علاء الأسواني: الكتابة في مصر (مش بتأكل عيش) .. واسألوا نجيب محفوظ
هبة عبد الوهاب –
“الكتابة في مصر لا يمكن أن تكون مصدراً للرزق”!
.. كانت هذه هي الكلمات التي رددها بمرارة وواقعية الكاتب المصري علاء الأسواني ، الذي يعمل في الأصل طبيب أسنان رغم كونه صاحب أعلى معدلات بيع لكتبه في الوطن العربي!
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية ، يؤكد الأسواني صاحب “عمارة يعقوبيان” و”نيران صديقة” و”شياكاجو” أن أي كاتب في مصر يجب أن تكون لديه وظيفة أخرى لتكون مصدرا للدخل بالنسبة له ، واستشهد في ذلك بالأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب ، ومع ذلك ، فقد ظل يعمل موظفاً في الحكومة حتى سن التقاعد!
ويقول الأسواني في حديثه إن المشكلة في مصر تعود إلى انعدام حماية حقوق التأليف والنشر ، مشيرا إلى أنه أصبح من الضروري وضع نظام لحماية حقوق الكتٌاب.
ويضيف قائلا : “أعتقد بأن المسألة سياسية في النهاية ، بمعنى أن النظام الدكتاتوري في العالم العربي لا يرتاح لفكرة وجود كاتب مستقل ، فالكاتب الحر يتسم بالصراحة ، ويجني ماله من خلال كتاباته ، وهو الأمر الذي يسبب صداعاً في رأس أي دكتاتور”.
وحول مشاكل النشر في العالم العربي ، يعترف الأسواني بأنه لم يكن يثق من قبل في أرقام توزيع كتبه التي كانت تصله من دار النشر التي تعامل معها ، وكان يعتاد على أن يضرب هذا الرقم الذي يقال له في ثلاثة أو خمسة أضعاف – حسب مدى ثقته في الناشر – ليعرف المعدل الحقيقي من المبيعات ، ولكنه أكد أنه يرتاح للعمل مع مؤسسة “دار الشروق” – التي تعامل معها في السنوات الأخيرة – وذلك بسبب تميزها بالصدق والشفافية في التعامل معه ، بحسب تعبيره.
ويفسر الكاتب ذلك بالقول إن مشاكل حقوق الملكية الفكرية باتت تمثل أعراضا لمرض خطير ، مشيرا إلى أن مصر مصابة بأمراض نقص الديمقراطية والفقر والظلم والفساد ، وحتى الإرهاب ، معتبرا أن كل هذه مضاعفات خطيرة للمرض لا يمكن علاجها بدون علاج المرض نفسه.
وحول مهنته كطبيب ، يشير الأسواني إلى أنه يجني الكثير من المال بالفعل في الوقت الحالي من خلال كتاباته لأنه من أصحاب الكتب الأكثر مبيعاً في الغرب ، لكنه أوضح أنه من المفيد جداً أن يحافظ على مهنة الطب ، لأنه من خلال عيادته يختلط بالناس ويستمع إلى مشاكلهم ، وقد تتطور العلاقة من مجرد طبيب ومريض إلى الصداقة.
وتصف إيميلي باركر كاتبة الـ”وول ستريت جورنال” علاء الأسواني المولود في القاهرة عام 1957 بأنه عبارة عن “مجمع” للقصص والحكايات!
وتقول عن لقائها معه إنها التقت به على الغداء في أحد مطاعم الفندق الذي كان يقيم فيه بحي مانهاتن بنيويورك ، وتصفه بأنه كان مستمعاً جيداً ، وكان يرد على أسئلتها بكل تهذيب وبلغة إنجليزية معتدلة ، كما تقول عنه أيضا قالت إنه اتسم باللطف الشديد عند حضور بعض الأصدقاء لهذا اللقاء ، وكان سريعاً ما كان ينجرف مع قصصهم.
ووصفت الكاتبة رواية “عمارة يعقوبيان” التي كتبها في القاهرة عام 2002 بأنها أصبحت “خبطة عالمية” ، وقالت إن رواية “شيكاجو” – التي تدور أحداثها في قسم الأنسجة بجامعة إلينوي وتتناول التحديات والصعوبات التي يواجهها الطلبة والمهاجرون المصريون في شيكاجو – حققت معدلات قراءة عالية في أوروبا ، لكنها وصلت مؤخراً فقط إلى الولايات المتحدة.
وحول “عمارة يعقوبيان” التي تناولت الفساد والظلم ووحشية رجال الأمن إلى جانب واقع الشذوذ في مصر يقول الأسواني إنه لم توجه إليه الدعوة لحضور العرض الأول للفيلم الذي قام على الرواية ، ولكنه شعر بفخر شديد بقوله : “يكفي أن أفراد صفوة النظام القوي شاهدوا أفكاري ، وعلى الرغم من عدم حضوري ، فإن أحدا لم يشعر بغيابي عن الحدث ، وأرسل لي قرائي زهوراً إلى العيادة”.
ويقول الكاتب : “أحاول أن أدافع عما أراه ضرورياً في بلدي” ، مؤكداً أيضاً أنه يكتب من أجل الديمقراطية من خلال عموده في جريدة “الدستور” المصرية المستقلة.
ويضيف : “المعادلة في مصر مختلفة .. نحن لا نملك حرية التعبير ، فحرية التعبير كما هو معروف عنه مصطلح سياسي ، وفي الوقت ذاته أداة سياسية للتغيير ، ما نملكه بالفعل هو حرية الكلام ، تكتب ما تريد ولا شيء يتغير ، والنظام يفعل ما يريد ولا يتحمل حتى عناء الرد”.
ويضيف الأسواني أنه على الرغم من ذلك فهذا لا يمنع العقاب على حرية الكلام أيضاً ، مستشهداً بواقعة المدون الشاب كريم عامر الذي حكم عليه بالسجن أربع سنوات بتهمة الإساءة إلى الإسلام وإلى الرئيس المصري حسني مبارك.
وينوه الأسواني أيضا إلى أن شبكة الإنترنت أصبحت مصدر قلق للحكومة المصرية في ظل خروج جيل من المدونين الشبان الذين يتسمون بالجرأة والذكاء.
وحول فترة وجوده في الولايات المتحدة يقل الأسواني – الذي حصل على درجة الماجستير من جامعة إلينوي – إنه تعلم في الولايات المتحدة ما يسميه بـ”وصفة النجاح” ، وهو أهم ما يميز الثقافة الأمريكية ، بحسب تعبيره.
ولكن في روايته “شيكاجو” ، يصور الكاتب – والكلام لوول ستريت جورنال – أن الانتقال إلى الحياة في الولايات المتحدة ليس دائماً سهلاً ، فأحد أهم شخصيات الروايو يختبيء وراء ستار الماضي للإحساس بالأمان ، حيث يرتدي موضة السبعينيات ، ويتحدث إلى رفاقه القدامى ، ويحيط نفسه بجو بلاده المصري.
يذكر أن المصريين بدأوا في الهجرة منذ الستينيات من القرن الماضي ، حيث لم تكن هذه الفكرة مقبولة قبل ذلك ، فهم – كما تقول الصحيفة – شديدو الارتباط بأرضهم.
واستشهد الأسواني بعبارة سمعها من أحد أنجح الجراحين المصريين هناك قال فيها : “أشعر هنا بالراحة ، ولكني لست سعيداً ، في حين أنه في مصر لن تشعر بالراحة ، ولكن ستمر عليك بعض الأوقات التي ستشعر فيها بسعادة حقيقية”.
وعلى الرغم من تأكيد الأسواني على أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان قائداً عظيماً ، فإنه في الوقت نفسه يرجع بعض المحن التي تمر بها مصر حاليا إلى عهده الذي استمر بين عامي 1954 و1970 ، موضحا أنه – أي عبد الناصر – قام بتغيير المجتمع بشكل إيجابي جداً ، بحيث أعطى الفقراء فرصة حقيقية للتعليم والحياة الكريمة ، لكنه لم يطبق الديمقراطية الحقيقية ، فترك آلة الديكتاتورية تعمل دون انقطاع ، فأصبحت هذه الآلة جاهزة للشخص الذي سيتولى القيادة بعد ذلك.
وفيما يخص الدين ، يقول الكاتب المصري إنه في الماضي لم يشكل الإسلام أي عبء على المصريين ، فكان تفسير الدين رائعاً وليبرالياً جداً ، ولكن ابتداءً من الثمانينيات بدأ غزو التفسيرات المختلفة التي أتت من السعودية ، وهي ما نسميها بـ”الوهابية”.
ويشير إلى أنه يوجد في مصر حاليا صراعان ، الأول صراع صريح على الديمقراطية ، والثاني صراع آخر يوازيه بين القدرة على الاحتمال والوهابية.
وكما تقول كاتبة المقال ، فإن الأسواني متفائل حول مستقبل بلاده بوجه عام ، ويصف مصر بأنها نشيطة جداً وأكثر حكمة مما نتصور ، والدليل على ذلك نجاح كتبه ، فعلى الرغم من أن كتبه تحمل في طياتها ما يكفي لجعل أي شخص يزداد تعاسة في حياته ، فإنها الأكثر مبيعاً ، ويلاحظ في حفلات التوقيع أن أغلب جمهوره من الطلبة .. ومن المحجبات!
وعن الأجزاء الجريئة في رواية “شيكاجو” يقول الكاتب إنه بعد نزولها في شكل حلقات في جريدة “الدستور” سأل 20 رجلا و20 سيدة عن رأيهم في وصف تلك المشاهد بشكل صريح ، وفوجيء برأي السيدات ، حيث اجتمعن جميعاً على أن قوتها تكمن في تلك الصراحة ، لأنهن شعرن بما تعانيه الشخصيات من خلال ذلك الوصف ونصحنه بعدم تغيير شيء ، فيما قال خمسة رجال فقط إن المشاهد كانت كثيرة ، وأنهم لم يحبذوا فكرة أن تقرأ زوجاتهم الرواية.
وهنا ، يقول المؤلف “هذه هي مصر .. ولهذا أنا متفائل”!
الشروق