مسار التحول اليميني الاسرائيلي
محمد سيد رصاص
كان اليسار العمالي الصهيوني هو الأب المؤسس لدولة اسرائيل في عام1948،وقد ظل هذا اليسار بأحزابه وحركاته الثلاث،أي الماباي والمابام وأحدوت هعفودا(ثم مع حزب رافي عام1965بعد انشقاق بن غوريون)،يملك قوة في الكنيست بمقاعده المئة وعشرين لم تنزل عن مستوى (59مقعداً)بين عامي1949و1969فيماكان سقفها الأعلى بالفترة ذاتها خمسة وستون مقعداً،بينما كان اليمين القومي ممثلاً في حزب (حيروت) بزعامة مناحيم بيغن،بفترة1949و1961،تتراوح مقاعده بين(14-19)،وهو أيضاً،حتى بعد توحده مع كتلة الوسط الليبرالية المعادية ليسارية العماليين وتشكيلهما لحركة(جاحال)،لم يتجاوز حدود(27مقعداً)في انتخابات1965.
بدأ صعود اليمين القومي،عبر (الليكود)،الذي خلف جاحال في انتخابات1973التي جرت بعد شهرين من انتهاء حرب أوكتوبر،لما نال39مقعداً فيماحصل حزب العمل(الذي أتى حصيلة تجمع الأحزاب والحركات العمالية الأربعة عام1969)على واحد وخمسين،ثم ليقفز الليكود للسلطة عبر انتخابات أيار1977 بحصوله على ثلاث وأربعين مقعداً فيماهبطت مقاعد العمل إلى اثنين وثلاثين،وأخذت حركة(داش)الوسطية خمسة عشر مقعداً.
تزامن صعود اليمين القومي،بين1973و1977،مع انزياح حزب(المفدال)الديني من حزب يهودي متدين ،يطالب بتطبيق تعاليم الدين اليهودي في الحياة العامة،إلى حزب متشدد يمزج التدين اليهودي(=النزعة الحريدية) مع الصهيونية المتطرفة،وكان أحد علامات ذلك تشكيله لمنظمة(غوش إيمونيم)الإستيطانية في تلك الفترة،وماأعقب ذلك من تحوله إلى حزب المستوطنين الرئيسي،ولينال اثنا عشر مقعداً في انتخابات 1977،ماكان ذروة انتخابية له،تحول على إثرها ليصبح سنداً ائتلافياً لليمين بعد أن كان مشاركاً في كل الوزارات العمالية منذ 1948.
هنا،كان التصويت على اتفاقيات كامب دافيد بالكنيست،عام1978،مؤشراً على ولادة ظاهرة(اليمين القومي الجديد)،لما انشق نواب من الليكود على ضوء معارضتهم لتلك الاتفاقيات،ليشكلوا حركة(هاتحيا)،ولتنشأبعد ذلك بالثمانينات حركات وأحزاب،مثل(تسوميت)و(ميلوديت)،هي على يمين الليكود،كانت ذروة عدد مقاعدها أحد عشر في انتخابات1992لمافاز حزب العمل بزعامة رابين وخسر الليكود.
تعزز اليمين القومي الجديد بالتسعينيات مع أحزاب المهاجرين الروس،مثل(اسرائيل بعليا)=اسرائيل وطنناالذي حصل في انتخابات(96و99)على سبع مقاعد،ثم مع حزب(اسرائيل بيتنا)،المنشق عن الليكود عام1998،الذي نال أربع مقاعد بانتخابات1999.هنا،كانت مسيرة الحزبين المذكورين متعاكسة،فبينما اتجه الأول للإندماج في الليكودعام2003اتجه الثاني للإئتلاف مع حزب ميلوديت وحزب الإتحاد القومي(بزعامة ابن مناحيم بيغن،المنشق عن الليكود بعام99)لتشكيل حركة نالت سبعة مقاعد بانتخابات2003،قبل أن ينشق أفيغدور ليبرمان ويعود لوضعه الأصلي في انتخابات2006التي حصل فيها حزبه على أحد عشر مقعداً فيما اتجه الاتحاد القومي وميلوديت للإئتلاف مع المفدال ولينالوا تسعة مقاعد.
هنا،ومع هبوط مقاعد حزب العمل بين2003و2006،لايمكن تفسير نزول الليكود من (38مقعداً)عام2003إلى اثنا عشر إلابحصول اليمين القومي الجديد على عشرين مقعداً،وأيضاً بحصول انشقاق حركة كاديما عنه بشهر تشرين الثاني2005بزعامة شارون،التي عبرًت عن انزياح نحو موقع وسط بين الليكود والعمل مستقطبة قادة وجمهور منهما،ولوأنها ظلت يمينية من حيث الأيديولوجيا والسياسة.أيضاً،يمكن تفسير هذا النزول بصعود حركة(شاس)تأسست عام1984التي تحولت من حزب ديني حريدي لليهود الشرقيين السفارديم إلى حزب يميني متشدد منذ عام1999،حيث كانت علاقة أصواتها بأصوات الليكود يحكمها مبدأ الأواني المستطرقة بين عامي1999و2006.
الآن،يلفت النظر في انتخابات2009أن صعود الليكود (من12إلى27مقعداً)يترافق مع هبوط مقاعد حزب العمل وخسارته لستة مقاعد،ومع ثبات مقاعد كاديما(29ناقص واحد)،ومع ارتفاع مقاعد اليمين القومي الجديد من عشرين إلى اثنين وعشرين(اسرائيل بيتنا 15،الاتحاد القومي4،البيت اليهودي”المفدال” 3) ،ونزول مقاعد شاس مقعداً واحدا لأحد عشرة.هذا يعني أن (اليمين القومي)و(اليمين القومي الجديد)،مضافاً لهما شاس المنزاحة نحو مواقعهما،يشكلون نصف مقاعد الكنيست،وإذا أضيف لهما الحزب الحريدي:”يهدوت هاتوراه”،يصبح لهم غالبية(65مقعداً).
هذا وضع غير مسبوق في تاريخ دولة اسرائيل،عندما يصبح لهذا اليمين،المتشدد والمتطرف،الغالبية بالكنيست،ولوأن حركة كاديما لايمكن اعتبارها وسطاً،حيث هي يمينية أيديولوجياً وعملياً،إلاأنها أكثر اعتدالاً من حزب نتنياهو.أيضاً،مايشكل سابقة في كنيست2009هو اضمحلال قوة اليسار العمالي لما لم ينل حزب العمل سوى ثلاثة عشر مقعداً،وكذلك انهيار اليسار العلماني من(21مقعداً مجموع مانالته حركتا شينوي وميريتس في انتخابات2003)إلى ثلاث مقاعد حصلت عليها الآن حركة ميريتس،فيمااختفت شينوي بعد أن تحولت إلى موقع وسط،متراوح بين اليمين(عبر دخولها بحكومة شارون عام2003)واليسار(عدائها لهيمنة المتدينين في مجالات الأحوال الشخصية وبعض الجوانب الاجتماعية)،لتموت وتلحق بمصير أحزاب الوسط(= داش- حزب الوسط – حزب الطريق الثالث)،فيما تفادت بعض أحزاب وحركات الوسط الموت الذاتي لما اندمجت أوذابت إما في اليمين(الليبراليون عام1965مع حيروت)أومع اليسار العمالي(حركة ياحد، بزعامة عيزرا وايزمان،لمادخلت وذابت في حزب العمل بعام 1988 ).