تسخين الحوار السعودي السوري
تشهد المنطقة العربية هذه الأيام نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً على صعيد الملفات الأكثر سخونة، فبعد تقاطر الوفود العربية إلى البحرين للتضامن مع حكومتها في مواجهة تهديدات ايرانية، ها هي قنوات الحوار من أجل المصالحة العربية العربية، والفلسطينية الفلسطينية، تشهد سخونة مفاجئة، ربما تمهد لانجاح القمة العربية الدورية التي ستعقد في الدوحة أواخر الشهر المقبل.
السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية حط الرحال في العاصمة السعودية الرياض يوم أمس، حاملاً رسالة من الرئيس السوري إلى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في أول زيارة من نوعها منذ عامين تقريباً.
وتأتي زيارة السيد المعلم هذه بعد زيارات متبادلة من قبل قائدي جهازي المخابرات في كل من السعودية وسورية. الأمر الذي يعني نقل مستوى الحوار بين العاصمتين إلى المستوى السياسي، وهذه خطوة تعكس تحقيق بعض التفاهمات حول القضايا الاساسية موضع الخلاف، وخاصة الملف اللبناني.
المسؤولون السعوديون ادركوا ان الحصار الذي فرضوه على سورية بهدف عزلها لم يحقق ثماره، ولم يعد من المفيد الاستمرار فيه بعد تدفق القيادات الاوروبية ووفود الكونغرس الامريكية على دمشق، وابداء باراك اوباما الرئيس الامريكي الجديد رغبة في فتح حوار مع سورية، وتخفيف حدة العقوبات عليها.
هذا الادراك السعودي هو سبب الانفراج الحالي في العلاقات مع دمشق الذي بدأ اثناء قمة الكويت الاقتصادية الاخيرة، وتجسد في خطاب العاهل السعودي التصالحي. ولكن ما زال من غير الواضح ما اذا كانت الحكومة المصرية، أحد ابرز قطبي محور الاعتدال العربي، ستحذو حذو الحليف السعودي، وتجري اتصالات مع دمشق، ام انها ستستمر في موقفها الحالي المقاطع لها.
وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في اسرائيل، وتكليف بنيامين نتنياهو رئيساً للوزراء، ربما يكونان قد ساعدا في التسريع في خطوات المصالحة العربية، واستئناف الحوار بين الاطراف الفلسطينية، بهدف اعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس جديدة، تسمح بانهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، وبدء عملية الاعمار.
ويظل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حول ما هي الارضية التي يمكن ان تقوم عليها هذه المصالحات فلسطينياً وعربياً؟. فمن الواضح ان عملية السلام في صورتها السابقة لفظت أنفاسها الاخيرة بعد وصول نتنياهو إلى رئاسة الوزارة، فهل يتوافق الفلسطينيون على ضرورة التخلي عن نهج المفاوضات، والعودة لخيار المقاومة، ريثما تأتي حكومة اسرائيلية مستعدة للالتزام بالحد الادنى من شروط السلام، مثل تفكيك الحواجز وازالة المستوطنات وانهاء الحصارات، مما يسهل عملية التفاوض حول القضايا الاساسية، او ما يسمى بقضايا الحل النهائي؟
اما السؤال الآخر فهو عما اذا كانت جهود المصالحة العربية ستثمر في ابعاد سورية عن المحور الايراني، مثلما ظلت تطالب السعودية ومصر كشرط لهذه المصالحة، ام ان الهدف من الاتصالات الاخيرة ترطيب الاجواء، وبما يسمح بعقد قمة عربية بعيداً عن التوترات واجواء المقاطعة التي اتسمت بهما قمتا دمشق والطارئة في الدوحة، ثم تعود الامور الى الاوضاع السابقة بعدها؟
من الصعب اعطاء اجابات قاطعة حول هذه الاسئلة الجوهرية، لكن الانجاز الأبرز في رأينا هو اعتراف محوري الاعتدال والممانعة، اذا صحت هذه التسمية، بانهما يعيشان مأزقاً خطيراً، لا بد من الخروج منه بأسرع وقت ممكن، وبعد تحرك الرأي العام العربي بقوة اثناء احداث غزة، وتفاقم الانهيارات الاقتصادية بفعل الازمة العالمية وتراجع العوائد النفطية الى اقل من الثلث.
استئناف الحوار، والاعتراف بحجم الازمة، والحرص على قمة دورية ناجحة كلها مؤشرات ايجابية من حيث الشكل، والمأمول ان يأتي المضمون كذلك ايضاً بحيث تأتي النتائج مثمرة.
القدس العربي