ليست الهند وباكستان جارتين بل يفصل بينهما عالم كامل
مبشر جاود أكبر
عام 1947 انقسمنا لكننا لم ننفصل. وكنا لا نزال نلتقي من خلال الروابط العائلية ووسائل الإعلام. وحدث الانفصال مع اندلاع الحرب عام 1965، بتحريض من متعصّبين مثل الجنرال أيوب خان وذو الفقار علي بوتو. لقد أطفأ الانفصال جذوات الثقة الخافتة. ونُصِبت جدران من الاجراءات لحجب المعرفة ثم الرؤية. إذا كنت لا ترى جاراً، فهو ليس بجار. ليس هناك جيران في المباني السكنية الضخمة في مومباي بل مجرد أرقام متحاذية.
الجار الحقيقي للهندي المنتمي إلى الطبقة الوسطى هو أميركا، فهو يتشاطر معها الثقافة واللغة والنزعة الاستهلاكية وعبادة المشاهير ورغبة لا تشبع للتحرّك صعوداً. إنه مطّلع على الآليات المعقّدة التي أوصلت أوباما إلى الرئاسة أكثر مما هو مطلع على الوثب والقفز اللذين استعملهما زرداري ليفوز بالرئاسة الباكستانية.
تتشاطر الهند وباكستان ماضياً لا حاضراً؛ والمستقبل تتقاذفه حقائق متخيَّلة. يروّج أصحاب النيات الحسنة مفاهيم الضيافة المفرطة وحتى العاطفية. أما أصحاب النيات السيئة وهم يشكلون الغالبية الساحقة، فيثيرون صور الرعب الشيطاني. لقد تشرّب الشبان الباكستانيون الذين أرسِلوا إلى مومباي في مهمة قتل جماعي، أكاذيب مملَّحة بالشر؛ لم تكن لديهم نظرة مستقلة إلى الحقيقة.
طوال أربعة عقود، غذّى الاستثمار في الجهل كراهية متزايدة. فقد تحولت باكستان بؤرة لحرب دائمة ضد الهند. وبات الهنود يكنّون كرهاً شديداً لباكستان. إذا أجري استطلاع آراء في الهند وسئل الناس إذا كان يجب نقل باكستان إلى أميركا اللاتينية، فسوف يجيبون نعم بالإجماع.
لا داعي لأن يكون الجيران أصدقاء دائمين. فقد تحاربت فرنسا وألمانيا بقسوة قاتلة كانت مرادفة من قبل لأوروبا، لكن كان هناك دائماً تواصل فردي واجتماعي وفكري بين البلدين. ولا داعي لأن يكون الجيران متساوين. الولايات المتحدة وبريطانيا هما أفضل الجيران منذ عام 1918، وهما تتناولان الطعام وتصطادان معاً. وقد حلّت الواحدة مكان الأخرى في موقع “أمبراطورة الجزء الأكبر من العالم الذي يستحق أن يُحكَم”، وصمدت العلاقة في وجه صدمة تقويم الذات. قد لا يتشاطر الجيران اللغة نفسها، لكن يجب أن يجيدوا التواصل في ما بينهم وفهم ما يفعله الآخر والسبب وراء ما يفعله. السلام مستحيل من دون فهم. ولا يؤدّي ضباب الجهل سوى إلى تحفيز النزاعات من خلال وهم الانتصار. لسخرية القدر، الانخداع الحقيقي هو أن من يمارس الخداع لا يعرف أبداً إلى أي درجة يخدع نفسه.
قد تكون الصحف والمحطات التلفزيونية مريعة لكنها ليست إرهابية. ربما تجعلك تسأم حتى الموت من حين لآخر، لكنها لا تقتل أحداً. يستطيع الهنود والباكستانيون أن يشاهدوا محطة “سي إن إن” بسهولة كبيرة إنما ليس قنوات الفريق الآخر. فماذا لو أصبحت وسائل الإعلام هيستيرية أحياناً: لا ينقضي وقت طويل قبل أن يتحوّل الهيستيريون حمقى. تؤثر الهيستيريا أيضاً، ويا للأسف، في السياسة، لذلك من المهم أن نعرف ما هي المسألة التي يثير الفريق الآخر ضجيجاً حولها. فضلاً عن ذلك، لا يمكن حجز المعلومات في الحبس الانفرادي، فهي تتسرّب باستمرار في شكل معلومات مضلِّلة. ولذلك من المنطقي تقديمها في شكل معلومات.
وقعت بمحض الصدفة على عدد العاشر من كانون الثاني من الصحيفة الإنكليزية الأهم في باكستان “Dawn”. كان هناك في الصفحة الأولى تقرير من لاهور عن خمسة انفجارات خفيفة هزّت خمسة مسارح. وكانت من تدبير العقول الأصولية نفسها التي أرسلت الإرهابيين إلى الهند؛ لم يكن عدوهم الهند وحسب إنما أي مؤشّر حداثة في باكستان. لم يتّهم أحد هؤلاء المفجّرين بأنهم عملاء وكالة الاستخبارات الهندية المعروفة بـ”جناح الأبحاث والتحاليل” (راو).
وفي الصحيفة أيضاً خبر من كوهات عن سنّة مدججين بالسلاح تهجّموا بالصواريخ على موكب شيعي، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. لا تحتاج أعمال الشغب الطائفية بالضرورة إلى أشخاص من أديان مختلفة.
وفي صفحة التحرير مقال لامع لشاندانا خان موهمند يطلب من باكستان أن تتصرّف بواقعية وتقرّ بأن أموال الشعب هي التي تغذّي المنظمات الإرهابية. كما يلفت المقال بهدوء إلى أنه “يتعين على باكستان قبول حقيقة قاسية جداً، وهي أنها لا تضاهي الهند”.
لا يجب أبداً حظر صحيفة “Dawn”، بل على العكس يجب فرض إلزامية قراءتها في الهند.
منعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أيضاً تدفق المعلومات خلال الحرب الباردة، ودفعتا مبالغ طائلة للتضليل. غير أن المسافة بينهما خفّضت النقاط المتفجّرة إلى أدنى حد. أما الهند وباكستان فقد أصبحتا عدوتَين تحكمهما حدود مشتركة.
تجمّدت الأرض عند الحدود وتحوّلت نهراً جليدياً، لكن الهواء لا يزال حراً ولو ملوّثاً. إذا أردنا أن نصفّي الجو – وأشدّد على كلمة “إذا” – لا خيار أمامنا سوى استعمال تلك المكنسة غير المستقرة المعروفة بالإعلام.
“تايمز أوف إنديا” الهندية
لماذا تقدم الاسلام الهندي
على الاسلام الباكستاني؟
راجع مقال جهاد الزين
على موقع “النهار”
الالكتروني – صفحة “مقالات”
(صحافي وكاتب هندي)