الإخوان المسلمون السوريون: خلفيات القرار الأخير

علي بدوان
لم يكن المرحوم الشيخ مصطفى السباعي المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين في سوريا سنوات الاستقلال السوري الأولى، يدرك أن مستقبلاً قاتماً سيكون آتياً على الحركة الاخوانية في سوريا بعد سنوات من النشاط والازدهار والتحالف حتى مع حزب البعث العربي الاشتراكي في أكثر من دورة انتخابية للبرلمان السوري في حينها، وتحديداً في السنوات التي سبقت قيام دولة الوحدة الاندماجية الكاملة السورية المصرية.
كما لم يكن يدرك الشيخ مصطفى السباعي المعروف عنه ببعد النظر، أن هناك تياراً مؤثراً متطرفاً، آخذا بالتكون داخل أحشاء الحركة الاخوانية السورية منذ الخمسينات، على خلفية البعد الإيديولوجي المتزمت البعيد عن الوسطية والاعتدال، والمتأثر بالمنابر الإسلامية التكفيرية التي كانت تنمو ببطء متدرج، وعلى خلفية التطرف داخل بنى الحالة الرسمية ذاتها التي توالت في السنوات الأولى من مرحلة ما بعد الوحدة السورية المصرية، لتصل أجنحة من التيارات المشار إليها إلى مواقع متنفذة داخل الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، حيث اندلعت مواجهات عدة محدودة بين السلطة المركزية وتنظيمات الحركة الاخوانية منذ العام 1963 في مناطق مختلفة وسط سوريا، إلى حين المواجهات الحاسمة التي انتهت عام 1982.
وانطلاقاً من المعطى إياه، فقد حملت الحركة الاخوانية السورية، أوجاع التطرف، مع استفحال انتشار التيار التكفيري المشار إليه، ووصول الولادة إلى خاتمتها داخل الحركة، ممزوجة بالفضاء السياسي المعقد الذي بات يلف سوريا والمنطقة بعد حرب 1967، وتفاقم بعد حرب 1973، ليصل إلى حدود الولادة التامة لما سمي بـ “الطليعة المقاتلة” وهي مجموعة عسكرية مسلحة تكونت داخل جسم الإخوان المسلمين شمال سوريا، في الوقت الذي نفت فيه مرات عدة اوساط عديدة من الأخوان المسلمين في سوريا علاقة الاخوان كحزب بالطليعة المقاتلة اعتبرتها مجموعة منشقة عن الحركة الاخوانية.
لكن، في نهاية الأمر، وضعت الحركة الاخوانية السورية أرجلها في مزالق الطريق نحو المآل المأسوي/ الكارثي، الذي خسر فيه الشعب السوري الكثير الكثير، ووضع الحزب الذي رعاه وأسسه الشيخ مصطفى السباعي نفسه في مهب الريح، منتقلاً من لون سياسي إيديولوجي يتصف بالوسطية والاعتدال والحضور والتأثير إلى حزب ممزوج بألوان التطرف، وضيق النفس، وبعيداً عن الروح الديموقراطية التي تنطلق في معالجة المثالب بروح طويلة وصبورة.
وعليه، في ظل الاستفاقة المتأخرة لقيادة الحركة الاخوانية السورية كرر المراقب الشيخ علي صدر الدين البيانوني إعلانه “أن جماعته ستنشئ حزباً سياسياً جديداً في الداخل عندما تسنح الفرصة بذلك، يضم كل فئات المجتمع السوري، من علمانيين ومحافظين ويساريين وليبراليين، ومن كل تنوعاتهم”. ويلحظ بأن الاقتراح إياه يعتبر “خليطاً غير مفهوم” ولاينسكب في أي قالب كان، فهو بشكل أو بآخر عملية مصطنعة، ولا تعني بالضرورة تطوراً جدياً وحاسماً في المفاهيم السياسية، وعلى الأرجح فإن المرتجى من الاقتراح كان كسب أكبر عدد من المعارضين العلمانيين، كحال عبد الحليم خدام وآخرين، وهذا ما ظهر فعلاً العام الماضي في ما سمي جبهة الخلاص المؤلفة من تيار الإخوان المسلمين ومجموعة خدام ممثلاً للتيار الليبرالي كما بات يصف نفسه أخيراً.
وتبع الموقف إياه، الآن وبعد عام ونيف من الاقتراح الأول الذي أطلقه البيانوني، موقفاً جديداً أعلنته قيادة حركة الإخوان المسلمين في سوريا من لندن، وفيه التزامها ما سمّته وقف سياسة الجماعة الإعلامية المتبعة ضد النظام في سوريا.
وقد يتصور البعض أن موقف جماعة الإخوان المسلمين بمهادنة النظام في سوريا تم على خلفيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كما أعلنت الجماعة من لندن (وهو أمر ايجابي على كل حال) لكن أوساطاً مطلعة قالت إن الجماعة قررت اتخاذ هذا الموقف منذ سنة ونصف تقريباً، وجاء ذلك بعد نقاشات موسعة جرت في أوساطها القيادية، ومع الحركة الاخوانية في مصر والأردن والخليج. حيث كانت فروع الإخوان في هذه الدول توجه انتقادا للجماعة السورية لاتخاذها أسلوب العنف في مواجهة النظام في دمشق، مما جعلها حسب وجهة نظرهم “تخسر قاعدتها الجماهيرية، وتعطي المبررات للمواجهة المسلحة”. وعليه، كما تقول المصادر فان الجماعة توصلت بعد نقاشات واسعة إلى نقد تجربتها خلال العقود الثلاثة الماضية، واقتنعت بان التجرية المصرية والاردنية كانت على صواب من ناحية خوض غمار العمل السياسي والنقابي وحتى عبر الانتخابات.
ومن هذا المنطلق، يشير العديد من التقديرات التي تطلقها مصادر المتابعين الى أن الجماعة باتت عازفة عن تكتيكاتها السابقة، وباتت في موقع اللجوء للعمل المطلبي والقيام ببعض الأنشطة تحت رايته، والموافقة على قواعد الديموقراطية الموضوعة للوصول إلى المؤسسة التشريعية كأحد أهم المعاقل لممارسة العمل السياسي. وقد وجدت قيادة حركة الإخوان المسلمين في سوريا في أحداث غزة اللحظة السياسية المناسبة لبدء العمل في الإستراتيجية الجديدة. فأعلنت الجماعة عن وقف أنشطتها المعارضة للنظام.
– دمشق
النهار