الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

الدور الإيراني في المحادثات مع الإخوان المسلمين

علمت مجلة ستراتفور(•) في أواخر كانون الثاني [الماضي] أن النظام (…) الــســوري الــذي يقــوده الرئيس بشار الأسد يجري نقاشات من خــلال قنوات خلــفــيــة مع الإخــوان المــســلــمــيــن في سوريا. بعد أيام عدة، انتشر الخــبر بأن “الإخوان المسلمين” انفصلوا عن “جبهة الإنقــاذ الوطــنــي”، وهي حركة معارضة تضم تحت جناحها مجموعات أخرى ويتولى قيادتها نائب الرئيس السوري السابق الذي يعيش الآن في المنفى، عبد الحليم خدام. وقد اعتبرت الجماعة أن نضالها الأساسي هو ضــد إســرائــيــل ولــيــس ضد النظام الســوري. مــن دون “الإخــوان المــســلــمــيــن”، لا تــشــكّل “جبهة الإنقاذ الوطني” مصدر إزعاج كبيراً للنظام السوري (…)
لا تزال المفاوضات جارية بين دمشق والإخوان المسلمين، لكن يبدو أن تقارباً يلوح في الأفق ويمنح النظام بموجبه الجماعة مساحة سياسية في الداخل مقابل الحصول على دعمها. سوف يسمح ذلك لحكومة الأسد بأن تعزز أمن النظام في الداخل، وتوسّع دائرة اهتماماتها وتركّز على مسائل خارج حدودها. وأحد الإمكانات في هذا المجال هو مفاوضات السلام المتجددة مع إسرائيل. تلك المحادثات هي في حال تقلّب الآن، ومن شأن انبثاق حكومة تميل إلى اليمين في الانتخابات الإسرائيلية في 10 شباط، وهو احتمال قوي، أن يزيد الأمور تعقيداً [كُتِب التحليل قبل الانتخابات الإسرائيلية].
كما أن التحول الأخير في برنامج “الإخوان المسلمين” من معارضة النظام إلى معارضة إسرائيل هو عقبة محتملة أخرى في عملية التفاوض بين البلدين، مع أن الهدف الأساسي منه بحسب التصريحات هو الحفاظ على صدقية الجماعة. غير أن سوريا وإسرائيل لم تنكرا أيضاً المصالح الاستراتيجية الأساسية التي كانت السبب الرئيس وراء اندفاع البلدين الخصمين إلى إجراء محادثات بينهما.
لكن لدى الإيرانيين أجندتهم الخاصة للسوريين. لطالما انتهجت سوريا سياسة خارجية تختلف جذرياً عن سياسة جيرانها العرب. الحليف الحقيقي الوحيد لسوريا في المنطقة هو إيران التي لديها مصلحة قوية في إبقاء سوريا في حظيرتها للحفاظ على التأثير الإيراني في المشرق وعلى خط تموين إلى “حزب الله” الذي هو اليد القتالية الأساسية لإيران في لبنان. عندما علمت “ستراتفور” أول مرة بخبر قنوات التفاوض الخلفية بين دمشق و”الإخوان المسلمين”، ذكرت أن لرجل الدين السني النافذ جداً ولو كان مثيراً للجدل، حميد القرضاوي، الذي يتّخذ من قطر مقراً له وهو أيضاً الزعيم الروحي لـ”الإخوان المسلمين”، دوراً في التوسط في المحادثات بين زعيم “الإخوان المسلمين” في سوريا، علي صدر الدين البيانوني، والنظام السوري. غير أن “ستراتفور” علمت حديثاً أن وسيطاً أساسياً آخر ساهم في إطلاق هذه المفاوضات، وهو إيران.
يبدو أن السفارة الإيرانية في لندن أدّت دوراً في تدبير التقارب بين النظام و”الإخوان المسلمين” في سوريا. تعاظمت التشنّجات بين دمشق وطهران، وكان الإيرانيون حذرين في الأصل من تفاوض السوريين مع إسرائيل. والآن مع تسريع الولايات المتحدة انسحابها من العراق (مما يهدّئ مخاوف الحكومة السورية بشأن تغيير النظام في سوريا) ومدّها يداً ديبلوماسية إلى دمشق، يــريــد النظام الإيراني أن يتأكّد من أن سوريا لن تنحرف كثيراً عن حلفها معه.
يبدو أن إيران تمارس تأثيراً كبيراً على “الإخوان المسلمين” في سوريا – الأمر الذي يضع طهران في منافسة مباشرة مع السعودية التي تجمعها أيضاً روابط وثيقة بهذه الحركة الإسلامية. قد يبدو أن في الأمر تناقضاً إيديولوجياً في حالة إيران، أي قيام قوّة شيعية ببناء روابط قوية مع مجموعة إسلامية سنّية مثل “الإخوان المسلمين”، لكنه اتجاه متصاعد حيث باتت مجموعات، بما فيها “حماس”، تنجذب أكثر فأكثر إلى الخطاب الإيراني في السياسة الخارجية في الوقت الذي تلتزم فيه الأنظمة العربية الصمت إلى حد كبير، ولا سيما في ما يتعلق بإسرائيل. ومن خلال التحالف مع مجموعة سنية ذات حضور قوي في المدن في مختلف أنحاء سوريا، وتنظيم هذه المحادثات بين “الإخوان المسلمين” ودمشق، تسعى إيران إلى أن تعزّز بمهارة نفوذها على نظام الأسد. الرسالة ضمنية إنما مباشرة: تستطيع إيران (…) المساعدة على استيعاب المعارضة، أما إذا خانت سوريا الثقة الإيرانية، فبإمكان إيران أن تــتــعــاون بالســهــولــة نــفــســها مــع “الإخوان المسلمين” لزعزعة استقرار النظام.
ليس واضحاً بعد إذا كانت سوريا ستجيد إدارة هذا التوازن بين الحفاظ على علاقاتها مع إيران والانخراط مع إسرائيل والولايات المتحدة. لكن إذا سلكت دمشق الطريق الثاني، فإيران جاهزة لوضع العراقيل.

(•) مجلة “ستراتفور” الاميركية للتحليل الامني الاستراتيجي التي تصدر على الانترنت. الترجمة لنسرين ناضر.

“ستراتفور”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى