دلالات تكليف نتنياهو تشكيل الحكومة الإسرائيلية
توفيق المديني
كلف رئيس الدولة الإسرائيلية شمعون بيريس زعيم حزب «الليكود» بنيامين نتنياهو تشكيل الحكومة الإسرائيلية، في ضوء امتلاك أحزاب اليمين واليمين المتطرف غالبية المقاعد في الكنيست الإسرائيلي، علماً أن حزب «كاديما» بزعامة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني هو الذي يملك العدد الأكبر من مقاعد الكنيست 29 مقعدا من أصل 120مقعدا، متقدما بمقعد واحد على حزب «الليكود» (28 مقعدا) في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت يوم 10 فبراير الماضي، والتي لم تسفر عن تشكل أغلبية حكومية، وهذا الأمر لم يكن مفاجئاً، لأن القضية تتعلق بطريقة الانتخابات النسبية المتبعة التي تشجع التفتت في اللعبة السياسية الإسرائيلية. وقد أصبح هذا تقليدا في إسرائيل، حيث ما انفك التكتلان الكبيران التقليديان -اليمين المتمحور حول حزب «الليكود»، واليسار المتمحور حول حزب «العمل»- يضعفان.
وكانت نتائج الانتخابات الإسرائيلية، أفرزت اصطفافا حزبيا، جعل إسرائيل محكومة بخيارين لجهة تشكيل الحكومة المقبلة، أحلاهما مر، إما بقيادة تسيبي ليفني، أو بقيادة زعيم اليمين التقليدي بنيامين نتنياهو. وفي مثل هذه الحالة، لا ليفني ولا نتنياهو يستطيع كل منهما تشكيل الحكومة من دون اللجوء إلى الرابح الأكبر في هذه الانتخابات: أفيغدورليبرمان زعيم حزب اليمين المتطرف الاستيطاني «إسرائيل بيتنا»، الذي احتل المرتبة الثالثة، وكسب مقاعد إضافية (11 مقعدا ً في الكنيست السابقة إلى 15 مقعدا حاليا)، والذي طرح صيغة جديدة لليمين المتطرف، ليست هي العودة إلى «إسرائيل الكبرى» التي تفترضها ضمنا صيغة نتنياهو، وإنما الحل الديموغرافي – الجغرافي، الذي يريد أن تكون إسرائيل دولة يهودية صافية، وذلك عبرالقيام بالترانسفير لفلسطينيي 1948، وضم المستوطنين وأرضهم في الضفة الغربية إلى إسرائيل.
وعقب تكليفه بتشكيل الحكومة، أدلى نتنياهو بتصريح صحافي قال فيه: إن «إسرائيل تجتاز مرحلة مصيرية، وعليها مواجهة تحديات هائلة. إيران تسعى إلى امتلاك السلاح النووي، وتشكل التهديد الأكبر لوجودنا ومنذ حرب الاستقلال». وأعرب عن تفضيله: «تأليف أوسع حكومة وحدة وطنية ممكنة». وقال: «أوجه ندائي إلى تسيبي ليفني وإيهود باراك زعيمي كاديما (28 نائبا)، و العمل (13 نائبا) لرص الصفوف والعمل معاً. سيكونان أول من سألتقيهم، من أجل تأليف أوسع حكومة وحدة وطنية ممكنة».
الدلالة الأولى في تكليف بنيامين نتنياهو لتشكيل الحكومة، هو أن مركز الجاذبية للإئتلاف الحكومي المقبل سيتجه نحو اليمين (65 نائبا من نواب الكنيست الـ120 بفضل دعم أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب الدينية) – أكثر من حكومة إيهود أولمرت السابقة. والحال هذه من المستحيل على رئيس الحكومة المقبل أن يأمر بإزالة مستوطنة عشوائية، أو الحد من التوسع للمستوطنات الأخرى، من دون أن يقود ذلك إلى تفجر الإئتلاف الحكومي المتجه يميناً: قوامه السلم «الاقتصادي» للفلسطينيين، والسلم مقابل السلم للسوريين، والحل الجذري للبرنامج النووي الإيراني.
غير أن هذا الإئتلاف الحكومي في حال تشكله لن يصمد كثيرا أمام الوقائع، نظرا للتناقض المستفحل بين حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة افيغدور ليبرمان الذي تتعارض مطالبه المدنية، مثل إقرار الزواج المدني مع مواقف الأحزاب الدينية مثل «شاس» التي ترفض الزواج المدني.
لكن السؤال الذي يطرحه المحللون، وهو أن الإسرائيليين الذين يعيشون منذ عشر سنوات على قلق أجوبة عن واحدة من الأسئلة الكبرى المطروحة على إسرائيل جديا- وهو مسار السلام الفلسطيني- الإسرائيلي؟
الوضع في فلسطين المحتلة هو على النحو التالي: هناك «حماس» التي خرجت من دون شك معززة سياسياً على حساب حركة «فتح» من جراء الحرب الأخيرة على غزة، ومن الجانب الإسرائيلي هناك مجتمع يزداد توغلا نحو التطرف والاستيطان، متذرعاً بالمسألة الأمنية، وهو يعيش أزمة وجودية. يقول البروفسور باروخ كيمرلينغ: أستاذ علم الاجتماع في الجامعة العبرية في القدس، بشأن الكراهية المتأصلة للمجتمع الصهيوني للفلسطينيين: «إن إسرائيل هي دولة مهاجرين/مستوطنين، أقيمت خلافا لإرادة ومصالح غالبية سكان البقعة الجغرافية التي أنشئت (إسرائيل) عليها وقامت باحتلالها وتوسيعها، وخلافا لإرادة ومصالح سكان المنطقة بأسرها. لا عجب إذاً أنه نشأت داخل المجتمع اليهودي منذ بداية تبلوره في هذه المنطقة فوبيا وجودية، ولا عجب أن هذا المجتمع مازال مسكونا حتى هذا اليوم، بفوبيا وجودية، تشكل أحد الأسباب الرئيسة لكراهية العرب».
بالنظر إلى التركيبة الجديدة للكنيست الإسرائيلي المقبل، فإننا نجد في صفوف اليمين غالبية مطلقة من النواب تعارض حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، يعيشان جنبا إلى جنب. وفي مثل هذه الظروف تبدو آفاق معاودة مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين محدودة، بصرف النظر عن النداءات التي تأتي من الخارج، سواء أكانت من الولايات المتحدة الأميركية، أم من الاتحاد الأوروبي، أم من فرنسا، حيث يتمنى رئيسها ساركوزي «أن يكون للسلطات الإسرائيلية الجديدة هاجس السلام».
ومهما يكن رئيس الحكومة المقبل، فإن إمكانيات معاودة الحوار الفعال بصورة سريعة مع السلطة الفلسطينية للتوصل إلى حل مرضٍ، هي محدودة جدا في حال تسيبي ليفني التي تترأس حزب «كاديما»، والتي أرادت أن تُظهر للناخب الإسرائيلي أنها قادرة على خوض الحرب، لا قيادة إسرائيل إلى السلام، لذلك أغلقت كل النوافذ التي فتحها أولمرت في سنته الأخيرة بشأن التسوية النهائية مع الفلسطينيين. وكانت ليفني بوصفها وزيرة الخارجية قادت المفاوضات مع الفلسطينيين طيلة الخمسة عشر شهرا الأخيرة، ولكن من دون أية نتائج تذكر. فلاتزال الهوة التي تفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين عميقة.
فقد رفضت ليفني رفضا كاملا في مفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية، التطرق إلى نقطتين أساسيتين تهمان الشعب الفلسطيني، وهما، وضع القدس، وحق العودة. أما فيما يتعلق بالاستيطان، فقد تسارع في عهدها. وإذا كانت ليفني قد أعلنت أنها مع حل الدولتين، فلأنها تريد المحافظة على الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية، لكن حكومتها رفضت دائما دفع الثمن من أجل التوصل لمثل هذا الحل.
أما بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، فقد اعتبر دائما أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ليس شريكا حقيقيا. وهو يعارض بشدة تقسيم القدس، وإزالة المستوطنات العشوائية. وتكمن توجهاته بشأن مسار السلام في المنطقة، في تحقيق السلم «الاقتصادي» للفلسطينيين، ورفضه إعادة هضبة الجولان المحتلة للسوريين. وفي ضوء هذه المواقف الصهيونية، أعلن الرئيس محمود عباس أنه لن يتعامل مع حكومة إسرائيلية لا توافق على عملية السلام، بينما اعتبرت حركة «حماس» أن تكليف نتنياهو تشكيل الحكومة يشكل اتجاها إلى «الأكثر تطرفا»، و«لا يؤشر إلى مرحلة من الأمن والاستقرار في المنطقة».
كاتب من تونس