صفحات العالم

الآن علينا ان نتغاضى عن قناعاتنا وأن… نفوز في الإنتخابات

حازم الأمين
هل يمكن للبناني ان يحدد ملامح مرشح للإنتخابات النيابية المقبلة من خارج المواصفات التقليدية لقوى 14 و8 آذار، وايضاً من خارج ما بات يسمى الكتلة الوسطية؟ بمعنى آخر، هل يمكن طرح مواصفات مرشح يتحدى ما بات معروفاً من شروط الترشح من خلال الفرز الحاصل، من دون ان يسقط في فخ إجرائه تسويات كتلك التي يقول اصحابها: «انا ضد النفوذ السوري في لبنان، لكنني مع سلاح المقاومة»، وهو ما تميل «الوسطية» لتكريسه، والأرجح انها ستنجح.
المقصود بالسؤال اعلاه، هل من الممكن ان يخوض مرشح ما الإنتخابات بمواصفات مستقلة فعلاً؟ ان يقول في برنامجه الإنتخابي مثلاً: «انا مع احتكار الدولة حمل السلاح، وانا ضد عملية التوريث الواسعة التي باشرتها 14 آذار من خلال ترشيحها اكثر من 5 ورثة مقاعد». او ان يقول «أريد ان أكرس التمثيل الشيعي في المعادلة عبر خوض معارك مكلفة انتخابياً لإنتاج كتلة شيعية من خارج أمل وحزب الله، لا من خلال تسويات مع هذه القوى تساهم في تكــريسهـــم ممثليــــن أبدييـــــن للشيعــــة». وثمة عشرات العناوين التي يمكن ايرادها في هذا السياق ولا يــبدو انها جزء من الهموم الإنتخابيـــة لمعظم القــوى في لبنان، بدءاً من الإعتراض على استعمال أسلحة التحريض الطائفي في المعركة الإنتخابية، في طرفي الإنقسام، ومروراً بالتحفظ عن فشل وجوه نيابية ستترشح في كلا المعسكرين، ووصولاً الى البرامج وما تتضمنه من خلل يتجاوز عناوين الإنقسام التقليدية.
والحال ان هذا السؤآل تبلور في سياق نقاش بين مجموعة قريبة من 14 آذار ومن المفترض أنها تملك تحفظات ليست طفيفة عن الكثير من وجوه اداء هذه الجماعة. ومن الأجوبة التقليدية التي تم نقاشها، ان المعركة الإنتخابية في 7 حزيران المقبل ستكون معركة سياسية، وان أسماء المرشحين لا قيمة لها في سياق المنافسة، إنما الموقع السياسي الذي من المفترض ان تشكله اللوائح الفائزة. وكان مما قيل مثلاً ان ترشيح كل من نايلة تويني (حفيدة غسان تويني) ونديم الجميل (نجل بشير الجميل والنائبة صولانج) وسامي الجميل (نجل امين الجميل) وميشال معوض (نجل نايلة معوض)، وربما نجل محسن دلول وأنجال آخرين قد تظهر اسماؤهم في لوائح 14 آذار، كل هؤلاء يشكلون تفصيلاً في سياق معركة انتخابية كبرى، لا ينبغي الوقوف عنده.
وقيل ايضاً ان آلية محاسبة مرشحين من 14 آذار على سقوطهم في خطاب تحريض طائفي يرقى الى خطب تحريض مماثلة باشرها ميشال عون ليس اولوية الآن، خصوصاً ان لهذه الخطب وظائف انتخابية. ومن الأمثلة، ذلك التصريـح الذي اطلقه احد نواب 14 آذار في بكركي بعد زيارته البطريرك صفير، والذي قال فيه «ان استهداف المسيحيين في لبنان مستمر من خلال استهداف موقع رئآسة الجمهورية وموقع بكركي وقيادة الجيش»، واعطى مثالاً على هذا الإستهداف مقتل الضابط الطيار سمير حنا على يد مقاتل في حزب الله في اقليم التفاح قبل اشهر. ويبدو ان ادراج الحادثة في سياق استهداف المسيحيين سلاح انتخابي تعوزه النزاهة: فحادثة مقتل الضابط الطيار من المفترض ان تكون مناسبة لطرح نقاش حول السلاح خارج الدولة، لكن لا علاقة لها قطعياً باستهداف المسيحيين، ومُقاتل حزب الله الذي اطلق النار على الضابط لم يكن يعرف من دون شك اسم طائفة الضابط.
نائب 14 آذار استعمل سلاحاً غير مشروع لا بل من المفترض ان يكون محرماً في الوعي الـ»14 آذاري». لكن يبدو ان هذا ليس أولوية الآن، ومباشرة ميشال عون حملته الإنتخابية باستهداف الموقع السني تقتضي استعمال اسلحة مشابهة للإلتفاف على مكاسب الجنرال.
وهنا بدأت ملامح الإجابة عن السؤال، اذ يبدو من الصعب بل من المستحيل ان نأتي الى الإنتخابات من خارج عناوين الإنقسام، بل من خارج مضامينه، حتى القذرة منها! فخوض المعركة الإنتخابية بالأسلحة المتاحة هو خيار المرشحين الأوحد، وحتى اولئك الذين يبذلون جهداً لتفادي هذا السقوط، لن تصب جهودهم في مصلحة انتخابهم. وهذا ما يدفع الى حيرة فعلية، اذ ان المرء، اثناء سعيه الإنتخابي، سيواجه نفسه وقناعاته بعدد لا يستهان به من السقطات التي انتهكت الحد الأدنى مما يرتضيه لنفسه اثناء قبوله بمعادلة ان المعركة سياسية، وان كل هذه «الخروقات» ليست اكثر من تفاصيل علينا عدم التوقف عندها.
لا وجــود لمرشح نموذج يحاكي قيماً كنــا اعتقدنـــا انها الحد الأدنى الذي اتفقنا عليــه في تظاهرة 14 آذار 2005. فالوقائع في السنوات الثلاث التي اعقبت هذا التاريخ كانت ثقيلة واصابت تلك اللحظة العابرة بالكثير من «الميكروبات». ربما حمل ذلك التأمل قدراً من السذاجة، ومن الإعتقاد ان بإمكان لحظة نقية ان تمحو تاريخاً ملوثاً.
ذلك المــرشح النمـــوذج سيكـــون ضعيفاً وسيُثقل على اللائحة، ولن ينتخبه أناس لا وجود لهم اصلاً. الآن علينا تدبير اللوائح وقبول الورثة والتغاضي عن التحريض الطائفي. الآن علينا الفوز في الإنتخابات.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى