ماذا تربح روسيا من دعمها لصربيا؟
محمد الأرناؤوط
في مقالة سابقة في هذه الصفحة بعنوان “ماذا وراء الموقف الروسي من كوسوفو؟” (16/10/2007) كانت هناك بعض المعطيات وبعض التوقعات. وخلال هذه الفترة المنصرمة بين المقالتين كان موقف روسيا المؤيد لصربيا قد تصاعد الى حد التهديد باستخدام حق اليتو في مجلس الأمن على خطة الممثل الخاص للأمم المتحدة مارتي أهتيساري حول “الاستقلال المشروط” لكوسوفو،
ما أدى الى الإعلان عن الاستقلال من طرف واحد. وقد كان لرفض روسيا الشديد لاستقلال كوسوفو أثره على تحفّظ بعض الدول للاعتراف بالاستقلال الكوسوفي، وهو ما يزيد أكثر الفاتورة التي تدفعها صربيا الى روسيا مقابل هكذا موقف.
ففي المقالة السابقة كانت هناك بعض المعطيات عن الاستراتيجية الروسية الجديدة للسيطرة على سوق الطاقة في أوروبا الوسطى والغربية من خلال البلقان، وقد تمكنت بعض الشركات الروسية مثل “لوك أويل” من السيطرة على حصة معتبرة في البلقان، حيث أصبحت تمتلك مصفاتي نفط 1800 محطة لبيع المشتقات النفطية معظمها في البلقان.
وفيما يتعلق بصربيا تحديداً، فالاستراتيجية الروسية الجديدة بحاجة إليها لإكمال خط الغاز الجنوبي الذي يأتي عبر البحر الأسود ليمر عبر بلغاريا ثم صربيا وصولاً الى إيطاليا. وكان الرئيس الروسي بوتين قد ذهب بنفسه الى بلغاريا في كانون الثاني/ يناير 2008 ليشهد توقع اتفاق مد هذا الخط بينما قام خليفته ديمتري ميدفيديف بزيارة الى بلغراد في نهاية الشهر الماضي ليشهد توقيع مد هذا الخط في صربيا. وحسب التقديرات فإن الخط الاستراتيجي للغاز سينقل سنوياً نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز، وتقدر تكاليفه بـ1.600 مليون يورو بينما يتوقع تشغيله في 2013. وقد كان من اللافت للنظر، حسب الجريدة الصربية “داناس” (عدد 27/2/2008) في حفل التوقيع على العقد بين شركة “غاز بروم” الروسية وشركة الغاز الصربية أنه لم تقدم للصحافيين أي تفاصيل حول هذا العقد المهم بين بلغراد وموسكو ولم يسمح لهم بطرح الأسئلة للاستفسار عن بعض الأمور.
والمهم في زيارة ميدفيديف الى صربيا هذه المرة كانت زيارته الى مصفاة النفط الصربية الكبيرة في بانشفو، حيث أن المقالة السابقة كانت قد أشارت الى حرص روسيا على السيطرة على صناعة الطاقة في صربيا.
ولا يخفى هنا أن روسيا تستفيد الآن من سياسة الخصخصة في صربيا ومن سياستها في دعم صربيا لأجل كوسوفو لكي تحصل شركاتها على معاملة تفضيلية حتى تشتري ما تريده من الشركات الصربية المعروضة للبيع بسعر خاص وليس من خلال المشاركة مع غيرها من الشركات في عروض مفتوحة تشارك فيها كل الشركات المعنية المحلية والأجنبية.
وخلال هذه الزيارة كشف ميدفيديف عن قرب الاتفاق على شراء شركة “غاز بروم” الروسية لشركة النفط الصربية الكبرى ( (NIS وبالتحديد لـ51% من أسهمها مقابل 400 مليون يورو وهو مبلغ قليل أو “سعر سياسي” نظراً لأن الثمن الحقيقي سيكون أكبر بكثير لو طرحت هذه الأسهم من خلال عرض مفتوح. ولذلك فقد كشفت الجريدة الصربية المعروفة “داناس” (عدد 27/2/2008) عن أن وزير الاقتصاد في الحكومة الائتلافية (ما بين الحزب الديموقراطي الميال لأوروبا والحزب الديموقراطي الصربي الميال لروسيا) قد أعلن عن معارضته لبيغ أغلبية أسهم الشركة بهذا الشكل، أي من دون عرض دولي مفتوح للجميع.
ومن الواضح الآن أنه كلما زاد الموقف الروسي السياسي دعمه لصربيا لأجل كوسوفو كلما زاد الاختراق الروسي للاقتصاد الصربي وكلما زاد الفرز داخل الحكومة الإئتلافية بين التيارين الكبيرين في صربيا الآن: التيار الإصلاحي الذي يرغب في الاندراج في الاتحاد الأوروبي (مع بوريس تاديتش رئيس الجمهورية) والتيار القومي الذي يفضل شراكة سياسية واقتصادية مع روسيا (مع فويسلاف كوشتونيتسا رئيس الحكومة). والآن، مع انفراط الحكومة الإئتلافية، ستكون العلاقة مع روسيا و”حماية كوسوفو بفضل روسيا” في صلب الحملة الانتخابية للتيار القومي الصربي في الانتخابات المقبلة في أيار التي ستكون حاسمة وتاريخية بالنسبة لصربيا، إذ عليها أن تختار بين الشراكة الاستراتيجية مع روسيا أو العضوية في الاتحاد الأوروبي.
المستقبل – الجمعة 4 نيسان 2008