من رشيد الخالدي إلى أوباما
سعد محيو
باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الجديد، معروف بأنه قارئ نهم ومثقف مشهود له بقدرة المتابعة.وفي مقابلة أجريت معه قبل أيام، أشار إلى أنه لا يقرأ الآن سوى بعض الصحف والمجلات الأسبوعية، وأنه يركز بدلاً من ذلك على مطالعة عروض الكتب قديمها والجديد. وعلى رغم أنه لم يحدد عناوين هذه الكتب، إلا أن مصادر مقربة منه قالت إن أحدها هو كتاب رشيد الخالدي الأخير “بعث الإمبراطورية” الذي صدر مؤخراً عن مؤسسة بروكينغز.
لماذا قد يهتم أوباما بمثل هذا الكتاب؟
لأن الخالدي حاول أن يوضح فيه أسباب تعثّر سياسة الرئيس بوش في الشرق الأوسط، عبر طرح أسئلة مهمة من نوع: لماذا تدهورت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط الى هذا الحد؟ هل السبب هو عدم كفاءة الإدارة السابقة، أو فشلها في تأمين الدعم والشرعية الدوليين الكافيين قبل التوجه الى الحرب؟ أم بسبب فشلها في وضع الخطط لحقبة ما بعد الحرب، في إطار ما يعرف ب”بناء الأمة”؟ أم لأنها لم توفّر ما يكفي من القوات العسكرية لضمان الأمن؟ أم أن السبب يكمن في أن هذا المشروع كان محكوماً عليه أصلاً بالفشل من البداية، بسبب المضاعفات الحتمية لخطة سيئة التحضير؟
رشيد الخالدي، وهو أستاذ الراحل الكبير إدوارد سعيد في دائرة الدراسات العربية في جامعة كولومبيا، يرى عكس كل ذلك. فهو يجادل بأن الولايات المتحدة، بتجاهلها الخبراء الذين يعرفون ويفهمون تاريخ الشرق الأوسط، كانت تعانق الكارثة. فهذه المنطقة غنية بتاريخ يعج بالثورات ضد الاحتلال الأجنبي، وهي تفيض بالكراهية ضد تلك القوى الخارجية التي تسعى الى تحديد مصيرها. ومع ذلك ، فإن أيا من اللاعبين الأمريكيين الرئيسيين الذين اتخذوا قرارات الذهاب الى الحرب، كانوا لا يعرفون أي شيء عن هذا التاريخ.
ويشدد الخالدي على أنه من المهم فهم ما حدث في هذه المنطقة من العالم قبل قرن، حين تم ضرب وإفشال التجارب الدستورية والديمقراطية الرائدة على يد التدخل البريطاني والفرنسي. فالاحتلال والنضال من أجل التحرير اللذان تليا ذلك، لايزالان يحتلان موقعاً بارزاً في تاريخ المنطقة. ويقول إنه حتى الجيل العربي الجديد لايزال واعياً بقوة لما تمت خسارته للاحتلال الأجنبي قبل سنوات طويلة.
ونتيجة لذلك، كان محتماً أن يرى سكان المنطقة الى التدخل الأمريكي من منظور هذا المفهوم السابق. ويختم الخالدي: المسألة الحاسمة هي ما إذا كانت الولايات المتحدة ، بقيامها بغزو واحتلال وفرض نظام جديد على العراق، تحذو حذو القوى الاستعمارية القديمة. لا بل أسوأ: هي ربما تفعل ذلك في منطقة لاتزال ذاكرتها الحية تختزن صور النضالات الطويلة لطرد تلك القوى الاستعمارية المكروهة.
هل سيقبل أوباما أطروحات الخالدي هذه؟ وإذا ما قبلها، هل سيكون مستعداً لاعتبار تطلعات شعوب الشرق الأوسط جزءاً من مستلزمات المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة؟
الكثيرون يأملون ذلك. لكن هؤلاء الكثيرين يعرفون أن ثمة رئيساً وحيداً طيلة مائة عام أطل بإيجابية نسبية على التطلعات القومية العربية (إبان الحقبة الناصرية في الخمسينات) وهو جون كينيدي، وأن هذا الرئيس سرعان ما سقط مضرجاً بدمائه بسبب اندفاعاته العادلة في الداخل والخارج. ولأنهم يعرفون، فهم حذرون للغاية في تفاؤلهم.
قراءة ممتعة سيد أوباما.
الخليج