قمة المصالحة قد تفجّر خلافات
عبد الباري عطوان
قمة الرياض المصغرة التي ضمت زعماء مصر وسورية والمملكة العربية السعودية بالاضافة الى امير الكويت، من المفترض ان تؤدي، مثلما هو معلن، الى تنقية الاجواء العربية، وتحقيق المصالحة المنتظرة، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى انجاح قمة الدوحة العربية العادية المنعقدة في نهاية هذا الشهر، ولكن المخاض العسير الذي سبق انعقادها يوحي بأنها قد تؤدي الى خلق مشاكل خلافية جديدة دون ان تنجح في تسوية الخلاف الذي انعقدت من اجله بين اضلاع المثلث السوري ـ المصري ـ السعودي.
اولا: جرى استبعاد دول الاتحاد المغاربي بالكامل من الاتصالات والمشاورات لتنقية الاجواء العربية، وجرى اقتصارها على دول المشرق فقط، رغم ان الدول المغاربية توجد في المعسكرين الممانعة (الجزائر وموريتانيا وليبيا) والاعتدال (المغرب وتونس) وشاركت في قمتي الدوحة الطارئة والكويت الاقتصادية.
صحيح ان الخلافات في معظمها هي بين دول مشارقية بالدرجة الاولى، ولكن الصحيح ايضا ان تجاهل هذه الكتلة السياسية والبشرية الهائلة التي تمثل الجناح الثاني للوطن العربي هو خطأ استراتيجي كبير ربما تكون له تبعاته السلبية مستقبلا.
ثانيا: نجاح المملكة العربية السعودية وعاهلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في جمع الرئيسين المصري حسني مبارك والسوري بشار الاسد سيخلق نوعا من الحساسية لدى ليبيا وزعيمها معمر القذافي، خاصة تجاه جارته مصر ورئيسها، فقد حاول الزعيم الليبي ترتيب مصالحة بين زعيمي مصر وسورية على هامش دعوته لعقد قمة تشاورية حول مسألة الاتحاد المتوسطي الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ولكن الرئيس مبارك قرر مقاطعة الاجتماع في اللحظة الاخيرة حتى لا يلتقي نظيره السوري.
ثالثا: استبعاد دولة قطر من حضور القمة المصغرة، بسبب ‘تحفظات’ مصرية، وهي راعية القمة المقبلة، ربما يخلق نوعا من المرارة لدى قيادتها، مرارة تجاه مصر التي تحفظت، والسعودية التي لم توجه الدعوة، وسورية التي شاركت. ويبدو ان القيادة السورية تخلت عن حليفها القطري، والسعودية عن حليفها الاردني، ومصر عن حليفها الاماراتي. وكان لافتا سفر امير دولة قطر الى طهران للمشاركة في القمة الاقتصادية التي دعت اليها في الوقت الذي انعقدت فيه قمة المصالحة في الرياض، وادلاؤه بتصريحات تشيد بالقوة العسكرية الايرانية واهميتها للعالم الاسلامي.
رابعا: الاجندة السياسية لقمة المصالحة الرباعية هذه غير واضحة، فهل هي من اجل حصار ايران، وكسر العزلة عن سورية، ام انها لاستخدام سورية بحكم علاقاتها التحالفية القوية مع الاولى، للقيام بدور وساطة معها لفتح قناة حوار واتصال، أسوة بما تفعله الادارة الامريكية حاليا؟
تجميد الحروب الاعلامية هو عنوان اي مصالحات عربية، ثلاثية الأطراف أو ثنائيتها، والبند الأول في بيانها الختامي، وهذا ما يفسر هدوء الجبهة الاعلامية المصرية تجاه سورية ونظامها في الأيام القليلة الماضية، ولكنه قد يكون هدوءاً مؤقتاً، بسبب ضعف الأرضية التي ترتكز عليها المصالحة، وصعوبة تجاوز الخلافات الاستراتيجية، وأبرزها التحالف السوري – الايراني وتفرعاته، وعدم وجود ضمانات بنجاح حوارات القاهرة بين الفصائل الفلسطينية.
قناة ‘الجزيرة’ الفضائية يمكن ان تعطينا مؤشراً آخر في هذا الصدد، ومن يتابع برامجها هذه الأيام، وكيفية تعاطيها مع القمة المصغرة ووقائعها، يجدها تتمتع بالكثير من الحيادية وضبط النفس، وهي حيادية نادرة تجاه مثل هذه القضايا بالنسبة إلى ‘الجزيرة’ والقائمين عليها. وهناك تفسير واحد لهذه الظاهرة، يتلخص في سياسة ‘كظم الغيظ’ وتجنب تعكير الأجواء، والحفاظ على شعرة معاوية مع كل الأطراف، على أمل ضمان مشاركة الجميع، وخاصة الرئيس مبارك في قمة الدوحة نهاية هذا الشهر، وهي مشاركة مشكوك فيها حتى الآن.
لا نستطيع ان نعقد آمالاً عريضة على هذه القمة من حيث تبديد الغيوم في سماء النظام الرسمي العربي، أو انقاذ هذا النظام من حال العجز والانهيار التي يعيشها، بعد ان فَقَدَ الكثير من مصداقيته، ان لم يكن كلها، عندما ظهر بمظهر المتواطئ مع العدوان الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وخسر الادارة الأمريكية الجديدة، باذعانه الكامل للادارة السابقة.
فإذا كان الهدف من هذه المصالحة الثلاثية إبعاد سورية عن ايران، واعادتها إلى محور الاعتدال بعد تغيير جلده، ولو بصفة مؤقتة، فإن هذا الرهان محكوم عليه بالفشل، لانهم لا يستطيعون تقديم أي شيء لها في المقابل، ولأنهم هم الذين ذهبوا إليها، وبعد ان تقاطر على عاصمتها زعماء ومبعوثون أمريكيون وأوروبيون.
التحالف الايراني – السوري على درجة من القوة والصلابة بحيث لا يمكن كسره بلقاء شكلي في الرياض أو غيرها، خاصة ان هذا التحالف حقق انتصارات كبيرة في الفترة الأخيرة أبرزها دحر حلفائه الشيعة للعدوان الاسرائيلي على لبنان (حزب الله) في حرب تموز (يوليو) عام 2006، وصمود ‘جناحه السني’ في وجه عدوان اسرائيلي آخر على قطاع غزة، وتسليم أمريكا بقوة ايران كدولة اقليمية عظمى ودعوتها للمشاركة في مؤتمر حول أفغانستان في بروكسل الشهر المقبل.
الرياض والقاهرة يمكن أن تبعدا سورية عن ايران لو كانتا على درجة من القوة والنفوذ تمكنهما من اعادة الجولان لها مثلاً، ولكن اذا كانتا قد عجزتا عن كسر حصار على قطاع غزة، واقناع الادارة الأمريكية بتطبيق مبادرة السلام العربية، وحل أزمة الفراغ الدستوري في لبنان، فهل تستطيعان اعادة الجولان أو حتى مزارع شبعا؟
علينا ان نعترف بأننا ضعفاء مهزومون، لا نملك مشروعاً، ونفتقد إلى الحد الأدنى من الفعل السياسي المؤثر. وقوة سورية الحالية ليست ذاتية، وانما نابعة من تحالفها مع دولة قوية صلبة اسمها ايران، وانحيازها إلى خيار المقاومة، ومجرد ان تفك تحالفها هذا، وتبتعد عن المقاومة ستصبح مثل من تتصالح معهم في الرياض، دون أي دور أو وزن في المعادلات الاقليمية والدولية الاستراتيجية.
المثلث المصري – السوري – السعودي الذي حكم المنطقة لأكثر من ثلاثين عاماً لن يعود إلى صورته السابقة، ليس لان الزمن تغير، والتحالفات تغيرت، ولان قوى جديدة ظهرت، وأخرى اختفت، وانما لأن هذا المثلث يتحمل المسؤولية الأكبر عن حال الانهيار التي وصلت إليها الأمة العربية في المجالات كافة.
الدبلوماسية السورية أثبتت مقدرة كبيرة في المناورة، والرهان على كسب الوقت، والعمل بذكاء لكسر العزلة الدولية كمقدمة لكسر العزلة العربية، واستخدمت كل ما في يدها من أوراق في هذا الصدد. وليس أدل على نجاحها غير هذه الهرولة إليها من قبل دول محور الاعتدال تحت عنوان ‘مضلل’ اسمه تنقية الأجواء العربية. السوريون يكسبون، بينما يخسر الآخرون، ولهذا ستظل المصالحة شكلية.
القدس العربي