خطوة اميركية نحو ايران: التصوّرات جاهزة لكن ما يخيف هو التفاصيل
نشرت مجلة “نيوزويك” (10 شباط 2009) تقريراً بعنوان “التحدث الى طهران”. منه نقتطف:
منذ الأيام ال 444 التي قضياها في الاحتجاز، من نوفمبر 1979 وحتى يناير 1981، واسما بروس لينغن وجون ليمبرت، عادة ما يُستبقان في الاشارة اليهما بكلمة “الرهينة في ايران”، وهو تشريف مقيت يرمز الى المعاناة والاحباط اللذين يميزان العلاقات الأميركية الايرانية منذ تلك الفترة.
وقد كان لينغن اعلى دبلوماسي اميركي مرتبة في طهران حين اقتحم اتباع الثورة الايرانية السفارة الأميركية هناك. اما ليمبرت، وهو الذي يتقن اللغة الفارسية وكان متطوعاً سابقاً في فيلق السلام الاميركي، فكان معلماً للغة الانكليزية في ذلك الوقت ولكنه التحق بالسلك الدبلوماسي الاميركي وأصبح سفيراً فيما بعد.
كان ذلك كله قبل فترة طويلة جدا، وعلى مدى كل هذه السنوات لم تقم الولايات المتحدة بتعيين اي دبلوماسي اميركي في طهران مثل لينغن وليمبرت وبقية زملائهما. كما لم يقم اي مسؤول اميركي بالتعامل مباشرة وبصورة رسمية مع الحكومة الايرانية عدا عدد قليل من المحادثات المحدودة حول افغانستان وايران. ولكن ذلك قد يكون على وشك ان يتغير. فقد اقترحت ادارة اوباما بدء حوار مع ايران. ولهذا فقد توجهنا الى لينغن وليمبرت وغيرهما من الاميركيين الذين نجوا من تلك الفترة المشحونة والمخيفة قبل ثلاثة عقود. بمن في ذلك هنري بريشت، الذي كان مسؤول مكتب الشؤون الايرانية بوزارة الخارجية الاميركية عام 1979، لسؤالهم عن كيفية وما اذا كان علينا ان نتحدث الى آيات الله في ايران.
وفي عصر احد ايام السبت اخيراً، اجتمع لينغن، الذي يبلغ من العمر 87 عاما اليوم وليمبرت، البالغ من العمر 65 عاماً، وبريشت، البالغ 76 عاماً، في مطعم ايراني بواشنطن العاصمة لتناول عشاء من يخنه الرمان. وقد تحدثوا كما يتحدثون دائماً. عن الكيفية التي فوجئت بها الولايات المتحدة، بعد سنوات من دعم الشاه، بالثورة الايرانية وعن الدروس التي يمكن ان تكون قد استقيت من ذلك. وبصورة عامة، اتفق ثلاثتهم على ان ايران اليوم تريد، ويجب ان يعبر لها عن “احترام متبادل” ولكن الشيطان الاكبر هو دائماً في التفاصيل.
وقال لينغن: “علينا التحدث الى هؤلاء الناس لكي نفهمهم. يجب ان يكون هناك احترام من الطرفين، ولكن علينا ان نسمع شيئاً من الطرف الآخر يجعلنا نعتقد انهم يريدون فعلاً التحدث الينا”.
وقال ليبمرت: “اذ ذهبنا للتفاوض معهم مقتنعين بأن الطرف الآخر غير عقلاني، او معتوه أو عنيف، فمن المؤكد اننا لن نتوصل الى اي اتفاق”. بالنسبة الى العين الاميركية، فان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، يبدو غريبا بصورة حقيقية. حين طالب، كما فعل في كانون الثاني بأن تكون القوى الغربية مؤدبة في تعاملها مع بلاده، وعدوانيته تجاه اسرائيل هي عدوانية مثيرة للغضب ان لم تكن جنوني بالكالم، وذلك لما قد يقود الاسرائيليون الى شن هجوم على بلاده، اضافة الى ذلك، فان رده على حديث الرئيس اوباما عن مد اليد لم يكن بالكاد مشجعاً. فقد طالب احمدي نجاد اولاً بأن يقوم اوباما بالاعتذار عن الجرائم الكثيرة التي تتهم اميركا بارتكابها ضد الشعب الايراني، والتي يعود بعضها الى تأييد اميركا لانقلاب في ايران سنة 1953.
ويقول ليمبرت: “حين يخرج احمدي نجاد هذه القائمة القديمة من التظلمات، فبوسعك ان تفسر ذلك بطريقتين. فيمكنك ان تقول ان هذا الرجل معتوه ولا نستطيع فعل شيء ازاء ذلك. وقد تقول انه مثل كثيرين من الايرانيين يحمل هذا العبء التاريخي. وهو تاريخ من التظلمات. تظلمات حقيقية وتظلمات متصورة، ولكنها قائمة”.
ويقول بريشت: “أو بمقدورك ان تواصل المسيرة” ويقول ليمبرت: “عليك ان تتعامل مع التظلمات ثم تسير قدماً.
ولكن في اي من الحالتين، لن تكون هناك مصافحات دافئة في اي وقت قريب، ويجب الا تكون. فالمحادثات بين واشنطن وطهران قد تبدأ بقضايا الامن والاستقرار. خصوصا في العراق وافغانستان وكلاهما يشتركان في حدود مع ايران. ويقول ليمبرت انه كانت هناك اتصالات ناجحة بين الطرفين في الماضي، “علينا ان نبحث عن طرق لحدوث المزيد من هذا، ولكن هناك اناسا في الطرفين يبذلون قصارى جهدهم لتقويض هذه الفرص”.
ويقول بريشت، وهو يتناول لبناً ايرانياً خاصاً يسمى الدوغ: “ان هناك ايرانيين يعتقدون انه امر جميل ان يتصرفوا بلؤم تجاهنا. علينا ان نتجاهل كل هذا. علينا ان نواصل تركيز ابصارنا على الهدف وان نرى المفاوضات على انها تمهيد للطريق نحو المستقبل”.
ويقول نغن ان فتح قسم لرعاية المصالح الاميركية في السفارة السويسرية في طهران ـ كما فكرت ادارة بوش في عمله ـ “قد يكون خطوة اولى جيدة”. وفي هذا الترتيب، يقوم الدبلوماسيين الاميركيون بادارة المكتب. وبذلك سيكون هؤلاء اول دبلوماسيين اميركيين يتواجدون في ايران منذ تحرير لينغن وليمبرت.
ولكن ليمبرت يقول: “انني اعارض هذا. انني اعارض ارسال دبلوماسيين الى ايران في هذه المرحلة”.
ورد بريشت ضاحكاً: “لا احد سيطلب اليك ان تذهب الى هناك”.
ولكن هذا ما لم يكن في بال ليمبرت. وقال: “هل يمكنكم تصور ما كان زملاؤنا الدبلوماسيون هؤلاء سيعانونه خلال ازمة غزة الاخيرة هذه لو كانوا في طهران فعلا؟ كانت الحكومة بالكاد قادرة على السيطرة على جماهير الغوغاء التي كانت تريد مهاجمة السفارتين البريطانية والمصرية”.
ويقول بريشت, ومع ذلك “فان هذه هي بعض الأشياء غير المكلفة نسبا التي نستطيع فعلها، مثل منح التاشيرات والمطالبة بقيامهم بمنحنا اشياء مثل هذه في المقابل”.
ولكن ليمبرت يقول: “ولكنك عندئذ ستتلقى ضربة في الاسنان: فهم يصبحون مشككين في انك تقوم بتجنيد الجواسيس هناك”. وهو ليس مقتنعا بقوة بالقيام بمفاتحات مثل رفع امر التجميد المفروض على الأرصدة الايرانية في الخارج ايضا. وقال: “أنا متأكد انهم سيقولون ان ذلك جميل، ولكن ما هي الاشياء الاخرى التي تستطيعون القيام بها من أجلنا؟
ولكن بريشت يؤكد انه يجب على الولايات المتحدة ان “تجد طريقة لتخليص الايرانيين من مشاعر عدم الامان التي تساورهم. علينا ان نتوقف عن تغيير النظام”. وقال ان “على اوباما ان يبلغ مبعوثه بابلاغ ايران اننا نقبل ايران وأننا لسنا معنيين بتغيير القيادة في طهران. وحقيقة الامر ان طمأنة ايران الى عدم التدخل في شؤونها الداخلية كانت جزءاً من الاتفاق الذي ادى الى اطلاق سراح الرهائن عام 1981.
وكما يشير هذا، فان من غير المرجح ان تتغير اشياء كثيرة قبل ان يتغير الخطاب في البلدين. ويقول غاري سيك، الذي كان عضوا في مجلس الامن القومي عام 1979: “ان ايران هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحشد الاف الناس كل اسبوع ليهتفوا شعار “الموت لاميركا”. انه امر معتوه ولا احد ينظر الى هذا بجدية. ولكن ماذا لو كنا نحن نقوم بتنظيم مسيرة في واشنطن كل اسبوع لنهتف بشعارات “الموت لايران”؟! كيف سينظرون الى هذا”.
ويقول سيك: “يجب ان تتغير لغة الخطاب. اذا كان سيتم التعامل مع الايرانيين باحترام، فعليهم التصرف بطريقة تنم عن الاحترام هم ايضاً.
المستقبل