الأخوان المسلمون و قرار جلب البشير
غسان المفلح
ستحاول روسيا والصين الايذهب البشير الى المحكمة الدولية حماية لمصالحهما في ابار النفط السودانية
بعد صدور قرار الاتهام ضد الرئيس السوداني عمر البشير في قضية دارفور, من المحكمة الجنائية الدولية, واتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية, تصدر عنوان ملفت للنظر في الكثير من الصحف العربية, وهو أن هذا الحدث يعد سابقة, لانها المرة الاولى التي يطلب فيها رئيس دولة وهو على رأس عمله, ويمارس مهماته, إلى محكمة دولية وبوصفه متهما وليس شاهدا. هذا العنوان الذي استدعى تعليقا لأحد المعلقين” كيف إذن ستحاكم أي محكمة أي رئيس وهو من مجموعة الرؤساء المفروضين على شعوبهم بقوة الانقلابات العسكرية والدستورية من جهة? ومن جهة أخرى هي المجموعة نفسها التي تأتي إلى سدة الحكم ولا تخرج منه إلا إلى القبر? فمتى إذن سيحاكم مهما ارتكب من جرائم? وما فائدة أي حكم على رئيس ميت? بهذا التعليق نجد أننا أمام مفارقة بسيطة وهي أن كثر من القادة العرب لا يعترفون بقوانين بلدانهم فكيف لهم أن يعترفوا بالقوانين الدولية, كلما تسنت لهم الفرصة أو تعارضت هذه القوانين مع مصالحهم الشخصية? شخصنة القرار الدولي سودانيا وربط مصير السودان وسيادته بشخص الرئيس البشير, أمر يجيده كثير من القادة العرب كلما أثيرت مشكلة ما بشأن ارتكاب أحدهم جريمة ما يعاقب عليها القانون الدولي. ثم يأتينا العنوان الآخر في الصحافة العربية” البشير يعيد هيكلة القوات المسلحة وجهاز الأمن خوفا من متآمرين يقومون بانقلاب عليه وتسليمه” وبهذا الأمر يوضع السودان برمته في قبضة البشير وتحت عصاه “الماريشالية”. التي خاض فيها معاركه الداخلية ضد مواطنيه من كل الأديان والإثنيات. تحولت سيادة السودان إلى معركة يخوضها شخص أساء استعمال سلطته التي اغتصبها بقوة العسكر” قبل أن تُصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب, أفاد استطلاع للرأي نشر في الشهر الفائت أن 91 في المئة من الرأي العام العربي, يرى أن ملاحقات المحكمة تحركها دوافع سياسية. لكن الحقيقة ان الذين يرون ذلك على خطأ في فهمهم لطبيعة الفظائع التي ارتكبت في دارفور, بدءاً بالسبب وطريقة ارتكابها, وصولاً إلى هوية الجاني. ويقضي دور المدعي العام في المحكمة الدولية بالحيلولة دون إفلات المجرم من العقاب ووقفه ووضع حد لتلك الجرائم في دارفور عبر تحميل الجناة مسؤولية ما ارتكبوه لأن في غياب العدالة يصعب تحقيق سلام دائم في دارفور. وإذا كانت المحكمة الجنائية تتمتع اليوم بما يكفي من الأدلة لتوقيف رئيس عربي بسبب اتهامه بارتكاب جرائم بحق الإنسانية وجرائم حرب في دارفور, فهذا يعود بدرجةٍ كبيرة إلى أن الأسرة الدولية, بما في ذلك الدول العربية, لم تفعل الكثير خلال السنوات الست المنصرمة لكف يده.
كما أن المساعدات الانسانية التي قدمها العالم العربي للمدنيين في دارفور كانت شبه معدومة خلال السنوات الأخيرة مقارنةً بجهود الإغاثة الدولية والآن تجمهر حول البشير بعض قادة سلطات لا تعترف بمواطنيها وبحقوقهم, وتعتبر أن تقليد المحاكم الدولية تقليدا خطيرا يخافون تكراره مع هذا النوع من القادة الذين يرتكبون ضد شعوبهم الكثير من الجرائم, منها المعلن والسري. لنلاحظ ان من ركض لدعم البشير سلطات أصلا هي خارجة عن القانون, كإيران والنظام السوري, وغيرهما مضافا إليهم طيف الحركات الإسلامية من “أخوان مسلمين” وغيرهم من الحركات فأبرق له خالد مشعل, و”إخوان مصر وسورية والأردن”. داعمين له, منددين بالسياسة الدولية, من دون أن يكلفوا انفسهم عناء الإجابة ولو الديبلوماسية عن أسئلة بسيطة” ماذا فعل البشير في السودان? وكيف جاء إلى الحكم? وهل جاء بحكم القانون أم بحكم الانقلاب العسكري? ويتحدثون عن مؤامرات واستعمار جديد إلى آخر المعزوفة التي مازالت تتردد منذ أن اعتلى المشهد السياسي ما أسميناه سابقا” تحالف الكراهية” بين نظم مارقة وحركات إسلامية لم تعد قادرة على مواكبة الحدث الدولي وتفاصيل التطور الحضاري لهذه البشرية.
ما لفت نظري في الواقع هو بيان “جماعة الأخوان المسلمين” في سورية. وروح هذا البيان التي يمكن أن يستنتج منها القارئ” استعداد الجماعة كي يكونوا جنودا للدفاع عن عمر البشير, دون أن يتذكروا أن البشير قتل أكثر من 300 ألف مسلم في دارفور عدا عن ملايين المشردين. إنه خلط للاوراق والمفاهيم, ينذر ببلورة جديدة لتحالف الكراهية هذا, نسي أصدقاءنا أيضا أن السيد حسن الترابي زعيم “الأخوان” السودانيين هو الآن في سجون البشير. وربما ينسون بعد فترة وجيزة وليست بعيدة “القانون 49” القاضي بإعدام أي منتسب ل¯ “جماعة الأخوان المسلمين” في سورية? هناك من علق في أحد النقاشات على مواقف “الجماعة” الأخير” أن الجماعة باتت تقاد من قيادة “الإخوان المسلمين” في الإردن ومصر! ولم يوضح أحد كيف مس قرار المحكمة الدولية سيادة السودان?
هذه الكوكبة من القادة والتنظيمات الإسلامية كانت قد رحبت بجلب القادة الصرب إلى المحكمة الدولية لأنهم ارتكبوا مجازرا بحق مسلمي البوسنة! هناك في ذلك القرار لم تكن المحكمة الدولية خاضعة للمؤامرت الصهيونية الأميركية, وهنا بقدرة قادر باتت الآن خاضعة للمؤامرة الصهيونية الأميركية! كيف? من هو الذي لديه أيضا معايير مزدوجة? نعتقد أن المجموعة الدولية لازالت نفسها ولم تتغير, ولازالت المحكمة نفسها ولها القوانين نفسها, منذ جلب القادة الصرب إليها ومحاكمتهم, وحتى صدور قرار اتهام البشير في الرابع من مارس الجاري. هناك فارق ربما بسيط” ان روسيا كانت آنذاك ضعيفة ولم تستطع حماية صربها هناك, ولكن الآن روسيا أقوى, والصين فوق آبار النفط السودانية في الجنوب ستحاول جاهدة كي لا يذهب البشير إلى لاهاي. والطرف الآخر ليس أقل نزاهة في السعي نحو مصالحه, ولكن يبقى السؤال” ألم يرتكب البشير جرائم حرب ضد ملايين السودانيين?
كاتب سوري
السياسة
لعنة الله عليك ياعميل