اسرائيل

تحسن الأداء العربي تجاه إسرائيل لا يُخرج من «الورطة»؟

حسن شامي
ليس تمريناً بلاغياً أن نتوقف بعض الشيء عند تصريح لافت صدر قبل أيام عن زعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني، المرشحة لرئاسة الحكومة الإسرائيلية وسط تنافس محموم مع خصمها الانتخابي زعيم حزب الليكود بنيامين نتانياهو الأوفر حظاً على ما يبدو. فقد دعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية أي حكومة مقبلة، أكانت برئاستها أم برئاسة منافسها، الى الالتزام بتطبيق خطة أنابوليس التي رعتها الإدارة الأميركية السابقة وهي على مشارف مغادرة الحكم. وبرّرت ليفني دعوتها، غداة الانتخابات الإسرائيلية، وفي أعقاب حرب تدميرية على غزة، بضرورة الحصول على تأييد دولي لمواجهة إيران المتزايدة النفوذ الإقليمي، والمحتفلة شعبياً ونووياً وقمراً صناعياً بالذكرى الثلاثين لثورتها الإسلامية الجمهورية.
ينبغي التذكر، ها هنا، بأن الخطة المذكورة لم ترق الى مصاف «الوديعة» ولا حتى الى صفة «الخديعة» التي هي، منذ زمن سحيق، من لوازم السياسة. فقد جرى، في اليوم التالي للإعلان عن خط أنابوليس، ما يمكن وصفه بالموت والدفن المبكرين. إذ أعلنت الحكومة الإسرائيلية آنذاك، قبل أن يجفّ حبر بنود الخطة، عن توسيع الاستيطان في الضفة وحول القدس الشرقية.
ليس مستبعداً أن تكون «صحوة» ليفني المتأخرة محاولة لضرب عصافير عدة بحجر واحد. فهي، أولاً، تنطوي على توجيه رسالة الى الإدارة الأميركية الجديدة المتطلعة الى ترميم صورة الولايات المتحدة في العالم كقوة عظمى ونموذجية على غير صعيد، كما يستفاد من تصريحات الرئيس باراك أوباما وأركان إدارته. وهي تنطوي، ثانياً، على إخراج خصمها نتانياهو باعتبارها أقلّ تطرّفاً منه ومن حليفه المحتمل أفيغدور ليبرمان الذي نقلته الأقدار من حماية وحراسة علب الليل في روسيا الى تزعم القوة السياسية الثالثة في إسرائيل، والى أن يكون ناخباً أكبر وحكماً حاسماً في أي ائتلاف لتشكيل الحكومة المقبلة. وتنطوي الدعوة، ثالثاً، على إبداء ليونة، وإن عابرة، من شأنها تلطيف الارتباك والاهتزاز اللذين أصابا السلطات العربية والفلسطينية الموصوفة بالاعتدال. وتنطوي رابعاً على توجيه رسالة إيجابية الى دول الاتحاد الأوروبي ودوائرها الإعلامية والدعوية بحيث يمكن للناشطين فيها أن يستأنفوا الوعظ واعطاء الدروس.
وإذا قارنا بين الليونة المستجدة لليفني وبين إعلانها، في بداية الحرب على غزة، أن دولتها تخوض حرباً ضد «حماس» بالوكالة، بدا أن ثمة شيئاً حصل خلال الأسابيع الثلاثة للحرب، على المستويات والدوائر المذكورة كلها، وهو شيء يحمل صفة الحدث بامتياز مما يستدعي تعقّله والتقاط دلالاته وتبعاته.
وعندما أعلن ايهود أولمرت أن هدف حكومته من الحرب على غزة هو إضعاف «حماس» لتقوية سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لا نشك في أن هذا الأخير تمنى أن يسكت أولمرت، وأن يتوقف عن لعبة الإعضال المدروس والدفع حثيثاً نحو الحرب الأهلية بين الفلسطينيين. ثم انعقدت القمة العربية في الكويت، مسبوقة بقمة أصغر في الدوحة، وجرى التلويح بسحب المبادرة العربية للسلام الشامل، وان كانت غير موضوعة على طاولة التفاوض إذ رفضتها حكومة آرييل شارون بعد ساعات فقط من الإعلان عنها.
وفي قــمة الكويــــت ألقى الرئيس المصري حسني مبارك كلمة مطولة قال فيها أشياء مهمة تستحق الانتباه، خصوصاً لأنها صادرة عن رئيس الدولة الأكثــــر وزناً في المنطقة لاعتبارات تاريخية وجغرافية – سياسية، ناهيك عن كون مصر بلد الثمانين مليونــاً والتشكّل الاجتماعي الأكثر تجانساً والأقلّ ولاء لعصبيات القبائل والعشائر والمذاهب. لكنن“`ا لا نعلم من كان يقصد بقوله، في كلمته هذه، إن «هناك من فصائل المقاومة من يعترف بأن ميزان القوى الدولي ينحاز انحيازاً واضحاً لإسرائيل، ويدعون للانتظار لحين بزوغ نظام دولي أكثر عدالة، حتى لو استغرق ذلك عقوداً طويلة، فهل يستقيم هذا المنطق؟ هل تحتمل معاناة الشعب الفلسطيني هذا الانتظار؟ وهل نستمر في الانتظار والاستيطان يقتطع الأراضي المحتلة يوماً بعد يوم؟». سنضع جانباً مفارقة إطلاق صفة المقاومة على من يدعو الى الانتظار عقوداً طويلة أن يهلّ علينا نظام دولي أكثر عدالة. سنتوقف عند الطابع البرنامجي للتشخيص المتسائل الذي قدّمه الرئيس المصري. فهو يشي باستشعار الحاجة الى تبديل ما في الأداء السياسي العربي. وهذا ما يبدو من النشاط الديبلوماسي المصري لتثبيت التهدئة ورفض الشرط الإسرائيلي المستــجـــد، كقيمة مضافة، والمتعلق بإطلاق الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط.
فلسطينياً، رفض صائب عريقات، رئيس دائــــرة المفاوضات، الطرح الإسرائيلي جملة وتفصيــلاً لأنه محض ابتزاز للفلسطينيين ويتناقض نصاً وروحاً مع اتفاق المعابر لعام 2005 ويتناقض مع المبادرة المصرية. كذلك بدأ الرئيس الفلسطيني أبو مازن يتشـــدّد في شروط استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين مشترطاً توقف الاستيطان. على أن تحسين الأداء لا يكفي لتحويل التشخيص الى برنامج فعـــل سياسي، إذ ما يـــزال دونـــه الكثير من استجماع الشروط، من بينها اعادة بنــــاء الحركة الوطنية الفلسطينية وصياغة مرجعية سياسية جامعة ومشتركة تستند الى التمثيل الانتخابي والشعبي والحق في مقـــاومـــة الاحـتـــلال (ليس فقط بالسلاح).
ومـــن هذه الشروط، إن لم يكن في مقدمها، أن تكفّ السلطة الفلسطينية عن التصرف كما لو أنها متورطة في الحفاظ على ارث اتفاقية أوسلو بعد أن قضى عليها آرييل شارون وخلفه، جاعلاً من دفن أوسلو عنوان حملته الانتخابية من دون أن يحتج الوعاظ ومانحو الدروس في الإدارات الغربية.
ويقتضي ذلك، كما نعلم، أن يكف العرب عن التصرف كما لو أنهم «متورطون» في القضية الفلسطينية تورّط الهارب من أثقال التاريخ والجغرافيا والسياسة، ممنياً نفسه بالخلاص منها كيفما اتفق في ما يشبه «استراتيجية» النعامة.
ذلك أن القضية الفلسطينية هي، حرفياً قضية عربية، وهي أيضاً دولية بقدر ما تكون سياسات الغرب عالمية ومعها المسألة اليهودية ومن ثم ولادة الدولة العبرية. ولا نقول ذلك باسم أخوة مفترضة، عربية كانت أم إسلامية أم إنسانية، بل لأن التلازم بينهما كان في صلب التشكل السياسي للكيانات الوطنية الحديثة. لقد شاركت خمس دول عربية في حرب عام 1948، وخسرت الحرب، وهي تتحمل مباشرة مسؤولية تاريخية عن مآل الحرب وتبعاتها. الاستمرارية التاريخية لا تعني عدم التبدل والتحول والتغير في عالم يتغير. بل تعني تعهد الماضي بمسؤولية تضاهي تفعيل الحاضر. غير ذلك لن يعطي للدول أعماراً أطول من أعمار العصبيات الخلدونية وأجيالها. وهذا بعض ما تعلمناه من الحداثة.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى