الزراعة العربية في غير أرضها
نشرت مجلة “بيزنس ويك” (الطبعة العربية، شباط 2009) تقريراً عن لجوء البلدان العربية للاستثمار الزراعي خارج حدودها. منه نقتطف:
صحيح أن القمة الاقتصادية التي عقدت في الكويت قرعت جرس الانذار صادحاً، لكن العالم العربي بدأ يستشعر منذ مدة حجم المخاطر التي تتهدد أمنه الغذائي. ومثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمعدلات قياسية خلال الصيف الفائت حافزاًُ لادراك خطورة اعتماد بلدانه على الاستيراد لسد كفايتها الغذائية، في ظل افتقارها الى موارد تعوض النقص عند وقوع اي ازمة يقول محمود منصور أمين العام للاتحاد العربي للتعاونيات. “ينبغي ان يخفف العرب الاعتماد على الخارج لتناول الطعام”.
وتترجم سلسلة تطورات هذا الاتجاه، في ظل تنامي الاستثمار الزراعي الخليجي في بلدان مختلفة داخل العالم العربي وخارجه بحثاً عن توفير سلة غذاء آمنة. فمع ندرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة تتجه بلدان مثل الامارات والسعودية وقطر الى انشاء مستعمرات زراعية شاسعة المساحة في كازاخستان والسودان وتايلاند واندونيسيا ودول أخرى في آسيا وافريقيا ويعتبر الخبير المستقل علي دقاق ان “توجه هذه الاستثمارات الى خارج المنطقة العربية خطوة صحيحة” ويضيف: “لم تنجح التجارب الداخلية السابقة في توفير حد ادنى من الامن الغذائي والمطلوب مقاربة جديدة تجبه الارتفاع المطرد في اسعار الغذاء عالمياً”. وبالفعل، تحاول تلك الاستثمارات تخفيض الاعتماد على السوق الدولية للمواد الغذائية. وبالشكل الذي يجعلها عرضة لانقطاع الامدادات، وهو ما بينت تطورات الصيف الفائت ان حدوثه ممكن، حين فرضت الهند قيوداً على تصدير الارز، وتوقفت اوكرانيا عن شحن القمح وفرضت الارجنتين ضرائب على الصويا.
ما هي حدود المستعمرات الزراعية العربية في الخارج؟ حتى الآن، تتطلع الامارات الى وضع قدمها في ثلاث قارات على الاقل. فهي تسعى من جهة الى حيازة اراض زراعية في فيتنام وكمبوديا وتتطلع من جهة اخرى الى توسيع حضورها في بلدان عدة في افريقيا واميركا اللاتينية وستخصص تلك الاراضي لزراعة الحبوب بالتحديد، وتوفير خط امداد مستدام.
وتستثمر الامارات حالياً زهاء مليون فدان من الاراضي الزراعية في السودان بينها مشروع زايد الخير البالغة مساحته 40 الف فدان. وتدير مجموعة بالجافلة الاماراتية شراكة مع رجال اعمال سودانيين للاستثمار في مشاريع زراعية وغذائية في السودان.
وعلى الخطى نفسها تسير السعودية تدعيماً لاستقلالها الغذائي ويرى دقاق ان “المملكة تستثمر في الزراعة خارج حدودها حتى تحقق بعض التوازن في امنها الغذائي” ملاحظاً ان الأمن الغذائي في المملكة يرتبط بالامن المائي. خصوصاً ان “زراعة القمح مثلاً تستنزف الثروة المائية لتكون مضارها أكبر من فوائدها” وتخصص السعودية استثمارات كبيرة لزراعة الارز وهي اختارت جاوا الغربية في اندونيسيا كوجهة لها بعد ارتفاع اسعار الارز يحفزها خصوصاً رخص الايدي العاملة في اندونيسيا وتوافر الامكانيات الطبيعية الملائمة للزراعة فيها.
من جانبها اختارت قطر فيتنام كوجهة زراعية اثيرة. واطلقت الدوحة صندوقاً بقيمة مليار دولار للاستثمارات في قطاعات عدة في هذا البلد الآسيوي تتصدرها الزراعة والثروة الحيوانية على ان تمول هيئة الاستثمار القطرية 90 بالمئة من استثمارات الصندوق.
وتفاوض قطر كمبوديا لانجاز سلسلة استثمارات زراعية فيها وتتطلع ليبيا بدورها الى استئجار مزارع في اوكرانيا فيما تبدي الكويت اهتماماً بالاستثمار الزراعي في لاوس وتفاوض كمبوديا لضخ استثمارات زراعية فيها. ويناقش البلدان امكانيات التعاون المشترك في هذا المجال، عبر درس اقتراح كمبودي لتبادل الخبرات والتكنولوجيا في المجالات الزراعية يقضي في شق منه باستغلال مساحات شاسعة من الاراضي لانتاج المحاصيل الزراعية وعلى رأسها الارز.
ويستحوذ السودان من جهته على حصة وافية من الاستثمارات الزراعية العربية ويسعى الاردن الى الاستثمار في هذا البلد كجزء من استراتيجية الحكومة لمواجهة ارتفاع اسعار المواد الغذائية وسد الفجوة الغذائية المتنامية.
وتثير الاستثمارات العربية شهية بلدان افريقية عدة لتكثيف الدعوات الى الاستثمار العربي في اراضيها. واعلنت اثيوبيا اخيراً عن استعداد لوضع “مئات آلاف الهكتارات من الاراضي الزراعية” في تصرف المستثمرين السعوديين. ولم يفت بنين اصدار بيان ترحيبي مماثل، مرفقة الدعوة باعلان عن السماح للمستثمرين بالتملك لتسعين عاماً.