لا بد من حوار “اختباري” مع سوريا
سركيس نعوم
بدأ الموظف الاميركي الرفيع السابق الذي لا يزال يتعاطى الشأن العام ويتابع عن كثب الشرق الاوسط وازماته الكثيرة بالحديث عن سوريا، قال: “انا افضل ان تنخرط اميركا في حوار جدي مع سوريا حول كل القضايا المختلف عليها بينهما.
الاكتفاء بارسال اشارات الى سوريا وبطلب اشياء محددة منها ومن ثم محاسبتها او معاقبتها اذا لم تتجاوب، غير كاف على الاطلاق. ان فرض عقوبة على رامي مخلوف اثار مع غيرها من العقوبات الكثير من السخرية والنكات عند السوريين. ارسال البارجة الحربية U.SS Cole وغيرها الى شرق المتوسط هل اخاف سوريا او هل سيخيفها؟ ماذا ستفعل هذه البارجة؟ وهل ستنتبه سوريا الى ان هذه الخطوة اشارة اليها. وتُذكّر ان الادارة الاميركية ارسلت قبل اشهر بارجة حربية او اثنتين الى مياه الخليج معتبرة ذلك رسالة الى ايران. لم يحصل اي رد فعل ايراني. لم يلاحظ الايرانيون شيئاً. لم يفهموا اننا وجهنا رسالة اليهم او ربما فهموا ذلك و”طنشوا”. اذذاك أعلن نائب الرئيس ديك تشيني ان ارسال البارجتين هو رسالة الى القيادة الايرانية. فرد عليه رئيس جمهورية ايران محمود احمدي نجاد: “عال. ماذا علينا في هذه الحال ان نفعل؟ ان نخاف؟ لن نخاف“.
الحوار مع سوريا لا يعني الموافقة على شروطها. وهو يفيد سوريا كما يفيد غيرها، وخصوصاً لبنان. الحوار يبدأ بالكلام والعروض الجدية وينتهي او يفترض ان ينتهي اذا لم يحقق اي نتيجة الى موقف سلبي اميركي صعب جداً من سوريا. اولا، يجب القول لسوريا ان اميركا مستعدة لرفع العقوبات عنها ورفع اسمها عن لائحة الدول الراعية الارهاب. ويجب وعدها بان يكون لاميركا دور اساسي في حل صراعها مع اسرائيل، اي في استعادة الجولان. والسوريون يعرفون ان حل قضية فلسطين قبل حل قضية جولانهم لا بد ان يؤذيهم كثيراً وان يشكل طعنة قاتلة لهم. ولذلك فانهم يريدون حلاً لهذه المشكلة قبل الفلسطينيين. علما ان الفلسطينيين يريدون بدورهم حلاً سورياً – اسرائيلياً قبل حل قضيتهم كي “تحل سوريا عن ظهرهم”. اما موضوع المحكمة الخاصة بلبنان فلا بد من القول لسوريا بضرورة التفاهم معها على طريقة “لتسوية” هذه القضية، اذ يكفي الرئيس الراحل رفيق الحريري فخراً انه حرر لبنان من سوريا بدمه. وفي مقابل ذلك يجب ان تطلب اميركا من سوريا الانفصال عن ايران وان تحصل على ما يؤكد امكان حصول هذا الامر. كما يجب ان تطلب منها احترام لبنان دولة سيدة ومستقلة ومعاملته كدولة سيدة ومستقلة وعدم ابقاء علاقات مباشرة لها مع طوائف ومذاهب واحزاب ونقابات وشخصيات تؤثر على قراراته. طبعاً قد يقول البعض: اين الدولة في لبنان؟ وهو سؤال يوحي انها غائبة، وهو منطقي. لكن بعض الجواب عنه هو ان غياب الدولة أو اللادولة هو مسؤولية لبنانية. والبعض الآخر من الجواب هو ان هذا الغياب مسؤولية الخارج ايضاً وسوريا جزء اساسي منه“.
ما تقوله صحيح في جزء كبير منه، لكن سوريا ليست المشكلة الوحيدة للبنان، قلت. واضفت: هناك ايران “حليفة” سوريا. وهناك “حزب الله” اللبناني – الايراني والحليف لسوريا. وايران لها مشكلات معكم ومع المنطقة بل مع العالم. هل تستطيع سوريا ان تتحرك في كل ما ذكرت من دون موافقة ايرانية صريحة وواضحة؟ اجاب: “سؤال جيد. وهناك تساؤل عندنا في اميركا وعند غيرنا عن مدى قدرة سوريا على التحلل من التزاماتها الايرانية وحيال “حزب الله”. في اي حال ان سوريا دولة، ولا بد من تجربة معها. لا بد من اجراء اختبار لها حتى وان كنا متأكدين من الشكوك المتداولة في قدرتها على التصرف بمعزل عن ايران. اذا نجح الحوار كان ذلك جيداً، واذا لم ينجح نصبح قادرين على اتخاذ الموقف الذي نريد من سوريا“.
كنتَ من المراهنين على وجود امكانات حوار بين واشنطن وطهران وخصوصا عندما كان علي لاريجاني متولياً مسؤولية امنية واخرى ذات علاقة بالملف النووي لبلاده، هل لا تزال على رهانك بعد اقصائه عن موقعه؟ سألت. فاجاب: “لا اعرف. ولا اعرف ايضاً لماذا همّشوا لاريجاني“.
هل لا يزال الخيار العسكري ضد ايران النووية على طاولة الرئيس الاميركي جورج بوش؟ سألت، اجاب: “لا يزال، لكنني اشك في استخدامه اياه. الرئيس بوش كسول ولا يتابع. لكنه ليس غبياً ويعتبر نفسه ايديولوجيا كبيرا وان ايديولوجيته تتماشى مع طريقة عمله. كل الذين معه يقولون له ولغيره انه رئيس كبير وتاريخي كهاري ترومان. لماذا اذاً يدخل حرباً صعبة في وقت لا تزال حرب العراق التي اطلقها قبل سنوات غير محسومة، ولا يزال 150 او 160 الفاً من جنودنا هناك؟ ماذا اذا وقعت حرب في اميركا اللاتينية؟ الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز يخسر شعبياً. قد يغامر عسكرياً ضد كولومبيا لاستعادة شعبيته. ماذا تفعل اميركا في هذه الحال؟ ماذا يحصل اذا وقعت حروب في مناطق اخرى من العالم؟ كيف تتصرف اميركا؟”. علّقت: سمعت في نيويورك ان الرئيس بوش جدي في خياره العسكري ضد ايران لانه مؤمن في قرارة نفسه ان موقعه في التاريخ لن يكون محمودا اذا لم يعتمد هذا الخيار. يريد ان يؤمن هذا الموقع وهناك من يدفعه الى ذلك. ردّ: “هذا امر ممكن، لكن هناك امراً من اثنين: الضربة العسكرية لايران ممكنة اذا تأكدت اميركا بالادلة الملموسة ان لطهران دوراً مباشراً وجدياً في عملية او عمليات ادت الى هزيمة او هزائم اميركية وخسائر بشرية وفي هذه الحال تقصف عدداً من مراكز “الباسدران”، اي الحرس الثوري. واذا ردت ايران باشعال الخليج، او بأي امر كبير آخر فان قاذفات ال ب 52 تتدخل وتضرب كل المراكز النووية. الا انني استبعد ذلك. لا يستطيع بوش الذهاب الى حرب مع ايران او توجيه ضربة عسكرية اليها من دون حجة مقنعة. واذا فعل ذلك فان معظم اعضاء ادارته واركانها سيستقيلون وفي مقدمهم وزيرا الخارجية والدفاع“.
ماذا عن الاردن؟ سألت. اجاب: “الاردن في وضع صعب جدا. محافظات الاردن صارت “محافظة”. التطرف يغزو البلد. اني خائف على المملكة الاردنية الهاشمية. لا اعرف متى يبدأ الانفجار داخلها ولا كيف ولا لأي سبب. هناك تعصّب وجهل وفقر وتخلّف واصولية“.
ماذا قال الموظف الاميركي الرفيع السابق نفسه عن العراق؟
(النهار) ، الخميس 3 نيسان 2008