أوباما.. ومرحلة ما بعد بوش
سمير التنير
يطرح اليوم السؤال بقوة على باراك أوباما، بعد انتهاء حقبة بوش وما جلبته من خراب ودمار على الصعد السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة. وفي البدء خسارة سمعتها على امتداد العالم كله، وتراجع مشروعها الامبراطوري: هل سيستطيع باراك أوباما تصويب المسار واستعادة المكانة لدولة تدعي قيادة العالم، ام ان مسار الانحدار هو أكبر من قدرته؟
تقف الولايات المتحدة اليوم على مفترق طرق، سواء أفي سياستها الداخلية او في سياستها الخارجية، وما حدث حتى الآن لا يغير من السياسة القديمة أي شيء. لقد دفعت الولايات المتحدة ثمنا باهظا في الحرب على العراق. كما ان الحرب الوقائية لا يمكن لها أن تكون حجر الأساس في أي استراتيجية أميركية. فقدرة الادارة الجديدة ستكون محدودة من جراء تراكم الاخطاء والهزائم، وإصلاح الصدقية الاميركية ستحتاج الى وقت طويل.
لقد أظهرت الانتخابات الرئاسية ان نزع الثقة عن المحافظين الجدد وبرنامجهم قد أُنجز، وان الواقعيين قد استعادوا السلطة على السياسة الخارجية الاميركية، وان زمن عقد الصفقات قد عاد. ان الانسحاب من العراق سيدخل الولايات المتحدة في دورة اخرى من الانسحابات مثل تلك التي حدثت بعد حرب فيتنام. ولكن إبقاء عدد كبير من القوات الاميركية في العراق بعد شهر آب عام 2010 يعني أن العراق سيبقى الى وقت طويل، تحت الانتداب الأميركي.
تعني عودة الواقعيين الى الادارة الاميركية الجديدة، الاعتراف بأهمية ما يجري في داخل الدول الأخرى بالنسبة الى النظام العالمي، وتعني ايضا نزع «العسكرة» عن السياسة الخارجية الاميركية وإعادة العمل على انواع اخرى من أدوات السياسة. الا انه يبدو ان الواقعيين لا يستبعدون أسلوب الحرب الوقائية، وتغيير أنظمة الحكم عن طريق التدخل العسكري. كما ان أوباما تبنى كل آراء جنرالات الحرب في العراق، ولم يف بما قطعه على نفسه إبان الحملة الانتخابية بشأن الانسحاب من العراق في مدة 16 شهرا.
ان اعادة رسم استراتيجية جديدة للولايات المتحدة، تقتضي الاطلاع على ما أعدته أجهزة الاستخبارات الاميركية المتعددة التي نشرت منذ وقت قصير «التيارات العالمية لعالم متحول» Global trends 2025: A transformed world. والذي يعتبر ان السياسات التي اتبعت بعد الحرب العالمية الثانية، لن تعود صالحة بعد عام 2025. وتقول الوثيقة انه نظرا لصعود الدول الناشئة، والاقتصاد المعولم، وانقلاب موازين القوى دراماتيكياً، فإن الثروة العالمية سواء بحجمها أو سرعتها، تتحول من الغرب إلى الشرق. وهذا الأمر لا سابق له في التاريخ المعاصر. لقد بدأ ذلك التحول مع اليابان في الخمسينيات، وتواصل مع النمور الآسيوية في الستينيات، ومع الصين في الثمانينيات، ومع البرازيل والهند في التسعينيات، وهو تحول مستمر ومرشح للبقاء طويلا.
وبالنسبة لبعض البلدان فإن الأزمة الاقتصادية الحالية ستسرع العملية (أي تحول ميزان القوى) ففي العقدين الاخيرين بلغت نسبة النمو في الصين 9 ٪ بينما كانت في الولايات المتحدة 3 ٪. وفي السنوات القادمة ستبلغ نسبة النمو في أميركا 1٪، بينما ستكون في الصين 5 ٪. كانت الصين تنمو بنسبة ثلاثة أضعاف النمو الاميركي. أما الآن فالنسبة ستكون 5 الى 1. وبعد ذلك سيتساوى الاقتصاد الصيني بالاقتصاد الاميركي. وصعود الدول الناشئة لن يكون اقتصاديا فقط، بل سياسي، وعسكري وثقافي ايضا.
واذا عدنا الى منطقة الشرق الأوسط نرى ان سياسة بوش الاحادية، (التي حاول المحافظون الجدد الافادة منها كي يؤبدوا الهيمنة الاحادية الاميركية على العالم) قد انقلبت الى كارثة على العالم وعلى الشرق الاوسط خاصة. فقد أفقدت سياسة بوش الشرق أوسطية التوازن الذي كان موجودا، وأراد المحافظون الجدد إعادة رسم خريطة المنطقة من جديد على اعتبار ان الولايات المتحدة خرجت منتصرة من الحرب الباردة، فإذا بها بعد أقل من عقدين، على انتهاء تلك الحرب، تواجه صعوبات جدية في مشروعها للسيطرة على العالم بدءا بمنطقة الشرق الاوسط، خزان النفط الاساسي وعصب الاقتصاد العالمي. ان المشروع التوسعي الاميركي آخذ بالانهيار، وبوادر النزاعات التي أطلقها المحافظون الجدد بدأت بالظهور على شكل فوضى لن يسلم منها بلد في المنطقة. والانسحاب الذي أعلنه أوباما من العراق لا يعد انقلابا على سياسة بوش بل تماهٍ معها.
لقد فقدت الولايات المتحدة عموما قدرتها على التأثير في مجرى الأحداث في الشرق الأوسط، ويعني ذلك ضعف قدرة أوباما على تشكيل الأحداث وممارسة نفوذه عليها. وما القول باعتماد سياسات واقعية وسليمة إلا نيات لم تدخل بعد في حيز التنفيذ والمهم هو الانتقال من سياسات القوة إلى سياسة الانفتاح والشراكة، على النطاق الدولي، وتغيير السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، والتي تحققت جزئيا باعتماد الكونغرس خطة التحفيز الاقتصادي البالغة أكثر من 870 مليار دولار.
هناك قضايا أخرى بالغة الأهمية على الصعيد الدولي، ومنها مسألة اللامساواة، حيث لا وجود لمؤسسات دولية قادرة على التصدي لها (بما فيها مجلس الأمن الدولي). كما أصبحت عبارة «الحرب على الارهاب» مصدر خلاف وانقسام بين حلفاء الولايات المتحدة. اذ اعتبر المسلمون في العالم ان تلك الحرب موجهة أساسا ضدهم. وعلى أوباما تبديد هذا الاعتقاد. وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
ان العالم الذي يواجهه أوباما يتميز بصعود قادة جدد على المسرح الدولي مثل فرنسا وبريطانيا واليابان وروسيا. ولعل ذلك يطرح فرصا جديدة لحل بعض المشاكل المستعصية. ومن تلك المشكلات مسألة الاحتباس الحراري وتداعياته الكارثية على العالم، حيث ترفض الولايات المتحدة والبلدان الصناعية تقديم تنازلات في هذا المجال. وليس رفض توقيع اتفاقية كيوتو إلا خير دليل على ذلك. ومن المشكلات التي يواجهها أوباما ايضا مشكلة الطاقة، التي تعاني منها البلدان الصناعية الكبرى، اذ تستهلك منها كميات كبرى وبشكل مفرط بالرغم من ندرة النفط. كما تعاني ايضا كثرة من البلدان وخاصة في افريقيا الفقر المدقع، مما يدفع بعض الفئات الى اعتماد خيار «الارهاب» للرد على حالة الفقر هذه. ومن المشاكل ايضا الأخطار النووية وسعي كثير من الدول للحصول على أسلحة نووية.
ان التحول من الأحادية القطبية، الى عالم متعدد الأقطاب، يفرض تغييرا شاملا لمعظم السياسات الاميركية. ان ذلك سيؤدي الى إفادة معظم البلدان النامية، لان استراتيجية الولايات المتحدة ستصبح مقيدة. كما ان دولا كبرى اخرى مثل فرنسا، تفضل تعدد الأطراف. ان ذلك يفرضه الوضع الدولي الحالي. المؤدي الى عالم أكثر أمنا، غير خاضع لأهواء دولة عظمى تفعل ما تريد، وتثير حروبا وفوضى لا يمكن قبول استمرارها بأي حال من الأحوال.
([) كاتب لبناني