صفحات سورية

علاقة مع سوريا قائمة على المصالح لا المبادئ

null
جون كيري وتشاك هاغل
آخر مقال كتبه السيناتور جون كيري عن العلاقة الأميركية مع سوريا كان في الخامس من حزيران 2008. نعيد هنا نشره لمناسبة توجه السيناتور الديموقراطي المعتبر أحد “عرابي” عهد باراك أوباما إلى سوريا في نهاية الأسبوع. وكان العنوان الأصلي للمقال: “إنه وقت الكلام مع سوريا”.
يذكر أن تشاك هاغل الذي وقع معه كيري مقاله هو سيناتور جمهوري (الترجمة لنسرين ناضر).
بعد اجتياح العراق للكويت عام 1991، قام الرئيس جورج بوش (الأب) بأمر بعيد الاحتمال فأقنع الرئيس السوري حافظ الأسد بالانضمام إلى ائتلاف تقوده الولايات المتحدة في وجه نظام بعثي زميل.
واليوم أمام ابنَي هذين القائدين فرصة أخرى لتحقيق اختراق ديبلوماسي من شأنه أن يعيد تعريف المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
يجب أن يكون الإعلان عن انطلاق مفاوضات السلام بين إسرائيل وسوريا من خلال تركيا والاتفاق الذي توصّل إليه الأفرقاء اللبنانيون في الدوحة – من دون تدخل مهم من الولايات المتحدة في الحالتين على ما يبدو – بمثابة نداء صحوة بأن سياسة عدم الانخراط التي نطبّقها جعلتنا أكثر عزلة من السوريين. وتساعد هذه التطورات أيضاً على خلق فرص جديدة وتعزيز نفوذنا، ولا يمكننا استغلال ذلك إلا من خلال الحوار الجوهري مع سوريا.
لطالما أجرى القادة السوريون حسابات مدروسة باسم الحفاظ على الذات، ويظهر التاريخ أن بإمكان الديبلوماسية المكثّفة أن تعود بنتائج جيدة. قام وزير الخارجية جيمس بايكر بأكثر من اثنتي عشرة رحلة إلى سوريا قبل عملية عاصفة الصحراء، وتذكّروا الثمن الذي طلبه الرئيس الأسد: دعماً أميركياً للحوار السوري مع إسرائيل. لا شك في أن التحدي الأقصى – جعل سوريا تتخلّى عن زواج المصلحة مع إيران – لن يُرفَع بين ليلة وضحاها. لكنه مؤشر معبّر بأن إيران مارست ضغوطاً لدى سوريا كي لا تتفاوض مع إسرائيل غير أن سوريا تجاهلت الضغوط وقرّرت أن تمضي قدماً في هذه المفاوضات.
من أجل دعم إسرائيل وعزل إيران، ينبغي على الرئيس جورج دبليو بوش أن يقدّم دعماً مباشراً للمبادرة الإسرائيلية-السورية. لطالما كان ترويج السلام بين حليفتنا وجيرانها ركيزة أساسية في السياسة الخارجية للحزبَين الجمهوري والديموقراطي. تعتبر سوريا محادثات السلام مع إسرائيل جزءاً من تقارب أوسع نطاقاً مع أميركا، ويمكن أن تصب رغبتها القوية في الانخراط الأميركي في مصلحتنا. نعرف أن المحادثات المباشرة على مستوى رفيع تتطلّب دوراً أميركياً مستداماً وذا صدقية، تماماً كما حصل عام 2000، عندما التقى الرئيس بيل كلينتون مرات عدة مع الأسد من أجل دفع سوريا وإسرائيل نحو التوصّل إلى اتفاق. وبوجود الكثير على المحك الآن، من مصلحتنا أن نحفّز الجلوس إلى طاولة المفاوضات من جديد.
يتيح الاتفاق بين الأفرقاء اللبنانيين فرصة أخرى. ينبغي على سوريا احترام سيادة لبنان ووضع حد لتدخّلها المميت فيه. غير أن حصول حليف سوريا، “حزب الله”، على الكثير من السلطة السياسية التي كان يطمح إليها، يجب أن يُسقِط العذر الذي تستعمله سوريا للامتناع عن فتح سفارة وتطبيع العلاقات وترسيم الحدود مع لبنان. يجب نزع سلاح “حزب الله” في نهاية المطاف، وفقاً لما ينص عليه قرارا الأمم المتحدة 1559 و1701، لكن يمكن استعمال موافقة “حزب الله” على عدم استخدام السلاح في الداخل من أجل دفع سوريا إلى وقف إمداده بالسلاح.
من شأن الحوار أن يفسح المجال أمام تعاون أكبر في موضوع العراق. لقد قال مسؤولون سوريون كبار إن لدى سوريا مصلحة مثل الولايات المتحدة في قيام عراق مستقر وعلماني، وإنها لا تريد نظاماً موالياً بقوة لإيران في بغداد. وربما ساهمت شراكتنا مع القبائل السنية ضد تنظيم “القاعدة” في تحقيق مزيد من الالتقاء بين مصالح بلدَينا. فكما قال السفير الأميركي في العراق ريان كروكر، يهدد المتطرّفون الإسلاميون سوريا أيضاً.
في حين أنه يتعيّن على سوريا وضع حد لتدفّق المقاتلين الأجانب إلى العراق، يعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أنه لم تجرِ مكافأة سوريا على الخطوات الإيحابية التي قامت بها. يجب أن نختبر إذا كان تقديم منافع ملموسة يسمح بتحقيق نتائج أفضل، بدءاً بمنح مزيد من المساعدات الإنسانية لنحو 1.5 مليون لاجئ عراقي في سوريا.
كما أن المحكمة التابعة للأمم المتحدة التي سوف تحقّق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري والتي قد تصدر قريباً القرارات الاتهامية، تمارس ضغوطاً على النظام. إذا كان مسؤولون حكوميون ضالعين في عملية الاغتيال، فقد تواجه سوريا تشديداً للعقوبات الدولية. يجب ألا يكون سعي المحكمة إلى إحقاق العدالة ورقة مقايضة على الإطلاق، لكنه يشكّل محفّزاً إضافياً لتحسين العلاقات ويجدر بنا أن نعوّل عليه.
فضلاً عن ذلك، تسمح لنا الأزمنة الاقتصادية الصعبة في سوريا بأن نعزّز نفوذنا. فعلى الرغم من أن الإنتاج النفطي الداخلي يشكّل 60 إلى 70 في المئة من صادرات البلاد، أصبحت سوريا مستوردة صافية للنفط عام 2007. ومع تزايد عدد السكان، من شأن تعزيز اندماج البلاد في الاقتصاد العالمي وتخفيف العقوبات أن يشكّلا محفزَين قويين.
لكن إياكم والخطأ: لا يستند التعاون مع سوريا إلى قيم مشتركة بل إلى مصالح مشتركة. فسعي سوريا إلى تنفيذ برنامج نووي مثير للشبهات يسلّط الضوء على الحاجة إلى التحقق جيداً من أي اتفاق معها. وفي حين يشكّك كثر في النيات السورية، لدينا نفوذ حقيقي وبعض الإغراءات التي ترتدي قيمة لسوريا أكبر من الكلفة التي تترتّب علينا. لا ضمانة بأنه سيتم التوصل إلى اتفاق، غير أن المنافع المحتملة كبيرة جداً، وسياستنا الحالية تفشل.
لقد استنتجت الحكومة الإسرائيلية أنه بدلاً من مكافأة السلوك السيئ، يحمل الحوار مع سوريا الأمل الأفضل لتغيير هذا السلوك. فكما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت “الفرصة أكبر من المخاطر، وانطلاقاً من هذا الأمل سأسلك مساراً جديداً”. يجب أن نفعل الشيء نفسه قبل أن تفلت الفرصة من
أيدينا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى