الثورة التركية من تخيف ؟
امين قمورية
فجأة، اصيبت اسرائيل بصحوة اخلاقية، وتذكّرت ان ابادة جماعية ارتكبها الاتراك في حق الارمن عام 1915 في ذروة الحرب العالمية الاولى. فعلى مدى سنوات طويلة كانت الدولة العبرية تتعامى عن الابادة التي حلت بالارمن وتتجنب اطلاق تعبير “محرقة” “او “كارثة” عما لحق بهم، اولا لانها تريد ان يظل مصطلح “المحرقة” او “الكارثة” حقا حصريا لليهود ليبتزوا العالم به ويحصدون اثمانه غالية، ثانيا لانها تخشى ان ينقلب اعترافها بالابادة الارمنية الى انتكاسة في علاقتها المهمة والاستراتيجية بتركيا.
والاسوأ ان القادة الاسرائيليين لم يتذكروا مأساة الارمن من منطلق انساني قيمي، ولو متأخر عشرات السنين، بل كانت رد فعل على ما بدر من رئيس الوزراء التركي رجب الطيب اردوغان تجاههم بعد ارتكاباتهم الفظيعة في غزة وان دل هذا الرد على شيء فانما يدل على مدى الحنق والغضب اللذين تشعر بهما اسرائيل ازاء موقف الطيب اردوغان منها، مما يبرر تاليا الخوف على اردوغان نفسه من الافخاخ الاسرائيلية التي قد تنصب له.
ومن البديهي ان تخشى اسرائيل “ثورة” حليفها التركي وانتفاضاته ضدها، وان تشعر بالقلق والاستياء من التحول الملحوظ في سياساته بعدما خسرت قبل ثلاثين عاما بالتمام حليفها الايراني السابق اثر سقوط الشاه واندلاع الثورة الاسلامية التي جعلت طهران لاحقا الد عدو لتل ابيب. فايران وتركيا لم تكونا دولتين عاديتين بالنسبة الى اسرائيل بعد نشوئها، ذلك انهما شكلتا المتنفس لها في الشرق الاوسط بعدما كان العداء مستشريا بينها وبين دول الطوق العربي: مصر وسوريا والاردن ولبنان، ودول ما بعد الطوق: العراق، السعودية، ليبيا، الجزائر وغيرها. وهكذا تحالفت اسرائيل مع الاطراف ضد “المركز”، كما يشير مقال نفاذ امس في صحيفة “اسرائيل اليوم”، ونجحت هذه السياسة في فك عزلة اسرائيل خلال السنوات الثلاثين التي اعقبت قيامها، وليس مصادفة ان حرب 1967 تفجرت بعدما اغلقت مصر مضائق تيران امام امدادات اسرائيل من النفط الايراني، في حين شكل التحالف العسكري والاستراتيجي الاسرائيلي – التركي طوقا خانقا على الطوق العربي ومابعد الطوق.
ومن المفارقات التي يلحظها المقال، انه في السنة نفسها التي خسرت فيها اسرائيل ايران تمكّنت من كسب مصر باخراجها من الطوق عبر توقيع معاهدة سلام معها. وكلما كانت العلاقة تسوء في الفترة اللاحقة بين اسرائيل والطرف الايراني، كانت العلاقات الطبيعية تتوطد بين اسرائيل ودول المركز ليس فقط مع مصر بل ايضا مع اكثر من دولة من دول الطوق ومابعد الطوق وتتحول علاقات نمطية عادية. لكن مالم يلحظه المقال هو ان ايران التي تصنفها اسرائيل “عدوها الاول”، صارت ايضا “العدو الاول” لبعض دول الطوق (بقطع النظر عن الخلفيات والاسباب) وليس اسرائيل التي لم توقف حروبها ولا عدوانيتها.
واذا كانت الظروف التي حكمت العلاقة بين اسرائيل وايران قبل ثلاثين عاما وادت الى ما ادت اليه من انقلاب كبير في المواقف، ليست هي هي الظروف التي تتحكم بالعلاقة الاسرائيلية – التركية اليوم على رغم ما يعتريها من خضات وتحديات وتوتر، فان الخوف ليس من الحملة الاسرائيلية على اردوغان الذي هز هذه العلاقة واعاد تصحيحها، انما من بعض دول المركز العربي واقلامها المأخوذة بالنمطية السائدة، نمطية قد تعتبر ان التشدد التركي حيال اسرائيل من شانه ان يعكر “صفو” العلاقات في المنطقة، او ان تعده “تدخلا فظا” في الشؤون الداخلية العربية يستدعي موقفا “حازما” حياله، وتاليا تصنيف الاتراك في مصاف الذين “يتربصون بنا شراً”.
لم لا…؟ فنحن امهر من اتقن فن تهريب الحلفاء.