة بما في ذلك “حماس”، وهذا ما يميل إليه أيضاً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. حتى أمين عام الأمم المتحدة بان كي-مون وجّه انتقادات حادة لإسرائيل كما لم يفعل أسلافه من قبل. لقد أضعفت المجزرة في غزة أيضاً النفوذ الإسرائيلي في أوروبا.
وهكذا فإن سلوك أردوغان لا يتعارض مع الديناميات المتغيّرة في العالم؛ بل على العكس إنه ينسجم مع الاتجاه الدولي الصاعد، ويتصدّره في الواقع، هذا شرط ألا ينسى أردوغان بينما يلعب أوراقه، سعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وكونها تنتمي إلى الكتلة الغربية. عندئذٍ فقط، لن يقود تركيا للركض خلف “حماس” كما قادها البعض للركض خلف إسرائيل في الأعوام العشرة الأخيرة. وعندئذٍ فقط، ستجد تركيا نفسها في موقع يجعل اللاعبين الإقليميين الآخرين يشعرون أنهم مضطرون إلى قرع بابها.
صحيفة “حرييت” التركية
ترجمة نسرين ناضر

جنكيز شندار – اسطنبول
( معلّق سياسي تركي معروف)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى