أكبر لص في التاريخ: برنارد مادوف
في دورة “إنتربورس” للغولف التي نُظِّمت في أيار الماضي في كابو سان لوكاس في شبه جزيرة باخا كاليفورنيا في المكسيك، شعر بعض المشاركين بأن هناك خطباً ما لدى برنارد مادوف.
لم يكن المتداولون بالبورصة والعاملون في قطاع المال الموجودون في المكان قلقين بشأن شركة السمسار النيويوركي المعروف التي هي من صنّاع السوق والتي توظف 200 شخص، وترعى عادة إحدى مآدب العشاء في اللقاء السنوي. كما أن العائدات الكبيرة جداً التي كانت تولدها إدارة أمواله على مر العقود كانت تثير الحسد وليس القلق.
لا، ما كان يقلق بعض المشاركين بشأن رئيس مؤشر “ناسداك” السابق هو تصنيف “الهانديكاب” – وهو مقياس رقمي لعدد الضربات التي يسدّدها لاعب الغولف للوصول إلى الهدف – الذي يملكه في الغولف. فقد كانوا يشتبهون بأنه قلّل من شأن مهاراته لتعزيز فرصه بالفوز بجائزة. يقول أحد المشاركين في الدورة “هناك فارق إذا كان الهانديكاب مستحَقاً أم لا. لطالما كان لدي انطباع بأن لديه هانديكاب بواقع 14 أو 15”. غير أن تصنيف مادوف في “شبكة الهانديكاب والمعلومات عن الغولف” كان 9.8، مما دفع اللاعب المذكور إلى التلميح بأنه أفضل في اللعبة مما قاله للمنظّمين. يقول المشارك “لم يكن مستقيماً بكل معنى الكلمة”.
بعد سبعة أشهر، اتّهم المدّعون العامون الأميركيون مادوف بإدارة أكبر “مخطط بونزي” احتيالي – والمقصود بذلك خطة هرمية تستخدم أموال المستثمرين الجدد للتسديد للمستثمرين القدامى. ويُقال إنه اعترف بأن شركته الاستثمارية التي كانت تستقطب المال من مختلف أنحاء العالم، كانت “كذبة كبيرة” ربما كلّفت المستثمرين 50 مليار دولار. يدقّق المدعون العامون ولجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في دفاتر الحسابات العائدة للشركة الاستثمارية التي يملكها مادوف والمعروفة باسم “برنارد إل مادوف إنفستمنت سيكيوريتيز”، ويحاول وصي عيّنته المحكمة تعقّب ما حل بالأموال.
في الوقت الذي يلازم فيه مادوف منزله في منهاتن بعد وضعه في الإقامة الجبرية، أعادت “فايننشال تايمز” رسم تفاصيل ما حدث في السنة الأخيرة من عمله في شركته، وذلك من خلال مقابلات مع العشرات من أصدقائه وزملائه ومن المستثمرين الذين طلب معظمهم عدم الإفصاح عن هويتهم. يقولون إنه سعى جاهداً للحفاظ على المظاهر، فكان يقوم بجولاته المعتادة على مآدب العشاء الخيرية ويشارك في الأحداث الرياضية واللقاءات الخاصة بالقطاع الذي يعمل فيه، كما واظب على تمضية عطلته الصيفية في جنوب فرنسا. جمعت عائلته 151 ألف دولار لمؤسسة خيرية تعنى بمرضى سرطان الدم في تشرين الأول، وحضر حفل عيد الميلاد في شركته قبل ساعات من توقيفه.
لكن خلف الواجهة، كان الخناق يضيق أكثر فأكثر حول عنقه وعنق عشرات صناديق التحوّط التي كانت تزوّده بالسيولة. فطوال سنوات، استقطبت تلك الصناديق الأموال بسهولة، بفضل هالة من الحصرية والتقارير التي كانت تتحدّث عن العائدات المطردة والاستثنائية التي يحقّقها مادوف. في الأعوام الأخيرة، غالباً ما كان يقال للراغبين في الاستثمار بأن الشركة لم تعد تستقبل مالاً جديداً، وبأن عليهم الانتظار قبل أن يتمكنوا من الشراء. لكن الوضع تغير. فالأزمة الائتمانية لم تؤدِّ إلى نضوب الاستثمارات الجديدة وحسب إنما دفعت أيضاً العديد من الزبائن الذين مضى وقت طويل على تعاملهم مع الشركة إلى طلب استرجاع جزء من مالهم أو كامل أموالهم.
تقول السلطات إن هذه كانت الضربة القاضية؛ فالمخططات الهرمية تنهار عندما يتوقّف تدفق السيولة. بالفعل، يكشف التدقيق في نشاطات مادوف لعام 2008 سعياً يائساً وراء الحصول على المال كي تستمر العجلات في الدوران، قبل إقراره بحسب المعلومات بعجزه عن تحقيق ذلك.
حجم الخسائر مروِّع. لقد أرسل الوصي، إرفينغ بيكارد، للزبائن أكثر من ثمانية آلاف استبيان لملئها للمطالبة باسترداد أموالهم. تشير لائحة وضعتها قناة “بلومبرغ” إلى أن المستثمرين لدى مادوف يعتقدون أن الشركة تدين لهم بأكثر من 41 مليار دولار، مع أن هذا المبلغ قد يكون ضعف الرقم الفعلي.
في حين تقتصر معظم عمليات الاحتيال المالية على مجموعات اجتماعية أو أحياء محدّدة، مادوف متّهم بإدارة أول “مخطط بونزي” عالمي بكل معنى الكلمة. فقد حصل على أمواله الأولى من جمعيات خيرية وجاليات يهودية في نيويورك وبالم بيتش، مما جعله يُلقَّب ب”سند الخزينة اليهودي”. لكن بحلول منتصف العقد الحالي، كانت الصناديق المعروفة ب”الصناديق الملقِّمة” التي كانت تزوّد مادوف بالمال، تسحب المال من جيوب عميقة – وغير عميقة جداً – في مختلف أنحاء أوروبا وأميركا اللاتينية. وقد اضطر 17 صندوقاً في لكسمبورغ وحدها لوقف استرداد الأموال بسبب الخسائر التي ألحقها بها مادوف.
يبدو أن الضحايا يشملون مجموعة واسعة جداً من الأشخاص من كيفن بايكون، الممثل الأميركي، إلى ليليان بتنكور، الوريثة الفرنسية، إلى جانب صياد سمك من هونغ كونغ ومدرّس إسباني وأنسباء مادوف. يقول أميركي كان مقرّباً من عائلة مادوف لسنوات وكان يستثمر، بحسب اعتقاده، نحو 600 ألف دولار في صندوق مادوف “لم تكن هناك أي حواجز لحماية أحد من غضب برني [برنارد مادوف]”.
بدأ عام 2008 تماماً كالعام الذي سبقه، أي برفع تقرير فصلي إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. أبلغ مادوف الهيئة الناظمة الأميركية أن لدى صندوق إدارة الاستثمارات الذي يملكه 443 استثماراً مختلفاً تبلغ قيمتها مجتمعة 17 مليار دولار. اعتقد عدد كبير من الأنصار المتحمسين لمادوف أن التقرير لم يكشف عن كامل ممتلكات الصندوق، لأنه كان يحوّل الاستثمارات إلى سيولة على ما يبدو قبل مواعيد رفع التقارير كي يتفادى كشف أسرار استراتيجيته التي يتبجّح بها والقائمة على الجمع بين حقوق البيع الحمائية وعقود الشراء المغطّاة.
وضعت الأموال التي تتم إدارتها وكان مادوف يبلّغ عنها للهيئة الناظمة، شركته بين أول 5 في المئة من شركات إدارة الاستثمارات البالغ عددها 11274 التي كانت مسجّلة آنذاك لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. غير أن التقارير لم تدق ناقوس الخطر لدى الهيئات المنظِّمة. فقد حقّقت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في شركة مادوف عام 2005، كما أجرت تحقيقاً وجيزاً بشأنه عام 2007، لكن لم تسفر تلك الزيارة ولا المحاولة التي قام بها هاري ماركوبولوس الساعي إلى فضح مادوف، لإثارة اهتمام جوناثان سوكوبين، الرئيس الجديد لإدارة المخاطر في لجنة الأوراق المالية والبورصات، عن أي شيء على الإطلاق. لقد حاول ماركوبولوس، المنافس السابق لمادوف في مجال إدارة الاستثمارات، أن ينبّه المنظمين مراراً وتكراراً إلى الشكوك التي تراوده بشأن قيام مادوف بتنفيذ “مخطط بونزي”.
لقد فوّت مادوف دورة “إنتربورس” للتزلّج في كانون الثاني – أي النسخة الشتوية لمباريات الغولف. كان هو وشركته راعيَين بارزين لهذا الحدث في الأعوام السابقة، فقد كان يدفع 15 ألف دولار لاستضافة عشاء قادة الفرق وتبادل الحديث مع مديري الأموال الأوروبيين. غير أن أحد المشاركين يقول إن غيابه نُسِب إلى الخلافات مع المنظّمين الفرنسيين لتلك الدورة وليس إلى أي مشكلة أكبر.
في هذه الأثناء، كانت السجلات عن أداء الصناديق الأوروبية التي كانت ترسل الأموال إلى مادوف قد بدأت تستقطب الانتباه – والمال – من مئات المستثمرين الصغار العاديين. وكان بينهم متعهد أملاك باريسي طلب أن نعرّف عنه باسم بيار. في شباط الماضي، كان يبحث بكل بساطة عن مكان يضع فيه 600 ألف أورو جمعها من بيع أحد العقارات، ووقع بالصدفة على صندوق “لوكسالفا” الذي تديره شركة “يو بي إس” خلال البحث في موقع Morningstar الإلكتروني. يقول “أنا حذر جداً عادة. لم أشترِ قط أسهماً في حياتي”.
غير أن صندوق “لوكسالفا” كان مسجلاً على أساس أن السندات تشكّل 80 في المئة من قيمته، وأن أداءه راسخ ونسبة المخاطر منخفضة نسبياً. اتصل بخدمات الاستثمار لدى “يو بي إس لكسمبورغ” وانتهى به الأمر يوظّف ماله في صندوق تابع لصندوق “لوكسالفا” يُعرَف بـ”لكسمبورغ إنفستمنت”. ولم يكن قد سمع بمادوف في حياته.
مرّ فصل الربيع من دون حادث يُذكر. جال مادوف على اجتماعات مجالس الإدارة في جامعة ييشيفا في نيويورك والمؤسسات الخيرية الأخرى التي يدعمها، ولم يستقطب انتباهاً أكبر من ذي قبل. يقول عضوان في مجلس الأمناء في مؤسسة تربوية كان عضواً في مجلس إدارتها، إنه لطالما كانت لديهما تحفظات بشأن العائدات التي يبلّغ عنها في تقاريره. لكنهما لم يعربا عن تحفظاتهما على الملأ ولم يبذلا أي مجهود لمنع المدرسة من الاستثمار معه. يقول أحدهما “اعتقدت أنه ربما يلجأ إلى التداول المسبق [أي عندما يقدّم المستثمر طلب شراء أو بيع لضمان الحصول على الأسبقية، وذلك بعد الحصول على معلومات متوقّعة أو محتملة ستؤثر على سعر السهم، وهي ممارسة محظورة]، لم يخطر في بالي قط أنه يخترع المسألة برمتها”.
كانت مؤسسة خيرية أخرى أوفر حظاً. فعندما انضم مدير أحد صناديق التحوط إلى مجلس إدارتها الربيع الماضي، شكّك على الفور في العائدات التي بلّغ عنها مادوف وطلب من موظّفيه أن يحاولوا استنساخ الاستراتيجيا نفسها، بحسب زميل في المجال جرى إطلاعه على الأمر في ذلك الوقت. وعندما لم يتمكنوا من ذلك، أقنع أعضاء مجلس الأمناء بسحب أموال المؤسسة الخيرية من صندوق مادوف. بعد دورة الغولف في أيار، توجّه مادوف وزوجته إلى بور غاليس في جنوب فرنسا حيث كان يملك يختاً يحمل اسم Bull أي الثور، وكان يواظب على قضاء عطلته هناك (وقد عُرِف بين مالكي المراكب الفخمة بمزاجه السيئ، إذا كان يصرخ في وجه الأولاد). وبينما كان يحضر أمتعته في مطار نيس، التقى أركي بوسون، مدير أحد صناديق التحوط في لندن. يروي الأخير “تبادلنا التحية فقط”، مضيفاً أنه لم يتكوّن لديه أي انطباع بأن هناك خطباً ما. كان الصندوق الذي يديره بوسون، “إي آي إم”، يستثمر نحو 230 مليون دولار لدى مادوف. وكان مادوف يحضر أيضاً إلى بطولة الولايات المتحدة المفتوحة لكرة المضرب التي تجرى في كوينز في آب، وقد قدّمه أحدهم إلى نجم كرة مضرب سابق قائلاً “هذا الرجل يجترح المعجزات”.
خلف الكواليس، كان مادوف يحاول الحصول على المال عبر الإلحاح في الطلب. في أواخر الصيف، انتشر خبر مفاده أنه جاهز لاستقبال مزيد من النقود، مما دفع مستثمراً مخضرماً إلى إنشاء صندوق ملقِّم جديد أطلق عليه اسم “كاليستو”. يقول المستثمر الذي استثمر ماله لأول مرة لدى مادوف قبل 18 عاماً “كان المال يخرج من صناديقه، وكان بحاجة إلى مزيد من السيولة. ذهبت لرؤيته في تشرين الأول وسألته “إذا أردت مبلغ 25-50 مليون دولار، أيمكنني الحصول عليه؟” فأجاب “بالتأكيد”.
بدأ صندوق “كاليستو” المحادثات الأولى مع المستثمرين المحتملين، لكن بحسب شخصين معنيَّين بالأمر، كان إطلاقه متوقّفاً على إجراء التحقيق اللازم حول ما يجري خلف الكواليس في شركة مادوف، وهذا ما لم يحصل قبل التوقيف.
وقد اشتدّت وتيرة البحث عن السيولة في تشرين الأول وتشرين الثاني. التقى إرزا مركين، وهو مدير مالي، كبير المسؤولين عن الاستثمار في جامعة نيويورك، واقترح أن تبدأ الجامعة بإرسال المال إلى صندوق ملقِّم يملكه مادوف. وعندما رفضت الجامعة طلبه بسبب غياب الإشراف، لم يقل مركين إنه كان قد استثمر نحو 25 مليون دولار من أموال جامعة نيويورك لدى مادوف، كما جاء في دعوى قضائية رفعتها الجامعة في المحكمة الفيديرالية الأميركية ضد مركين.
في 12 تشرين الثاني، طلب مادوف من شركته في لندن أن تحوّل 150 مليون دولار إلى نيويورك زاعماً أنه يريد شراء سندات خزينة، وأجرى بعض الاتصالات بنفسه. ومن بين الأشخاص الذين اتّصل بهم كين لانغون، مؤسّس مصرف “إنفيميد” الاستثماري، الذي ردّ مادوف خائباً، وكارل شابيرو، المحسن من بوسطن الذي يدعم مادوف منذ وقت طويل، وقد أرسل إليه 250 مليون دولار إضافي.
غير أن المبالغ الجديدة لم تستطع التعويض عن تلك التي كانت تخرج من الصناديق. كانت بعض صناديق التحوّط بحاجة إلى السيولة من أجل التسديد للمستثمرين الذين يطالبون باسترجاع أموالهم. وكان آخرون قلقين بشأن ذلك الجزء من أموالهم الموضوع في عهدة مادوف. سحب بنك “الاتحاد المصرفي الخاص” 200 مليون دولار قبل وقت قصير من الانهيار، وأرسل المصرف الإسباني “سانتاندير”، أحد مديريه، رودريغو إشنيك، للاجتماع بمادوف في أواخر تشرين الثاني.
وقد حاول المستثمرون الأفراد سحب أموالهم أيضاً، لكنهم لم يحققوا أحياناً سوى نجاح محدود. فعندما سعى أحدهم إلى سحب أمواله من صندوق “لوسكالفا” الذي أنشأته “يو بي إس”، اتّصل به وسيط محاولاً إقناعه بالعدول عن الأمر. بحلول مطلع شهر كانون الأول، كان مادوف قد اصطدم بالجدار، ويُقال إنه أخبر أحد ابنَيه إنه تلقّى طلبات لاسترداد سبعة مليارات دولار، ويجد صعوبة في إيجاد المال الكافي، كما جاء في الشكوى الجنائية التي تقدّمت بها الحكومة. في 9 كانون الأول، قال للابن الثاني إنه يريد أن يدفع العلاوات للموظفين قبل شهرين من الموعد المعتاد. وعندما قارن ابناه، أندرو ومارك، الوثائق، قرّروا مواجهة والدهما.
في اليوم التالي، واجه الاثنان مادوف في مكتبه، لكنه طلب الاجتماع بهما لاحقاً في شقته في منهاتن لأنه “لم يكن واثقاً من أنه سيتمكن من الصمود”. لم يحضر أندرو ولا مارك حفلة عيد الميلاد التي نظّمتها شركات مادوف في مطعم “روزا مكسيكانا” في فرست أفينيو تلك الليلة، غير أن برني مادوف حضرها. وقد غادر الساعة 7:45 دقيقة مساء، بحسب أحد الذين كانوا حاضرين في الحفلة.
في الشقة، انهار مادوف بحضور ابنيه، واعترف قائلاً إنه “لا يملك أي شيء”، وإنه “قضي عليه كلياً”، كما جاء في الشكوى. وأضاف أن الخسائر قد تصل إلى 50 مليار دولار. وقال إنه سوف يسلّم نفسه للسلطات، لكنه يريد أولاً أن يستعمل مبلغ ال200-300 مليون دولار المتبقّي له كي يدفع لعائلته وموظّفيه وأصدقائه.
اتصل ابناه بمحامٍ تولّى إبلاغ السلطات الفيديرالية. انكبّت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على العمل، فعهدت بالقضية إلى أكثر من اثني عشر موظفاً، وباشرت إعداد وثائق لطلب تجميد الأصول بداعي الطوارئ. لكن حتى اللجنة لم تفهم تماماً حجم ما تتعامل معه. سأل أحد المسؤولين “هل هو خطأ مطبعي؟ ألا يُفترَض أن يكون المبلغ 50 مليون دولار؟”
وضعت السلطات الفيديرالية يدها على مكتب مادوف في مبنى “ليبستيك” في ثيرد أفينيو. وقد وجدوا في أدراج مكتبه شيكات موقّعة بقيمة 173 مليون دولار جاهزة لإرسالها إلى أصحابها. جرت مقابلة مادوف في منزله. وكان يرتدي ثوب الاستحمام وينتعل خفَّين عند وصول العملاء الفيديراليين.
تفيد المعلومات بأنه قال للعملاء “ليس هناك من تفسير بريء”، مضيفاً أنه دفع “للمستثمرين من أموال غير موجودة”.
عندما علم بيار، باني المنازل، بتوقيف مادوف، ضحك قائلاً “عرفت أنني لم أستثمر في هذه الصناديق”. بعد بضعة أيام، اكتشف مستشار المحاسبة لديه أن الأموال كانت مستثمرة فعلاً لدى مادوف. والفرنسي هو الآن في عداد من يحضّرون دعوى قانونية.
أساليب مادوف: غياب الأطراف المقابلة
اختصرت “أوبتيمال”، الجناح الاستثماري في مصرف “سانتاندير” الإسباني، العديد من آراء المستثمرين ببرنارد مادوف عندما أخبرت الزبائن عن براعته في اختيار التوقيت “الممتاز”، وذلك قبل أسابيع فقط من توقيفه.
بدت عائدات مادوف في نظر كثيرين، كبيرة جداً إلى درجة أنه يستحيل تصديقها. غير أن أنصاره كانوا يزعمون أنها نتيجة الاستراتيجيا القائمة على مزيج من حقوق البيع الحمائية وعقود الشراء المغطّاة، والتي كانت تستعمل المشتقّات المالية لتقليص المخاطر إلى أدنى حد، في حين كانت المعلومات التي تتوافر له من شركته الصانعة للسوق تسمح له بالاستثمار في التوقيت شبه المثالي.
اعتقد مستثمرون كثر أنه ربما يلجأ إلى التداول المسبق – أي يتداول بصورة غير شرعية مستقباً زبائن القسم الصانع للسوق – غير أن الكثيرين ظلوا يتعاملون معه. يقول أحدهم “كان سجله نظيفاً في لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، ولم يكن يقع على عاتقنا كشف الأمر”. وأعطت بعض الصناديق تفسيراً أكثر تعقيداً. فقد اعتبرت أن الاستراتيجيا الآنفة الذكر سمحت له بالإفادة من فترات الارتفاع في أسعار الأسهم عبر إرساء ما عُرِف بـ”التباين التصاعدي”. واستند ذلك إلى شراء أسهم في 40 إلى 50 شركة لمحاكاة مؤشر “ستاندرد أند بورز” لقياس أداء الأسهم في أكبر مئة شركة مطروحة للتداول العام، مع استخدام حقوق البيع للحماية من الهبوط في الأسعار. وكانت كلفة هذه الحقوق تُغطّى عن طريق بيع عقود شراء، مما يحد من الارتفاع المحتمل في الأسعار.
قال فيرفيلد غرينويتش في معرض تسويقه لصندوقه “فيرفيلد سنتري” البالغة قيمته 7.3 مليارات دولار والذي استثمر مع مادوف “يتناوب الصندوق على الاستثمار في الاستراتيجيا لفترات معينة وعدم الاستثمار فيها لفترات أخرى بانتظار دورة التطبيق المقبلة”.
زعم مادوف أنه كان يتعامل مع أكثر من اثني عشر طرفاً مقابلاً في هذه التداولات، بحسب وثيقة تسويقية خاصة بـ”أوبتيمال”. ويروي زبون آخر أنه قيل له إنه يجري تداول حقوق البيع مع “مورغان ستانلي” و”غولدمان ساكس”.
في الواقع، ربما لم يقم مادوف بأي تداولات على الإطلاق. لم تجد الهيئة الناظمة للقطاع “فينرا”، أي إثباتات على قيام شركة السمسرة التابعة له بأي تداولات لحساب زبائنه الذين يتولى إدارة استثماراتهم، في حين تقول مصادر مورغان ستانلي وغولدمان ساكس إن المصرفَين لم يتعاملا معه قط.
التداعيات: الخاسرون يرفعون دعاوى
أطلق توقيف برنارد مادوف تهافتاً دولياً على رفع الدعاوى القضائية.
فقد رفع محامو الدعاوى الجماعية الأميركيون دعاوى ضد مادوف ومجموعة من مديري الاستثمارات الذين كانوا يمرّرون الأموال إليه. وتلقّى فرع “يو بي إس” في لكسمبورغ أوامر بتسليم الأموال إلى المستثمرين الذين سعوا إلى استرداد أموالهم من صندوق “لوكسالفا” الملقِّم قبيل توقيف مادوف.
ورفعت شركتان استثماريتان إيرلنديتان دعاوى قانونية ضد مصرف “إيتش إس بي سي” الذي كان بمثابة وصي على صناديق مادوف الملقِّمة، ويقول محامون في المملكة المتحدة وإسبانيا إنهم يقدّمون النصائح للمستثمرين بشأن رفع دعاوى قضائية هناك.
ديبوراه بروستر وجوانا شونغ وشهرزاد دانيشكو وديفيد جيلز وجيريمي غرانت وبيغي هولينجر وفيكتور ماليت وبروك ماسترز وستانلي بيغنال وهايغ سيمونيان
“فايننشال تايمز”
(ترجمت النصوص الثلاثةنسرين ناضر)