صفحات سورية

زيارة كيري وآفاق العلاقات الأميركية السورية

null
عمر كوش
توجت زيارة السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والمرشح الديمقراطي السابق لانتخابات الرئاسة الأميركية، سلسلة الزيارات المتواترة إلى دمشق، التي قامت بها وفود من مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين بعد انتخاب الرئيس باراك أوباما. وهي تأتي في الوقت الذي تقوم فيه الإدارة الأميركية الجديدة بمراجعة سياساتها حيال منطقة الشرق الأوسط، وتنسجم مع نهج الحوار مع سورية الذي وعد به الرئيس الأميركي الجديد خلال حملته الانتخابية.
ويبدو أن زيارة كيري لدمشق وضعت اللمسات النهائية لأسس الحوار الرسمي المزمع إجراؤه بين الإدارة الأميركية والقيادة السياسية السورية، وتتزامن مع ما كشفته تقارير مطلعة في العاصمة واشنطن عن أن اللقاء المقبل الذي سيجمع السفير السوري في واشنطن، عماد مصطفى، مع جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، قد يصدر عنه الإعلان الرسمي من طرف الإدارة الأميركية عن عودة الاتصالات الرسمية بين البلدين، وبالتالي فتح آفاق جديدة في مسار العلاقات الأميركية السورية، وعودتها إلى الحوار والتفاهم بعدما سادها التوتر والمشادات خلال السنوات الثماني المنصرمة.
وبالفعل، فقد صدرت عن الإدارة الأميركية الجديدة إشارات عديدة حول ملامح السياسة الأميركية الجديدة حيال العراق وسورية وإيران والقضية الفلسطينية، لكن ما صدر، حتى الآن، لا يشكل تحولاً كبيراً في النظرة إلى النزاع العربي – الإسرائيلي وكيفية حله، مع أنه يتضمن إشارات تشي بأنها تضع هذا النزاع بين أولوياتها، وأن هذا التعامل سيُبنى على العناصر التي أفرزتها العملية السياسية خلال الأعوام الماضية، خصوصاً مفهوم حلّ الدولتين ومبادرة السلام العربية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف ستتحاور إدارة باراك أوباما مع القيادة السورية؟ وهو يأتي في وقت يعكف فيه أركان الإدارة الأميركية على دراسة خياراتهم حيال الموضوع.
والواضح هو أن أي تقارب بين الولايات المتحدة وسورية سيغير معطيات المنطقة بصورة كبيرة، خصوصاً إن ترافق مع عودة المفاوضات السورية – الإسرائيلية برعاية أميركية. ويبقى المطلوب سورياً هو عودة السفير الأميركي إلى دمشق. وفي هذا المجال، فإن التجربة الفرنسية تقدم درساً مهماً يستحق التفكير والتأمل، من جهة أنها التزمت بدفع الحوار، ولكنها في الوقت ذاته كانت مستعدة لقطعه، وتميزت بتلمّس الفرص غير المرئية عندما تصبح مهيأة وجاهزة. ويمكن للإدارة الأميركية الاستفادة منها، وخصوصاً أن في الولايات المتحدة من يسعى إلى قطع علاقات التحالف السورية – الإيرانية.
ويجب ملاحظة أن سورية عندما بدأت تلعب ورقة التقارب مع فرنسا، أظهرت استعدادا كبيرا لتوسيع تحالفاتها الإستراتيجية. ولاتزال هناك خلافات جوهرية بين الولايات المتحدة والحكومة السورية، خصوصاً فيما يتعلق بعلاقاتها مع حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، إلى جانب النشاط السوري المزعوم في المجال النووي.
ويمكن ربط بوادر الانفتاح الأميركي على سورية مع زيارة جون كيري لقطاع غزة، التي اعتبرها المراقبون بمثابة اتصال غير معلن، أو خجول مع حركة حماس، التي سلمته بدورها رسالة إلى الرئيس أوباما. إضافة إلى أحاديث عن بدء حوار أميركي – إيراني، ومطالبات أوروبية ودولية بالانفتاح الواسع على اللاعبين غير الدولاتيين، بدءاً من حركة طالبان في أفغانستان، مروراً بحزب الله في لبنان، وصولاً إلى حركة حماس في فلسطين.
وفي ظل هذه المؤشرات والمعطيات تأتي ضرورة الالتفات إلى المصالح العربية المشتركة، وإعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية، وهذا يتطلب الارتفاع فوق سياسة المحاور: اعتدال وممانعة، والخروج الكامل من أوهام الحسابات الضيقة للأنظمة العربية، وبما يفضي إلى تنقية الأجواء العربية لمواجهة سياسات حكومة التطرف الإسرائيلي التي سيشكلها بنيامين نتنياهو، بخاصة أن الإدارة الأميركية لا تشعر بالرضا حيال حكومة متطرفة في إسرائيل، الأمر الذي يجب على العرب فهمه والبناء عليه من أجل الوصول إلى حلّ عادل وشامل للصراع العربي – الإسرائيلي. وفي هذا السياق يجب تقوية الاختراق الإيجابي الذي شهدته مؤخراً العلاقات السورية – السعودية، ومده كي يشمل مجمل العلاقات بين الدول العربية.
كاتب من سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى