الدور التركي في المنطقة

تركيا و”إسرائيل”: من يعتذر من مَن؟

محمد نور الدين
نقلت صحيفة “هآرتس” أن الرئيس التركي عبدالله غول سيزور “إسرائيل” في النصف الثاني من السنة الحالية من أجل تخفيف التوتر بين تركيا و”إسرائيل”.
وجاء في الخبر أيضاً أن غول كان سيزور “إسرائيل” في يناير/ كانون الثاني الماضي لكن الآلام المتجددة في أذنه حالت دون ذلك.
وفي الأخبار أيضاً أن رجل الأعمال اليهودي التركي المعروف جاك قمحي الذي يزور “إسرائيل”، قد نقل رسالة من غول إلى الرئيس “الإسرائيلي” شمعون بيريز. ويقال إن غول ضمّن رسالته رغبة في زيارة “إسرائيل”.
يلاحظ المتابع لمثل هذه الأخبار أن هناك محاولة من جانب الإعلام “الإسرائيلي” على تصوير أن التوتر بين تركيا و”إسرائيل” قد تسببت به تركيا وهو ما يستدعي تحركاً بل اعتذاراً أيضاً من جانب أنقرة تجاه العدو الصهيوني.
تستدعي الإشارة هنا إلى أنه في ذروة التوتر بين تركيا و”إسرائيل” كانت تصريحات المسؤولين الأتراك تفصل بين الموقف الإنساني المندد بالعدوان على غزة وبين المصالح الوطنية التركية في ضرورة استمرار العلاقات بين البلدين. وقد عبر عن ذلك كل من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان كما رئاسة أركان الجيش التركي، ولم يلجأ أي طرف إلى أي خطوة تصعيدية وعملية على هذا الصعيد لا على مستوى الاتفاقات الثنائية ولا على مستوى العلاقات الدبلوماسية.
ويدرك البلدان أن استمرار العلاقات الجيدة بين تركيا و”إسرائيل” من متطلبات استمرار الدور التركي الوسيط.
لا شك أن هناك محاولات أمريكية لترميم العلاقات بين تركيا و”إسرائيل”، ولتأكيد الدور المفصلي لتركيا في عملية السلام في الشرق الأوسط.
وكان اتصال الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأردوغان وغول والتأكيد على الدور القيادي لتركيا في المنطقة أولى الإشارات في هذا الاتجاه. ثم كانت زيارة مبعوث أوباما جورج ميتشل إلى أنقرة لتؤكد بصورة حاسمة الدور المفتاح والمهم لتركيا في عملية التسوية. وقد ربط ميتشل أيضاً الدور التركي بعلاقات جيدة لتركيا مع كل من العرب و”إسرائيل”، في إشارة واضحة إلى ضرورة ترميم العلاقات بين تركيا و”إسرائيل”، واصفاً الدور التركي بأنه لا نظير له.
كل هذه التطورات مفهومة في بداية عهد أوباما ورغبته في إنجاز سياسي كبير في الشرق الأوسط على يد منجز الحل في إيرلندا.
لكن تصوير تركيا على أنها هي الساعية لترميم العلاقات مع “إسرائيل” محاولة لإفراغ مواقف أردوغان من “إسرائيل” من محتواها وأهميتها وإظهار أن السلطة في تركيا نادمة على مواقف أردوغان ولا بد من مبادرة ما في اتجاه “إسرائيل”.
خبر “هآرتس” يثير علامات استفهام كثيرة.
ففي اجتماع شرم الشيخ للدول الأوروبية ومصر وتركيا في نهاية العدوان على غزة انتقل القادة الأوروبيون الذين شاركوا في الاجتماع إلى تل أبيب بدعوة من رئيس حكومة العدو ايهود أولمرت ليحضنوا وقف النار الذي أعلنه. ولوحظ أن الرئيس غول لم يكن من بين الذين ذهبوا إلى تل أبيب. وحينها قال وزير الخارجية التركي علي باباجان إنه حتى لو دعي غول إلى عشاء تل أبيب فلم يكن ليذهب.
كانت هذه إشارة واضحة إلى أن أولمرت لم يدع أصلاً غول إلى العشاء احتجاجاً على مواقف تركيا من العدوان.
وفي جلسة دافوس الشهيرة كان الرئيس “الإسرائيلي” في قمة عدم تهذيبه وفي قمة قلة الأدب عندما تكلم بعصبية وبصوت عال بوجه أردوغان. ولم ينتظر أردوغان ثانية واحدة حتى تصدى له ولقنّه درساً في الأخلاق والكرامة الشخصية والوطنية والإنسانية واصفاً إياه بالقاتل.
وبعد أسبوعين على دافوس كان قائد القوات البرية “الإسرائيلية” آفي مزراحي يكيل الاتهامات الشنيعة لتركيا بإبادة الأرمن والأكراد وباحتلال شمال قبرص.
وحتى الآن لم يتم أي اعتذار رسمي علني “إسرائيلي” على كل هذه المواقف. واكتفى “الإسرائيليون” بإبداء الأسف أو القول إنها تصريحات شخصية وما إلى ذلك.
لقد كسبت تركيا الكثير من الاحترام والتقدير في الأوساط العربية والإسلامية والعالمية على مواقفها التاريخية والإنسانية من غزة. وقلنا دائماً إن تركيا هي الأقوى، فيما “إسرائيل” هي التي تحتاج إلى تركيا لا العكس. وبالتالي إن استعداد تركيا لمواصلة دورها الوسيط لا يأتي أبداً عبر أية خطوة تفوح منها رائحة أي اعتذار.
إذا كان من طرف يتوجب عليه الاعتذار فهو “إسرائيل”، وعلى تركيا ألا تسمح لأحد بابتزازها أو تجويف مواقفها.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى