من يُنقذ شبابنا من زارعي ثقافة القتل والكراهية في نفوسهم؟
بول شاوول
عندما كنّا نشاهد على امتداد سنوات الحرب بعقودها وأجيالها المحاربين والمقاتلين في الميليشيات والأحزاب والتنظيمات الطائفية والأيديولوجية والمذهبية، يمارسون ابشع أنواع القتل والبربرية والمجازر والسرقة والنهب واحراق المنازل والقرى والمدن.. عندما كنا نشاهد كل ذلك (ونحن بحمده تعالى حضرنا تقريباً كل الحروب والمعارك…)، كان ينفر أمامنا ظاهرة مرعبة: الشباب هم الذين كانوا أدوات كل هذه الجرائم… الشباب الذين اخضعوا لغسل أدمغة وتعبئة وشحن وَرُسِّختْ فيهم ثقافة الكراهية والقتل بأعصاب باردة وبشغف عظيم. فهؤلاء الذي ادخلوا في هذه الحروب العبثية، اخرجوا من “أعمارهم” ومن مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم وأحلامهم ومصانعهم ومحالهم.. ومن عائلاتهم ليعَلّموا كيف تكون ثقافة الدم هي ثقافة الحياة وثقافة الشهادة وثقافة ما سمي على امتداد الحروب ثقافة “المقاومات”. (وكل الميليشيات تحركت حتى اليوم تحت يافطة “المقاومة” على اشكالها وأسمائها وعناوينها) فلا ثقافة سلم ولا تسامح ولاتعلم ولا مدرسة ولاكتب ولا انفتاح ولا معرفة: شيء واحد ملأ عقولهم وعقولهم، زرعته فيهم الأحزاب والتنظيمات “المتحاربة” (هو الحقد على الآخر، والجهل كحقيقة مطلقة، والتعصب كسمة بطولة والعنف كعنوان رجولة (أو انوثة باعتبار ان العنصر النسائي كان موجوداً ايضاً، ولا يقل عنفاً عن العنصر الذكوري: الثقافة الواحدة توّحد الجنسين ايضاً..). انها الثقافة اليومية التي دأبت على ضخها أجنحة المخابرات بمصادرها الشتى والأحزاب وحتى العائلات (وصولاً الى كثير من الأمهات والآباء العوذ بالله) وسعت الى ابدال المجتمع المدني بمجتمع معسكر، مُؤمنن ومُمَملَيش، بحيث صار الشبان في كل لبنان (خصوصاً الذين انخرطوا في الميليشيات) متشابهين في الممارسة: في اللاَرحمة، في العنف، في الابادة، وفي النهب والسرقة: مدرسة اربابهم من رؤساء الحركات والتتظيمات والأحزاب فتحت كل أبوابها على ظلام الموت وجنون الدم.
تربية دؤوبة وممارسة دؤوبة وعقول غائبة ونفوس متلاشية بحيث صارت هذه المجموعات وعند كل الأطراف المتناحرة وكأنها طالعة من قالب واحد ومن رَحم واحد، ومن طينة واحدة.
وعندما كان لي مثلاً في تلك الأيام أن احدق في هؤلاء الشبان واتملى نظراتهم ووجوههم وحركاتهم وأصواتهم كان يبدو لي جلياً ان الحروب تنجب نمطاً واحداً من الناس وكأنها آلة “توتاليتارية” تصنع نماذج مستنسخة ومتوأمة تخضع لردود فعل واحدة ولنفسية مَرَضية واحدة ولتصور واحد ولبربرية واحدة. انهم الشباب وقود الأمل والآتي والنضارة والعلم، ها هم اليوم يحطمون كل ما يلمع وكل ما يَعِدُ وكلَّ اخضر وكل معرفة: دمروا جامعاتهم ومدارسهم وجعلوها متاريس. احرقوا قراهم. ارتكبوا المذابح. مارسوا التعذيب بوحشية لا توصف. عادَوا كل ما يشير الى الوطن من دولة فانكروها، وجيش فقسموه وارض فشرذموها. علّمهم ارباب احزابهم كيف ينظرون الى وطنهم وكأنه ليس وطنهم وكأنه غريبهم وغريمهم. علموهم كيف ان كل من يخالف رأيهم أو طائفتهم او زعيمهم.. هو العدو الذي يجب ابادته. علموهم ان الشباب هو الخضوع المطلق للآلة الحزبية ، بل هو التماهي المطلق بالارادات العليا والمركزية والتي جعلوها من مراتب الآلهة والأولياء والقديسين، بحيث اقتنع هؤلاء بأن احزابهم هي “أحزاب الله” (وكم تناسلت احزاب الهية امامنا وما زالت بحمده تعالى) وبان “قياداتهم” هي من صنف الآلهة: لا تخطئ ولا تتلعثم ولا تُناقَش ولا تُنتقد، وكل من يجرؤ على ارتكاب مثل هذه الكبائر مصيره المحتوم: القتل، سواء كان من داخل هذه الأحزاب او من خارجها، فالشباب هنا، بلا قيمة لا تضاف ولا تنقص. بلا معيار ذاتي سوى ما يملى عليهم.
بلا عقل نقدي سوى ما “ينزل عليه” ولا مستقبل سوى ما يحدده لهم اولياء الحروب والمذابح والكانتونات وعملاء الخارج وهم في ذلك كانوا رهائن “محابس” كثيرة، وافكار جاهزة كثيرة (والشباب صار فكرة جاهزة أو غريزة مكتملة) تتحرك ضمن حدود ضيقة وتبث ان كل ما ومن يحيط بها “عدو” من ابناء بلدها. فالمحيط خطر لأنه محيط العدو. وعليه، يجب بناء “وطن” على قد هذا الخطر وطن كانتوني ـ حزبي ـ احادي يدافع عن “وجوده” ازاء تهديد الآخر اي مواطنهُ الآخر. ومن اجل ردع هذا الآخر الذي يهدد وجوده (وجود حزبه) عليه ان يلجأ الى كل وسيلة ومصدر وجهة لكي تؤازره على ابن بلده: وهكذا يكون ان يذهب الحزب الى اسرائيل ليكون جيشها الغازي “جيش الخلاص” والآخر الى سوريا لتدافع عن كينونته” او الى المنظمات الفلسطينية لتستعيد “حقوقه” و”مشاركته” او الى العراق، أو ليبيا أو الى أوروبا.. أو الى مصر (السادات) او الى اي جهة خارجية يدخلونها في صراعاتهم بحيث لم يعد الشباب اداة بأيدي الأحزاب والحركات البلدية فقط بل صاروا عالميين بارتهانهم (عبر قياداتهم) الى الخارج، ليصيروا بقوة هذا الشباب وبدمه المهراق وبحياته المنتهكة مجرد عملاء للخارج فتتعزز فكرة ان الطائفة او المذهب او الحزب ليس اكثر من محمية خارجية تمارس نفوذها “الاستعماري” وعليهم ان يدافعوا عنها باعتبارها “حلّت” محل الوطن. وعندما كان يكون لهذه الفئة “الممليشة” ان تتنقل من جهة الى اخرى كانت “عدواً” كان على هؤلاء الشباب ان يصدقوا من جديد بأن هذه الفئة التي كانت تقتلهم وتهددهم صارت الآن الصديقة والدرع… والمنقذ من دون أسئلة ولا أجوبة ولا معارضة ولا حتى شك: فالشك لا يطاول (بحسب ما عُلِّم هؤلاء الشباب) قياداتهم “الإلهية” … بل يصيب دائماً الآخرين. وهكذا دواليك… وعند الجميع: الشباب وقود وحطب ووسائل مجوفة وعنيفة ومرشحة للموت من أجل الحزب او سواه في أي لحظة: “بالروح بالدم نفديك يا…” وهذه “اليا” هي كل القيادات والرؤساء والابطال. فكل قياداتهم كانت من الأبطال حتى ولو لم تخضْ او تربحْ معركة. وهي دائماً على حق وان غيرت كل لحظة مواقفها ومواقعها بل تبرير.
وهكذا كان للعنصر الشبابي منذ حوالي اربعة عقود ان يكون نقيض ما يجب ان يكون عليه محملاً بالثوابت الجديدة والرؤى الجديدة والرسالة الجديدة و”البطولات” الجديدة: القتل،الكراهية، الانغلاق، الخضوع، الجهل، المذهبية، العدوانية، الوحشية، السرقة، احتلال الشقق والمحال، القتل على الهوية، الذبح..
بمعنى آخر صارت الهوية المطلوبة لكل شاب ان يكون شهيداً مفترضاً، وقاتلاً مفترضاً وجاهلاً مفترضاً… ونتذكر ان الذين تابعوا الحروب عندنا يعرفون ان الاحزاب والحركات “اللبنانية” والعربية… وسواها، لم تتورع عن استخدام الأطفال ليكونوا “مقاتليها” الطازجين: (نتذكر هنا نابليون عندما جَنّد أطفالاً في حروبه بسن الثامنة أو التاسعة… وكذلك هتلر وموسوليني وستالين وبعض الأنظمة العربية والأحزاب، ليدافع هؤلاء الأطفال عنهم وعن “احلامهم” الدموية وجنونهم) ونتذكر اننا كنا نرى اطفالاً ام يبلغوا العاشرة عندنا موزعين على الحواجز وفي “الجبهات” الامامية: يحملون بنادق اطول منهم، يطلبون منك “الهوية” وهم مستعدون لذبحك… اذا كنت من طائفة اخرى: هذه هي الأوامر، الأوامر العليا: الالهية، الجازمة، الصارمة.
وكل ذلك، كما نعرف أدى الى مأسٍ كثيرة ومضاعفة فعندما انتهت الحروب “بين الطوائف” باتفاق الطائف بدا كم ان هؤلاء الاطفال والشباب قد اصطدموا بواقع جديد لم يألفوه. فهم “مصنوعون” للقتل والنهب وخرق الحقوق والقوانين.. ولم يتعلموا لا مهنة ولا حرفة ولم يتلقوا لا شهادات ولا معرفة ولا اختصاصاً: وجدوا انفسهم كلهم وفي كل لبنان امام حقيقة مرعبة: انهم باتوا بلا جدوى: وانهم باتوا مجرد اصفار على اصفار لا دور لهم ولاموقع. وكان ان “اختير لبعضهم ان ينخرطوا في الدولة، في الجيش، او في القوى الأمنية. وكان لبعضهم ان يجد نفسه بلا وظيفة. ولا عون. فالأحزاب تخلت عنهم، رمتهم كالنفايات في الشوارع فتحول بعضهم الى “المخدرات” والآخر الى السرقة والآخر الى الهجرة… والآخر الى التسول (اعرف متسولين كثراً كانوا “جنرالات في منظماتهم العسكرية او الميليشيوية وعندما جاء “زمن السلم” ما بعد الطائف وطوي جزء من الصفحة، وبات وكأن هناك عالماً جديداً ينتظر هؤلاء انضم كثير منهم الى العلم والمدرسة والمعرفة.. والمجتمع. هذا حصل بعد اتفاق الطائف… وبعد التسوية. وخلنا ان زمناً شبابياً لا بد ان يكتمل في الوطن والدولة والسلم والمعرفة… خصوصاً عندما عمد الرئيس الشهيد الحريري الى تخصيص عشرات ألوف المنح لتعليم الشباب وتثقيفهم، رداً على سياسة التجهيل والتعنيف: فإعمار البشر لا ينفصل من إعمار الحجر. لكن حدث أن سياسة “أشبال” الأحزاب، وثقافة جعل الأطفال والشباب نهْبَ العنف، والقتل، والخضوع، والجهل، استمرت عند بعض الأحزاب، وجُيرت إما بإسم “المقاومة” لمحاربة العدو (وهذا قد يُبرر بسبب ظروف الاحتلال الذي حررنا منه في عام 2000) وبعد انسحاب العدو بإسم المقاومة أيضاً.
نتذكر كل ذلك، (ونتذكر الماضي تذكرنا الحاضر)، عندما نرى أن بعض الأحزاب والحركات والقيادات، والتي رفضت الطائف، ومن ثم رفضت فكرة انسحاب قوى الوصاية، ورفضت فكرة الدولة (لمصلحة الدويلة) ورفضت حقيقة انتصار ثورة الأرز في الانتخابات، ورفضت فكرة الخضوع للعبة الديموقراطية، واحترام المؤسسات والقوانين… ورفضت حتى فكرة “التحرير” و”السيادة” و”الاستقلال” و”الدولة” والديموقراطية، متبنية المنطق الانقلابي بعد نجاح قوى 14 آذار في الانتخابات الماضية. هذه الأطراف بقيت متشبثة بسلاحها الخاص حتى بعد التحرير، وكذلك بالسلاح غير الشرعي المنتشر في البؤر الأمنية، وكذلك بأحلامها الكانتونية، من دون أن ننسى تجديدها للفكرة الاستعمارية القديمة بالارتهان للخارج سواء بإسم “العروبة” أو بإسم “الطائفة”… في الوقت الذي سلّم فيه معظم الميليشيات التي شاركت في الحروب أسلحتها للدولة وانخرطت فيها (بعد الطائف).
عند أهل 8 آذار (أو 7 أيار المشؤوم) كأن شيئاً لم يتغير: أبقت بعض الميليشيات الحزبية الإيمانية والعقائدية والسياسية المرتبطة بالوصايتين، واسترجعت كل “عدة” الحروب والانقلابات، واسترجعت منطق أن الشباب والأطفال هم “وقود” المنقلبات والعنف والتكسير… فجددت وسائل شحنهم بالمذهبية وسواها، وأعادت كل تراجم الميليشيات الكانتونية القديمة: بناء ثقافة عند الأطفال والشباب قائمة (كما كانت عند الميليشيات) على كراهية الآخر، نزعة تدمير المدينة، العداء لكل حضاري، التمرد على الدولة، وعدم احترام القوانين، والخروج من المدرسة والعائلة، والجامعة، والتخلي عن المهن، والحرف، والمعرفة، والتعدد، والقراءة، وحب الفنون، والحرية والديموقراطية. وفَرّغ بعض هذه الأحزاب الإلهية (الأغنى في العالم بل وأغنى من الحزبين الجمهوري والديموقراطي في أميركا: فما أجمل الأحزاب الإلهية عندما تغرق في ثراء عميم)، هؤلاء بالألوف، ودربوهم على السلاح (وعلى الحقد)، وعلى التواطؤ مع المجرمين، وعلى الاحتفال بمقتل “أعدائهم” من أهل بلدهم ولو بسلاح خارجي!
وعندما كنّا نشاهد على شاشات التلفزيون وبأم العين أحياناً، كيف يتصرف هؤلاء الأطفال والشباب في الشوارع: تكسير سيارات، إحراق دواليب، رجم أناس ومحال، وطعن شبان مثلهم… وعندما كنّا نحدق في عيونهم الغائبة المكتظة بالكراهية كنّا نتذكر المشاهد نفسها التي رأينا في عيون شباب الميليشيات على امتداد أربعة عقود.. العقول المسبية ذاتها، العيون المتفجرة بالحقد ذاتها، الأيدي التي تحرق وتحطم وتطلق الرصاص وتطعن بالخناجر والسكاكين ذاتها، والقبضات والصراخات والجعير ذاته. وعندما تابعنا ما كان يمارسه هؤلاء “الشبان” المخلصون لزمن الميليشيات، عند انتهاء كل تظاهرة سلمية لـ14 آذار من اعتداء وضرب وقتل… وفجور، كنّا نحدد أين وصل هؤلاء في ثقافتهم وفي علمهم وفي وعيهم وفي اختياراتهم: مجرد آلات بأيدي بعض ميليشيات 7 أيار (ونفضل هذه التسمية على تسمية 8 آذار بحمده تعالى!)، مجرد دمى تدرب على القتل، والحرق، والاعتداء على الأحياء، والناس، والأملاك العامة، وعلى المؤسسات… وكأنها عندما تخرج من كانتوناتها الألفية، تحمل كانتوناتها على ظهرها وفي أصابعها وفي زناد بنادقها.
وعندما شاهدنا كيف تصرف هؤلاء في التظاهرة المليونية لـ14 آذار الأخيرة، وكيف غدر بعض شبان 7 أيار بمواطنيهم المسالمين، وبأي حقد أوسعوهم ضرباً وطعناً وركلاً ووحشية، عرفنا أن هؤلاء هم ضحايا الشحن المذهبي والكانتوني الذي يدأب عليه (ومن باب الإيمان الصميم: العوذ بالله)، جماعة الأقلية؛ وإلى شعورنا بالغضب الشديد، وبالإدانة (خصوصاً بعد قتل كل من لطفي زين الدين وخالد الطعيمي) والاستنكار لهذه الممارسات شعرنا في الوقت ذاته بالشفقة على هؤلاء الشبان، الذين انتزعوهم من مدارسهم ومن أحلامهم ومن مهنهم، ومن لبنانيتهم، ومن “عروبتهم” ومن أرضهم، ومن شفافيتهم ومن أحلامهم؛ ورموزهم كنوافل في بؤر القتل. وإذا عرفنا أن بعض الأحزاب (7 أيار) يجند الأطفال والشباب والشابات (حتى دون سن الرشد) في معسكرات التدريب على السلاح والحقد والقتل) ليكونوا وقوداً في محارق الخارج، وفي خدمة الغير، نعرف الى أي مدى سيرتطم هؤلاء الشبان (وهم أبناؤنا واخوتنا) بالواقع الآتي عندما ينتهي زمن الانقلابات (كما انتهى مع الميليشيات السابقة)، وزمن أحزاب “الآلهة” والشياطين والأبالسة، ويأتي زمن آخر: وعندها سيكتشفون (كما اكتشف نظراؤهم من قبل في حروب العقود الأربعة) أنهم كانوا يموتون حتى من أجل غيرهم. وانهم كانوا يدمرون بلادهم، ويدمرون مستقبلهم، وتاريخهم وأحلامهم وآمالهم. سيكتشفون أنهم لم يعيشوا شبابهم بل عاشوا “شيخوخة” أهل العمالة والعنف والانقلابات، وهرم أهل الكانتونات سيجدون أنفسهم بلا عمل عندما يكتشفون أن من استغلهم تخلى عنهم. وبلا مهنة لأن من جعلهم عاطلين عن العمل والعلم ليكونوا جاهزين ومتفرغين للمعارك والتخريب وخدمة مخططات الغير… لن يجد لهم لا مواقع، ولا وظائف، ولا مناصب محترمة.
ونظن أن جماعة 7 أيار (8 آذار وبازارها) الذين يستغلون هؤلاء الشبان والأطفال لن يترددوا في تجريمهم بعدما تنتفي الحاجة إليهم ليستمروا في سياسة أخرى لن تقل انقلابية عن سواها. وهكذا تفرز (سبق أن أفرزت) ثقافتان إزاء الشباب: ثقافة الموت والتخريب والعنف والجهل، وثقافة العلم، والسلم الأهلي، والمعرفة، وإيجاد دور في المجتمع. 8 آذار يجعل من هؤلاء الشباب نوافل في محارقه، فواصل في ثقافته الانقلابية. أما الشباب الآخر الذي ما زال يعبر عن ثقافة الديموقراطية، والحرية، والسلم الأهلي، والتظاهرات بلا عنف، ولا قوة… فهو الذي “نجا” وهو الذي يحلم بوطن ودولة وأرض واحدة وحرية وديموقراطية!
وأخيراً: شبان 7 أيار ضحايا اوليائهم وقياداتهم. ونظن أن اللوم والإدانة وحتى الغضب يجب ألا توجه إليهم باعتبارهم ضحايا… بل الى ناشري ثقافة الموت والجهل والعداء للعمران… وللآخر، وللدولة، وللمجتمع.
فهؤلاء هم المجرمون الحقيقيون أولاً وأخيراً!
وكما صرخنا على امتداد سنوات الحروب في الماضي نعاود الصرخة: من ينقذ شبابنا من محترفي صناعة القتل، ونشر الكراهية، في نفوسهم وعقولهم؟