الإخوان المسلمين وتقشير الخرفان
خلف علي الخلف
لا أرى مبررا لاجتماعات الفصائل الفلسطينية في القاهرة، فقضية فلسطين ستحل قريبا. وعلى الرئيس عباس أن يأخذ إجازة سنوية ويخلد للراحة هو وأركان حكومته وطاقمه التفاوضي.. فالقضية أصبحت على نار الحل القريب. بل على الشعب الفلسطيني أن يكف عن متابعة الأخبار ويتابع المسلسلات التركية والمكسيكية والأرمنية إن وجدت؛ وآن الأوان لأن يتابع برامج الرقص الشرقي دون أن يؤنبه ضميره بأنه يترك قضيته ويتابع الفنون التي لا تقدم شيئا لتقرير مصيره.. وعلى الرئيس أوباما أن لا يقلق على أدائه السياسي في منطقة الشرق الأوسط خلال فترة ولايته طالما أن القضية الشائكة و “أم القضايا” ستحل قريباً! فعلى الجميع إذن؛ أن يناموا قريري العين بعد أن أصبح هناك ضوء في آخر النفق. وعلى وسائل الإعلام والكتاب والجرايد والمدونين والمحللين الاستراتيجيين وغير الاستراتيجيين.. أن “يشوفولهم شغلة ثانية يتسلوا فيها” غير القضية الفلسطينية؛ لأنها ستحل قريباً (بإذن الله). وعلى جماهير قناة الجزيرة أن تدعو ربها بقلوب مسلّمة بقضاء الله وقدره، كي يرسل لها قضية أخرى “تتسلى” بها القناة بعد حل القضية الأساسية…
وحدها إسرائيل عليها أن تربط الأحزمة وأن تستعد لأيامها السوداء القادمة، فقد علق إخواننا “الإخوان المسلمين السوريين” معارضتهم للنظام السوري ليتفرغ بشكل حاسم ونهائي للقضية الفلسطينية ليحلها عن بكرة أبيها. ومن المؤكد أنه سيصنع من “كبكوبة” خيطان القضية المشربكة؛ كنزات صوف دافئة يوزعها على الشعب الفلسطيني قبل أن ينصرم هذا الشتاء. فهنيئاً لأهلنا في غزة تحديداً. بل ربما أيضاً، وخلال تفرغه هذا سيحل قضايا أخرى مستعصية “بطريقه” كقضايا العشوائيات في العالم العربي، وقضية المرحومة سوزان تميم، والأمية، وقضايا الخُلع المرفوعة في محاكم عربية. فقد أصبح لديه وقت فراغ طويل بعد أن علق الأخوان معارضتهم له؛ وقد كان لا ينام ولا يهدأ ولا يفكر بسبب هذه المعارضة غير المعلقة. أما الآن فقد تغير الوضع بعد استجابة الجماعة لتطلعات الجماهير المسلمة من أقصى الهند الصينية الى ألاسكا وعلقت (أنشطتها المعارضة، توفيراً للجهد العام لدعم المقاومة، وانتصاراً لأهلنا في فلسطين) في موقف مدروس “طبعاً” ونتائجه محسوبة بدقة، وقد تخوف العلماء البريطانيون “الذين دائما يكتشفون اكتشافات علمية في المرويات الإسلامية تؤيد ما جاء في القرآن والحديث” من نتائج هذا التعليق على مستقبل التفوق التقني الغربي، وليس فقط على مصير إسرائيل، وشاطرهم التخوف هذا علماء فنلندا والنرويج بينما لم يأخذ علماء أمريكا الأمر على محمل الجد.
كيف لا تقلق إسرائيل، ومن خلفها ومن حولها وكل من يساندها، من هذا التعليق الذي (أثلجَ هذا الموقفُ صدورَ الكثيرين من أنصار الجماعة، وقادة الرأي والفكر في العالمين العربيّ والإسلاميّ، كما أثار هذا الموقفُ بأبعاده، قلقَ الكثير من دوائر العدوان والريبة، على المستويين الدوليّ والإقليميّ..) على ما جاء في تصريح زهير سالم الناطق الإعلامي باسم الجماعة رداً على (الشائعات المثارة بعد الموقف الأخير لجماعة الإخوان المسلمين في سورية). هذا التصريح الذي جاء ليوضح الحقائق ويضعها في (أو على) نصابها الصحيح؛ مفنداً دعاوى وتخرصات الدوائرُ المشبوهةُ التي بثّت أخباراً كاذبة، ونشرت تقارير ملفّقة، في محاولاتٍ يائسةٍ ومكررة، “وبالطبع الأمر ليس جديداً على تلك الدوائر منذ عهد الخطابة الوطنية الأول، إلى موقف الجماعة الأخير” لتشويه صورة الجماعة، وإثارة البلبلة والشكوك حولَ مواقفها وسياساتها… وهذا دائما يحدث ودائما تقوم به “أي الدوائر” لكن دائما أيضاً تكون محاولاتها مكشوفة حتى للعميان من الشرفاء، فتلجأ تلك الدوائر “تساندها المستطيلات والمربعات وبعض المنحنيات” الى اختلاق وبث تقاريرُ وأخبارٌ لا أصلَ لها.. وللأسف فإن بعض المستطيلات المشبوهة “التحديد مطلوب هنا كي لا نقع في الديماغوجيا والتضليل” غامرت بسمعتها ومصداقيتها، وتحدثت (عن وساطةٍ إيرانيةٍ بين الجماعة والنظام). بل إن بعض تلك الدوائر، التي “للصدفة” لم نعرف لا مركزها ولا محيطها ولا نصف قطرها (تحدثت عن لقاءٍ مرتقَبٍ بين المراقب العام للجماعة والرئيس السوري بشار الأسد، ناهيك عن حديثها حول وساطةٍ تركيةٍ أو قطرية، أو عن دورٍ لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، أو لمكتب الإرشاد…)
وقد ابتهجتُ عندما وجدتُ، في تصريح زهير سالم الناطق باسم الجماعة، جملة من نوع (إنّ من حقّ الرأي العام علينا، ومن حقّ إخواننا وأنصارنا وأصدقائنا وحلفائنا.. أن نوضّحَ لهم…) وإذ لم أكن يوما من أخوان الجماعة أو أنصارها أو أصدقائها أو حتى حلفائها؛ فأني أعتبر نفسي دوماً من الرأي العام، ومن حقي أن أعرف؛ وإلا لماذا وجدت وسائل الإعلام والتصريحات والبيانات أصلا.. إنها بالتأكيد لإطلاعي على الحقائق التي غابت أو غيبت في الزحام، بقصد أو دون قصد.. إلا أني “كرأي عام” وبعد قراءة التصريح كاملا وعدة مرات، وبعد قراءاتي “أيضاً” لما كتبه أنصار ومقربون من الجماعة، لم أفهم سبب التعليق ولم أفهم “لماذا التعليق ولماذا الآن يا سيدي” وهي جملة حفظتها من أناس يطلّون على الرأي العام من وسائل الإعلام إثر كل قضية غير واضحة، له. “أي الرأي العام”.
من حق الإخوان المسلمين والإخوان العلمانيين والشيوعيين والديمقراطيين و… أن يعلقوا ما شاءوا أينما شاءوا، وأن يدقوا المسامير المناسبة ليعلقوا عليها ما يريدون؛ لكن عندما يتحدثون باسمي أو يتوجهون إلي من حقي أن أقول لهم: والله لم افهم شيئا من القضية. علما أني فعلت ما طالبني به زهير سالم في تصريحه الذي جاء فيه (وإنه لجديرٌ بكلّ الأطراف على الساحة الوطنية، أن يعيدوا قراءةَ الموقف في ضوء المستجدّات الدولية والإقليمية، وفي ضوء الحقائق الموضوعية التي تحكمُ الحاضرَ والمستقبلَ على السواء.) فعلت هذا حرفياً؛ ومع ذلك لم يزد الأمر لي إلا “طلسمه”؛ وأنا أقرأ عادة بعيون مفتوحة لا مغمضة، ولا نصف مغمضة حتى. وأؤكد للجماعة أني لم أكن يوما لا دائرة ولا مستطيل ولا مربع، ليقع عليّ ظنهم بأني ربما أكون مشبوهاً. إلا أني أرجو من “الجماعة” أن تتقبل اعترافي بأني أعيتني الحيلة تماماً وحرفياً في فهم ما جرى، بعيداً عن استنتاجات تلك الدوائر والمستطيلات. وإذ لا أريد أن اكرر تساؤلات كتبها كتاب قبلي حول هل اكتشف الإخوان المسلمين القضية الفلسطينية فجأة؟ أم اكتشفوا أنهم يلهون النظام الصادق الأمين عن حلها “فجأة أيضاً”؟ فأنا أريد أن أعلن “للجماعة” بأني خائف صراحة، وجداً أيضاً، وأرجوا أن لا يفاجئهم الأمر. ومنبع خوفي قادم من أن يستغل النظام تعليق الأخوان لمعارضتهم على مسمار غزة، ليستمر في تعليقنا واحداً واحداً على مسامير فروع الأمن وأقبية المعتقلات، ويصنع منا كنزات صوف لنفسه، ولا يعطيها لأهلنا في غزة؛ خصوصاً وأنه كان يأكل تبرعاتنا لـ “أهلنا في الأرض المحتلة” دوماً بحجة أن إسرائيل لا تسمح له بإيصالها لهم!!
إلا أني رغم خوفي أوافق الزميل ماركس بأن لكل مسمار “يفوت بالحيط” ونعلق عليه ملابسنا المتسخة ”أو حتى النظيفة أو المغسولة” جانب إيجابي رغم آلام المسمار. إذ بعد أن دق النظام الكثير من المسامير وعلق عليها من علق من الناشطين، صمت آخرون لم يعلقهم بعد، وهؤلاء الأصدقاء كانوا معتادين على إرسال البيانات والتصريحات والمقالات وأخبار المحكمة الدولية وكتاباتهم… لكنَّ عادة الإرسال بقيت لديهم، فأبدلوا محتوى الرسائل، فصاروا يرسلون لنا يوميا بعض الصور الغريبة، عن أعضاء وفود ينامون في الاجتماعات، أو وزير يقرأ كتاباً بالمقلوب، أو عن أول عارضة ستربتيز عربية تحتل غلاف مجلة بلاي بوي، أو صور لمطار دبي الحديث… وإن لم يجدوا شيئاً من ذلك، فإنهم يرسلون بعض النكات الخفيفة والتي أجدها أروح للنفس من تلك التصريحات والبيانات التي كانوا يرسلونها. وقد جاء في أحدها أن: بنت دلوعة يعمل والدها جزاراً، سألها أصدقاؤها في الجامعة: ماذا يعمل والدك. فقالت: بابي بيقشر خرفان.. أعتقد أن موقف الجماعة وبيان الناطق الإعلامي باسمها هو تقشير خرفان.
خاص – صفحات سورية –